الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصلحة مرسلةً، والاسترسالُ في ذلك (1) عظيم، ويقع فيه منكراتٌ عظيمةُ الوقع في الدين، واسترسال قبيح في أذى المسلمين، ولست أنكِرُ على من اعتبر أصلَ المصالح المرسلة، لكن يحتاج إلى نظر شديدٍ، وتأمل سديدٍ، وعدمِ التجاوز للحد المعتبر.
التاسعة والخمسون بعد المئتين:
تكلَّموا في إنكار الولد على الوالدى (2)، قال بعضُ المالكية: فإذا رأى الرجلُ أحدَ أبويه على منكرٍ من المناكير فَلْيَعِظْهُما برفق، وليقل لهما في ذلك قولاً كريماً، كما أَمرَ الله تعالى حيث يقول:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} [الإسراء: 23] الآية إلى قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].
وغيرُه رتَّب الحِسْبةَ خمسَ مراتب:
الأولى: التعريف.
والثانية: الوعظ بالكلام اللطيف.
والثالثة: السب والتعنيف، قال: ولست أعني بالسبِّ الفحشَ، بل أن يقول: يا جاهل! يا أحمق! أما تخاف الله؟! وما يجري هذا المجرى.
(1)"ت": "والاسترسال في ذلك، وشاورني بعض القضاة في قطع أنملة شاهد، والغرض منعه عن الكتابة بسبب قطعها، وكل هذه منكرات عظيمة الوقع
…
".
(2)
"ت": "الوالد على الولد"، وهو خطأ.
والرابعة: القهرُ (1) بطريق المباشرة؛ ككسر الملاهي، وإراقةِ الخمر، واختلاعِهِ الثوبَ الحريرَ من رأسه، واستلابِ الشيء (2) المغصوب منه وردِّه على صاحبه.
و [الخامسة]: التخويف بالتهديد بالضرب، أو مباشرة الضرب له حتى يمتنعَ عمَّا هو عليه (3).
وجعلَ للولد الحسبةَ بالرتبتين الأوليين وهو التعريف، ثم الوعظ والنصح باللطف، قال: وليس له الحِسبةُ بالسبِّ والتعنيف والتهديد، ولا بمباشرة الضرب، وهما الرتبتان الأخيرتان، وهل له الحسبة بالرتبة الأخيرة (4) بحيث يؤدي إلى أذى الوالد وسخطِهِ؟
قال: فيه نظرٌ، وهو أن يكسرَ [مثلاً](5) عودَه، ويريقَ خمرَه، ويَحِلَّ الخيوطَ من ثيابه المنسوجةِ بالحرير، ويردَّ إلى الملَّاكِ ما يجده في بيته من المال الحرام الذي غصبه أو سرقَه أو أخذَه عن (6) إدرار
(1)"ت": "والمنع بالقهر" بدل "والرابعة: القهر"، وفي المطبوع من "الإحياء" للغزالي، وعنه نقل المؤلف:"المنع بالقهر".
(2)
في المطبوع من "الإحياء" للغزالي: "واختطاف الثوب الحرير من لابسه، واستلاب الثوب
…
".
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 315).
(4)
أي: التي لم يوضح أمرها بعد، وهي الرابعة، فقد ذكر جواز الأولى والثانية، وامتناع الثالثة والخامسة.
(5)
سقط من "ت".
(6)
في الأصل و"ب": "من"، والمثبت من "ت".
ورزق من ضريبة المسلمين، إذا كان صاحبه معيناً، ويُبطل الصورَ المنقوشةَ على حيطانه، والمنقوشةَ في خشب بيته، ويكسرَ أوانيَ الذهبِ والفضةِ، فإنَّ فِعْلَه في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب، بخلاف الضرب والسبّ، لكن الوالد قد يتأذى به ويسخطُ بسببه، إلا أنّ فعلَ الولدِ حق، وسخطَ الأبِ (1) منشؤه حبُّه للباطل والحرام.
