الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد، وعدمِ المشَاحَّة (1) في الألفاظ في مثل هذا، فيكون روايةُ من روى "حتى تُوضعَ في اللَّحدِ"، و"حتَّى توضَعَ في القبرِ"، و"حتَّى تُدفنَ": كلٌّ (2) شيءٌّ واحدٌ عُبِّر به عن الدَّفنِ؛ لأنَّ الوضعَ في اللحد أو القبرِ مقاربٌ لحالة الدَّفن، والمقصودُ - والله أعلم -: الاتِّباعُ إلى حالة الفراغ.
ويدلُّ على هذا: أنَّه لا يُتوهَّمُ الفرقُ بين وضعهِ في اللحد، ووضعِه في القبر، وبينهما اختلافٌ في الحقيقة، اللهمَّ إلا على مذهب الظاهريَّة الجامدة.
وعلى هذا البحثِ لا يترجَّح حصولُ القيراط الثاني لصاحب الدَّرجة الثَّانية من حيثُ اللفظُ؛ لأنَّه إن سلكنا طريقَ الترجيحِ، فقد يكونُ الراجحُ روايةَ من روى:"إلى أَنْ تُدفنَ"، فلا يترجَّحُ حصولُ القيراطِ لمن لم يتّبعْ إلى الدفن، واكتفى بالوضعِ في اللَّحدِ.
وإن سلكنا طريقَ التجوُّزِ فقد آلَ الحالُ إلى أنَّ الكلَّ راجعٌ إلى الاتباعِ إلى أَنْ تدفنَ، وقد اتَّضح لك سبيلان، فاسلكْ أيَّهُمَا رَجَحَ (3) عندكَ، أو فكِّرْ في طريقٍ ثالث، والله أعلم.
الثامنة والأربعون:
اتباعُ الجنائزِ عامٌّ بالنسبةِ إلى الرجال والنساء، وقد وردَ في اتباع النساء تشديدٌ يقتضي التخصيصَ من حديثِ إسرائيلَ، عن إسماعيلَ بنِ سلمانَ، عن دينارِ أبي عمرَ، عن
(1)"ت": "المشاححة".
(2)
"ت": "كله".
(3)
"ت": "أرجح".
ابنِ الحنفيَّةِ، عن عليٍّ - قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا نِسوةٌ جلوسٌ، قال:"ما يُجْلِسُكُنّ؟ " قلنَ: ننتظر الجنازة، قال:"هل تَغْسِلْنَ؟ " قلن: لا، قال:"هل تَحْمِلْنَ؟ " قلنَ: لا، قال:"تُدْلِيْنَ فيمَنْ يُدْلِي؟ " قلنَ: لا. [قال]: "فارْجعْنَ مأزُوراتٍ غيرَ مأجوراتٍ". رواه ابن ماجه، عن محمد بن مصفَّى، عن أحمد بن خالد، عن إسرائيل (1).
وأصحُّ من هذا حديثُ أمِّ عطيةَ الصحيحِ قالت: نُهينا عن اتِّباع الجنائز، ولم يُعْزَم علينا. متَّفق عليه (2).
وفي "التهذيب" المالكي (3): وتتبعُ المرأةُ جنازةَ زوجِها وولدِها
(1) رواه ابن ماجه (1578)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في اتباع النساء الجنائز. وإسناده ضعيف. انظر: "العلل المتناهية" لابن الجوزي (2/ 902)، و"مصباح الزجاجة" للبوصيري (2/ 44).
(2)
رواه البخاري (1219)، كتاب: الجنائز، باب: اتباع النساء الجنائز، ومسلم (938/ 34)، كتاب: الجنائز، باب: نهي النساء عن اتباع الجنائز.
(3)
للإمام شيخ المالكية خلف بن أبي القاسم أبي القاسم وأبي سعيد الأزدي القيرواني المغربي المالكي المعروف بالبراذعي، كتاب:"التهذيب في اختصار المدونة" اتبع فيه طريقة اختصار أبي محمد إلا أنه ساقه على نسق المدونة، وحذف ما زاده أبو محمد - أي: ابن أبي زيد -، وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، وعليه معوَّل الناس بالمغرب والأندلس، توفي بعد (430 هـ)، وكان من كبار أصحاب ابن أبي زيد وأبي الحسن القابسي رحمهم الله أجمعين. انظر:"ترتيب المدارك" للقاضي عياض (4/ 708)، و"الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 112)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (17/ 523).
ووالدِها وأختِها، إذا كان يُعرف أنَّ مثلَها يخرج على مثلهِ، وإن كانت شابةً، ويُكرَهُ أن تخرجَ على غير هؤلاء ممَّن (1) لا يُنكر عليها الخروجُ عليهم من قرابتها (2).
وذكر بعضُ مصنفي الشافعيَّة: أنَّه يكرهُ لها - يعني: المرأةَ - أتِّباعُ الجَنازةِ، والخروجُ إلى المقبرةِ مع النِّسوان (3).
وقال بعض مصنفي الحنابلة: ويُكره اتباع النساءِ الجنائزَ (4).
قلت: حديثُ أمّ عطيةَ يدلُّ على الكراهة لا على التَّحريم؛ لقولها: ولم يُعزم علينا، والذي ذكرناه عن ابنِ ماجة يقتضي التحريمَ؛ لقوله:"مأزورات"، إلا أنه حديث فيه من لا يُعرف حالُه، وفي معناه حديث رواه أبو داود: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لقيَ فاطمةَ، قال:"ما أخرجَكِ يا فاطمةُ من بيتك؟ " قالت: أتيتُ أهلَ هذا البيتِ، فرحمت (5) على ميِّتهم، أو عزَّيتهم به. قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"فلعلَّكِ بلغتِ معهم الكُدى"، قالت: معاذَ اللهِ! وقد سمعتكَ تذكرُ [فيها](6) ما تذكر. قال: "لو بَلَغْتِ مَعهُم الكُدى"، فذكر تشديدًا (7).
(1)"ت": "ويكره أن تخرج على غيرها ولا ممن".
(2)
انظر: "تهذيب المدونة" للبراذعي (1/ 130).
(3)
انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (5/ 231).
(4)
انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 176).
(5)
في الأصل: "فترحمت"، والمثبت من "ت" و"ب".
(6)
سقط من "ت".
(7)
رواه أبو داود (3123)، كتاب -: الجنائز، باب: في التعزية، وابن حبان =