الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك قولُهم في حديث ميمونة بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "هلَّا أخذْتُم إهابَها فدَبغْتُموه، فانتفعْتُم به؟ " قالوا: إنها ميتة، قال:"إنَّما حَرُم أكلُها"(1).
وكذلك قولهم: لما استسقى صلى الله عليه وسلم من شَنٍّ معلقة، فقال: يا رسولَ الله! إنها ميتة، فقال صلى الله عليه وسلم:"دِباغُ الأديمِ طَهُورُه"(2).
السابعة والعشرون:
الذين قالوا بطهارة الجلد بالدباغ يحتاجون إلى الجواب عن حديث عبد الله بن عُكَيم، والذي يقال فيه وجوه:
الأول: التعليل باضطراب الإسناد، قال الترمذيُّ: سمعت أحمدَ بن الحسين يقول: كان أحمدُ بن حنبل يذهب إلى حديث عبد الله بن عُكَيم لما ذكر فيه: "قبل وفاته بشهرين"، وكان يقول: هذا آخر أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أحمدُ هذا الحديث لمَّا اضطربوا في إسناده، حيث يروي بعضُهم: قال عبد الله بن عُكَيم عن أشياخ من جُهَينة (3).
وفي كتاب الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي (4)
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "سنن الترمذي"(4/ 222).
(4)
هو الإمام الحافظ الكبير علي بن المفضل بن علي أبو الحسن المقدسي ثم الإسكندراني المالكي، جمع وصنف، وبرع في المذهب، وكان مقدمًا فيه، وفي الحديث، له تصانيف محررة، وكان ذا دين وورع، وأخلاق =
شيخ شيوخنا: وقد اعتمد الأصحاب على حديث عبد الله بن عُكَيم، ثم ذكره، قال: وهو ضعيف في إسناده، قابل للتأويل في مراده.
وأقول: قولُه: وهو ضعيفٌ في إسناده، لا يُحمل على الطعن في الرجال، فإنهم ثقاتٌ إلى عبد الله بن عكَيم، وإنما ينبغي أن يحملَ على الضعف بسبب الاضطراب، كما ذكرنا عن أحمد بن حنبل رحمه الله (1).
وأبو حاتم ابن حبان قد أخرجه في "صحيحه"(2).
الوجه الثاني: القول بموجبه بناء على أن الإهابَ اسم للجلد قبل الدباغ، وقد تقدم الخلافُ فيه بين نَقَلة اللغة، وأن بعض أهل اللغة يجعل الإهابَ اسمًا للجلد من غير تقييد، وهو قول الهُنائي في "مجرده"(3)، والزُّبيدي في "مختصره"(4)، والأزهري في "تهذيبه"(5)،
= رضية، توفي سنة (611 هـ). انظر:"وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 290)، و"سير أعلام النبلاء"(22/ 66)، و"تذكرة الحفاظ" كلاهما للذهبي (4/ 1390).
(1)
نقله عنه الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 47).
(2)
برقم (1277).
(3)
هو كتاب: "مجرد الغريب" على مثال "العين" في اللغة، للإمام النحوي علي ابن الحسن أبي الحسن الهنائي الدوسي المصري المعروف بكُراع النمل، توفي بعد سنة (307 هـ). انظر:"هدية العارفين" للبغدادي (1/ 358).
(4)
تقدبم ذكره والتعريف به، وهو "مختصر العين".
(5)
انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (6/ 245)، (مادة: أهب).
وقال الأزهري في "غريب كتاب المزني": وكل جلد عند العرب إهاب (1).
وعلى قول هؤلاء لا يتمُّ القولُ بالموجب.
الوجه الثالث: التخصيص، وهو مبنيٌّ على أن الإهاب اسم للجلد مطلقًا، فإذا كان كذلك، فهو عامٌّ فيما قبلَ الدباغ وبعدَه، فنخصه بما قبل الدباغ، وهذا يُحوِج إلى قاعدتين قدمناهما؛ إحداهما: أن لا يُقدَّم المؤرَّخ. والثانية: حكمُ العام مع الخاص إذا جُهل التاريخ.
الوجه الرابع: الترجيح، وهذا مذكور عن الشافعي رحمه الله في المناظرة التي ذكرها أبو الشيخ الحافظ، قال: إن إسحاق بن راهويه ناظر الشافعيَّ وأحمدَ بن حنبل (2) في جلود الميتة إذا دبغت، فقال الشافعي: دباغُها طهورُها، فقال له إسحاق: ما الدليل؟ فقال: حديث االزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلَّا انتفعْتُم بإهابِهَا".
فقال له إسحاق: حديث ابن عُكَيم: كتب إلينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبلَ موته بشهر: أن لا تنتفعوا من الميتة بإِهابٍ ولا عَصَبٍ، فهذا يشبه أن يكون ناسخًا لحديث ميمونة؛ لأنه قبلَ موتِه بشهر.
(1) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 38).
(2)
في المطبوع من "غرر الفوائد" لابن العطار: "بحضرة الإمام أحمد" ولعله كذلك؛ إذ المناظرة معروفة بين الإمامين الشافعي وإسحاق بن راهويه.