والأظهر في القياس أن يثبتَ ذلك للولد (2)، بل يلزمه أن يفعلَ ذلك، ولا يبعد أن ينظرَ إلى قُبحِ المنكر؛ كإراقة خمرِ مَنْ لا يشتدُّ غضبُه، فذلك ظاهر (3)، فإن كان المنكرُ فاحشاً والسخطُ شديداً؛ كما لو كانت آنيةَ بلور أو زجاج على صورة حيوان، وفي كسرِها خُسرانُ مالٍ كثير، فهذا مما يشتد فيه الغضب، وليس تجري هذه المعصيةُ مجرى الخمرِ وغيرِه، فهذا كلُّه مجالُ النظرِ (4).
قلت: أمّا إباحةُ التعريف، والوعظ بالقول اللطيف، فلا شكَّ في [إباحة](5) ذلك.
وأما المنع من السبّ فصحيح أيضاً، بل لو طُولبنا بدليل على
(1)"ت": "الوالد".
(2)
"ت": "للولد ذلك".
(3)
"ت": "ولا يبعد أن ينظر إلى قبح المنكر وإلى مقدار الأذى والسخط، فإن كان المنكر شديداً وسخطه عليه قريبًا؛ كإراقة خمر
…
".
(4)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 318).
(5)
سقط من "ت".
جوازِ السب في حقِّ الأجنبي لاحتجنا إلى ذلك، لا سيما إذا كان مستغنىً عنه في إنكار المنكر.
وأما الثالثة التي جعل فيها نظراً، فتحريمُ الإنكارِ على الولد عندي فيها بعيد.
وأمّا ما نحن فيه من نصرة المظلوم إذا كان الأب ظالماً فأبعد؛ لاسيما إذا كان الضررُ شديداً، فلا يمكن بوجهٍ من الوجوه أن يقالَ بتحريم الإنكار على الأب بطريق المنع والدفع، وإنما اخترت هذا المذهب لوجوه:
أحدها: أنَّ الأبَ إذا أُمِر بترك إنكار المنكر وكانت مخالفتُه مما يسخطُه، وجبَ أن لا يطاعَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا طَاعَةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخَالِقِ"(1)، وكذلك (2) إذا لم يكن هاهنا أمرٌ ومخالفةٌ له (3) بدليل، وبل أولى؛ لأنَّ المخالفةَ بعد الأمر أشدّ منها قبلَ الأمرِ.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 66)، والطبراني في "المعجم الكبير"(18/ 165)، وفي "المعجم الأوسط"(4322)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(602)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(873)، وغيرهم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 226): رجال أحمد رجال الصحيح.
(2)
"ت": "فكذلك".
(3)
في الأصل: "ومخالفته له"، والمثبت من "ت".
وثانيها: أنَّ جنسَ هذه المصلحة؛ أعني: احترامَ الوالد (1)، قد ألغاه (2) الشرعُ في جنس المعصية حيث يقول:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]، [وبسبب هذا سقطت حرمة الأبوين في الشرك، وذلك](3) لتقديم حفظِ حرمات الله تعالى، ودفعِ المفاسد في الأرض على حُرمةِ الوالد.
فإن قلت: فذاك في حقّ الأب الكافر لا في حق [الأب](4) المسلم.
قلت: قد ذكرتُ أنَّ الشارعَ أهدرَ جنسَ المصلحةِ بالنسبة إلى جنس برِّ الوالدين، ولم أقل: أهدرَ عينَها.
وثالثها: أناّ إذا اعتبرنا اشتقاقَ (المحادّة)، وأخذناه (5) من الحدّ، وأن يكون كلُّ واحد من المُتَحادَّين في حد عن الآخر (6)، والمرادَ (7)
(1)"ت": "الولد".
(2)
"ت": "ألغاها".
(3)
في الأصل: "وليس هذا لسقوط حرمة الأب، فإذاً ليس ذلك لعدم اعتبار حق الولد، فهو إذن"، والمثبت من "ت".
(4)
سقط من "ت".
(5)
في الأصل: "أخذها"، والمثبت من "ت".
(6)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (3/ 140)، (مادة: حدد).
(7)
أي: اعتبرنا المراد.
بمحادّة الله تعالى مخالفةَ أمرِه وتعدِّي حدوده، أو مخالفة رسوله، أو ما أشبهه، فباعتبار الاشتقاق يدخل تحت (1) المخالفةِ بالمعصية، فتتناوله الآيةُ.
ورابعها: الإنكارُ على الأب إحسانٌ إليه، والإحسان إليه واجب، فالإنكار عليه واجب.
أما إنه إحسان إليه؛ فلأنه تخليصٌ له من ورطة العقاب واستحقاقِ العذاب، وذلك إحسان.
وأما إنّ الإحسان إليه واجب؛ فلِقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، فهو عام أو مطلق [يفهم منه العموم](2) في كل إحسان إلا ما خصَّهُ الإجماع، أو دليلٌ مقدمٌ على العموم.
وخامسها: إذا كان منكَرُ الأب ظلماً للغير؛ كأخذ ماله أو غصبِهِ، فردُّه على المالك نصرة للأب؛ لأنه منعٌ له من الظلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"انصر أخاك ظالمٌ أو مظلوماً"، وجَعَلَ نصرَه ظالماً أن يمنَعه من الظلم (3)، واذا كان نصراً للأب وجبَ أن يجب؛ لأنَّا أُمِرْنا بنصر (4) المظلوم.
(1)"ت": "تحته".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
"ت": "بنصرة".
وسادسها: قد قدمتُ الإشارةَ إليه [من](1) أنّ القدرَ الواجبَ من برِّ الوالدين غيرُ منضبط عندنا بضابط حاصِرٍ مُبيَّنٍ (2)، والقيامُ بحدود الله تعالى، ودفعُ محارمِهِ، وإزالةُ المفاسد عن الدين، قاعدةٌ معلومةُ الثبوتِ قطعًا من الشرع، وكون هذا الشيء المُزالِ منكراً و (3) محرماً ومفسدة، معلومٌ أيضاً قطعاً، وتقديمُ المعلومِ على المجهولِ راجحٌ.
وسابعُها: أن إزالةَ المفاسد الشرعية والمنكراتِ (4) القبيحةِ عن الدين من مرتبة الضرورة، وجنسُ برِّ الوالدين من مرتبة التحسين أو تتمتِهِ (5)، ومرتبةُ الضرورة متقدمةٌ (6)، وليس قولنا: إنه من مرتبة التحسين والتتمة (7)، مما ينافي القولَ بوجوبه، فلا يُغْلَطنَّ (8) في ذلك.
وثامنها: أنّ الأبَ - بارتكابه [ما](9) حرّمه اللهُ تعالى - هاتِكٌ
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "متين".
(3)
"ت": "أو".
(4)
"ت": "والمذمات".
(5)
"ت": "أو شبهه".
(6)
"ت": "مقدمة".
(7)
"ت": "أو شبهه".
(8)
"ت": "تغلطن".
(9)
سقط من "ت".
لحرمته، فإن انهتكت (1)، فهو هاتكُها بالحقيقة، ولا شكّ أن المسلمَ محرَّمُ الدمِ واجبُ العِصمة، فإذا صَالَ على غيرِه في نفسِهِ أو مالِهِ، دفَعه، ولو أدَّى إلى قتله، فكان (2) هو الهاتك لحرمته وعصمته بالصّيال.
ولا ينتهض عندي غضبُ الوالد وسخطُه؛ لأَنْ يرى الولدُ المالَ المحرَّمَ تحت يده يأكله ظلماً كمالكه، ويتركَ الوالدَ (3) يأكلُه يستبيحُه مع القدرة على ردِّه لمالكه، هذا في غاية البُعد.
فإن ترقَّينا إلى أن يراه يريدُ قتلَ المسلم بالسيف ظلماً، وتعذَّر عليه دفعهُ عنه إلا بما يُسْخطُه، فقد خرج الأمر [عن الاستبعاد](4) إلى القطع يبطلان [قول](5) من يقول بمنع ذلك.
وأما القول بالنظر إلى مقابلة المصالح والمفاسد فهو جَرَيَانٌ على قاعدة عامّة، ولكن النظر في إن اشتدَّ غضبُ الأب، هل يقاوم (6) ارتكابَ هذه المعاصي؟
ومن قال: إن الابنَ إذا رأى الأبَ قد أعدَّ آلاتِ شربِ الخمر،
(1)"ت": أنهتك".
(2)
"ت": "وكان".
(3)
"ت": "ويتركه الولد".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
(6)
الضمير هنا يعود على الابن؛ أي: هل يقاوم الابن ارتكابَ المعاصي؟
وأحضرَ الخمرَ إلى منزله، والابنُ قادرٌ على إزالة ذلك بالإراقة، ويكون الواجب عليه أن لا يفعلَ ذلك، ويمكِّنُ (1) الأبَ من الشرب؛ لأجل حرمته، فقد أتى عندنا أمراً يحتاج إلى نصٍّ شرعي مبيّنٍ لهذا الحكم، ودالٍّ عليه.
[قال](2): فإن قيل: ومن أين قلتم إنه ليس له الحسبةُ بالتعنيف والضرب والإرهاق (3) إلى ترك الباطلِ، والأمرُ بالمعروف في الكتاب والسنة ورد عاماً من غير تخصيص، وأما النهي عن التأفيف والأذى فقد وردَ، وهو خاصٌّ فيما لا يتعلق بارتكاب المنكر؟
فنقول: قد وردَ في حق الأب على الخصوص ما (4) يوجب الاستثناء عن (5) العموم؛ إذ لا خلاف في أن الجلَّادَ ليس له أن يقتُلَ أباه [في الزنا](6) حَدًّا، ولا أن يباشِرَ إقامةَ الحد عليه، بل لا يباشرُ قتل أبيه الكافرِ، بل لو قطع يدَه لم يلزمه قِصاصٌ، ولم يكن له أن يؤذيَهُ في مقابلته، وقد ورد في ذلك أخبارٌ، وثبَتَ بعضُها بالإجماع (7)، فإذا
(1)"ت": "ولا يمكن".
(2)
سقط من "ت"، والقائل: هو الغزالي رحمه الله.
(3)
"ت": "والإراقة".
(4)
في الأصل: "بما"، والمثبت من "ت".
(5)
"ت": "على".
(6)
زيادة من "الإحياء" للغزالي.
(7)
قال الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 318): قلت: لم =
لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جنايةٍ سابقة، فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع من جناية مستقبَلةٍ متوقَّعَةٍ، بل أولى، هذا قوله، أو كما قال (1).
قلت: أمّا أنه ورد في حق الأب ما يوجب استثناءَه في إنكار المنكرات، فإن كان ذلك هي العمومات الموجبةُ لبره والإحسان إليه، فهي بالنسبة إلى العمومات الدالة على وجوب إنكار المنكر مما تتعارض فيه العموماتُ من وجهٍ دون وجه؛ لأنه إذا قال: وجب أن يُستثنى عن (2) الأمر بالمعروف حالُ الوالد للدلائل الدالة على [وجوب](3) برِّه، قال خصمُه: وجب أن يُستثنى عن الدلائل الدالة على وجوب برِّه حالُ ارتكابِه للمعصية؛ للدلائل الدالة على وجوب الأمر
= أجد فيه إلا حديث: "لا يقاد الوالد بالولد" رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر. قال الترمذي: فيه اضطراب، انتهى.
قال عبد الحق: هذه الأحاديث - أي: ما ورد في عدم قتل الوالد بالولد" كلها معلولة لا يصح منها شيء، وقال الشافعي: حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم: أن لا يقتل الوالد بالولد، وبذلك أقول. قال البيهقي: طرق هذا الحديث منقطعة، وأكد الشافعي بأن عدداً من أهل العلم يقولون به. انظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (4/ 17).
(1)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 318).
(2)
"ت": "يستثني".
(3)
زيادة من "ت".
بالمعروف والنهي عن المنكر (1).
فليس استثناء الأب من دلائل الأمر بالمعروف بأولى من استثناء الأمر بالمعروف من دلائل وجوب البِر إلا بترجيحٍ من خارج، وقد أشرنا إلى ما يقتضيه، وإن كان الموجبُ للاستثناءِ ما ذُكِرَ [من](2) أنه لا خلافَ في أنّ الجلَّادَ ليس له أن يقتلَ أباه حدًّا، فلعل السببَ فيه أنه لا يتعيَّنُ لذلك، ويمكن إقامةُ الحدِّ بدونه، فإقدامُه عليه إيذاءٌ (3) واستهانةٌ من غير ضرورة، لا سيما إذا لم يتضيَّقِ الوقت في إقامة الحد.
وكذلك نقول: سبيلُ إراقة الولدِ خمرَ الوالد الذي أعدَّه للشرب سبيلُ فروض الكفايات، فإن كان يمكن إزالة غيره [له](4)، وارتفاع المفسدة بفعل سواه، فلا يجب عليه ذلك، بل نزيد ونقول: إنه قد يمكن أن يُعتبر في إسقاط الوجوب عن الولد ما لا يُعتبر في إسقاطه عن الأجنبي، وهذا حقيقةُ مذهبِ مالك في قتل الأبِ لولده، فإنه قال: إذا أضجعه وذبحه أُقيد (5)[به](6)(7)، وحاصلُه: أن يُتَوَسَّعَ
(1)"ت": "قيل له: وجب أن يستثنى عن دلائل الأمر ببره حالة ارتكابه المعصية للدلائل الدالة
…
".
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "إهانة".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
من القَوَد، وهو أن يُقتَل القاتلُ بالقتيل.
(6)
سقط من "ت".
(7)
ذكره ابن العربي في "أحكام القرآن"(1/ 94).
في إسقاط القصاص عن الأب بما (1) لا يُتَوَسَّع بِهِ في إسقاطه عن الأجنبي.
وأما أن يجبَ عليه تركُ الإنكار والإراقة، والتمكينُ (2) من هذه المعصية الكبيرة بحفظ حرمة عاصٍ لله تعالى بارتكابها، فبعيد.
فإن فُرضَ في مسألة الجلَّادِ أنه تعيَّن لإقامة الحد، والوقت مضيق لا يحلُّ التأخيرُ فيه، فقد يَمنع قيامُ الإجماع على التحريم (3)، والله أعلم.
وأما قتلُ أبيه الكافر فليس فيه إجماع، والمذكور (4) عن مالكٍ وغيره: الكراهةُ في أن (5) يبارزَهُ، وقال سُحنون: وإن اضطرَّهُ أبوه المشركُ وخافَه، فلا بأس أن يقتلَه، وذكر في "النوادر" (6) في أثناء كلامٍ لغيره - أو له -: وقد تنازعَ الناس في الأب، وقد أتى أبو عبيدة إلى النّبي صلى الله عليه وسلم برأس أبيه، وفيه نزلت:{لَا تَجِدُ قَوْمًا} إلى قوله
(1) في الأصل: "مما"، والمثبت من "ت".
(2)
"ت": "بالتمكين".
(3)
أي: من إقامة الحد.
(4)
"ت": "والمنقول".
(5)
"ت": "بأن".
(6)
لإمام المالكية في وقته ابن أبي زيد القيرواني المتوفى سنة (386 هـ)، وعلى كتابه هذا المعوَّل في التفقه. انظر:"الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 138).