الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة والتسعون بعد الثلاث مئة:
قد ذكرنا في تفسير القَسِّي ما يُشعر بأنه غير مُتمحِّض الحرير في بعض الأقاويل، وأوردنا عن ابن وَهْب، [وابن بُكير] (1): أنها ثيابٌ مُضَلَّعةٌ بالحرير تُعْمل بالقَسِّ من بلاد مِصر مما يلي الفَرْما (2)، وفي كتاب البخاري: فيها حريرٌ أمثال الأتْرُجِّ (3). وعلى هذا يكون النهيُ متوجهًا على بعض الممزوج بالحرير.
وللشافعية في الممزوج طريقان؛ أحدهما: إن كان ذلك المغيّر (4) أكثرَ في الوزن لم يحرُم لُبسه، [وذلك كالخزّ سَدَاه إبْرِيْسَم، ولُحْمتُه صُوف، فإنَّ اللُحمةَ أكثرُ من السَّدَاة](5)، وإن كان الإبريسمُ أكثرَ يحرمْ، وإن كان نصفين ففيه وجهان؛ قال الرافعي: أصحُّهما أنه لا يحرم؛ لأنه لا يسمى ثوبَ حرير، والأصلُ الحِلُّ (6).
وهذا الَّذي صحَّحه الرافعيُّ خالَفه غيرُه في التصحيح وقال: الصحيحُ أنه يحرم (7)، [يريد] (8): تغليبًا للتحريم.
(1) سقط من "ت"، وفي الأصل:"وابن مكين"، والتصويب من "ب".
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 193).
(3)
انظر: "صحيح البخاري"(5/ 2195).
(4)
"ت": "الغير".
(5)
هذه الجملة جاءت على هامش "ت"، وذكر أنها في نسخة.
(6)
انظر: "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي (5/ 29).
(7)
انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (4/ 379 - 380).
(8)
سقط من "ت".
قال الرافعي: وقال القفَّال، وطائفةٌ من أصحابه: لا يُنظر إلى الكثرة والقِلَّة، ولكن يُنظر إلى الظُّهور، فإن لم يظهرِ الإبريسَمُ حلَّ، كالخزِّ الَّذي سَداه إبريسمُ، وهو لا يظهر، وإن ظهر الإبريسمُ لم يحلّ، وإن كان قدرُه في الوزن أقلَّ.
قال الرافعي - رحمه الله تعالى -: فيخرج من هاتين الطريقتين القطعُ بالتحريم إن كان الإبريسم ظاهرًا، أو (1) غالبًا في الوزن؛ لاجتماع المعنيين المنظور إليهما، وإن وُجد الظهور دون غلبة الوزن حرُمَ عند القفَّال، ولم يحرم عند الجمهور، وإن وجد غلبةُ الوزن دون الظهورِ انعكس المذهبان (2).
وقال القاضي أبو الوليد بن رشد المالكي: وقد اختلف السلف رضي الله عنهم في لباس الحرير الَّذي سَداه حرير، وما كان في معناه اختلافًا كثيرًا، وذكر أنه يتحصَّل فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنَّ لباسَها جائزٌ من قَبيل المباح، مَنْ لَبِسَهُ لم يأثَمْ، ومَنْ لا، لم يؤجر [على](3) تركها، وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما وجماعةٍ من السلف، منهم ربيعة على ما وقع من قوله في أول سماع ابن القاسم من كتاب "جامع العتبية"؛ لأنهم تأولوا أن النهي والتحريم في لباس
(1)"ت": "و".
(2)
انظر: "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي (5/ 29 - 30).
(3)
زيادة من "ت".
الحرير للرجال، إنَّما ورد في الثوب المصمَّت الخالصِ من الحرير.
والثاني: أنَّ لباسَها غيرُ جائز، وإن لم يُطلق عليه أنه حرام، فمن لَبِسَها أَثِمَ، ومن تركها نجا، [وفيها] (1) أثر: قيل في حُلَّة عُطَارِد والسِّيَراء التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما يلبسُ هذه مَنْ لا خلاقَ له في الآخِرَةِ"(2) إنها كانت يخالطها الحرير، وكانت مضلَّعَةً بالقَزِّ؛ وهو مذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، والظاهرُ من مذهب مالك، وإن كان قد أَطلقَ القولَ فيه أنه مكروه، والمكروهُ ما كان في تركه ثواب، وإن لم يكن في فعله عقاب؛ أذهب مطلقه فيما هو عنده غير جائز، تحرُّزًا من أن يُحرِّم ما ليس بحرام، والذي يدل على ذلك من مذهبه قوله في "المدونة": وأرجو أن يكونَ الحريرُ للصِّبيان خفيفًا (3).
والثالث: أن لباسَه مكروهٌ على المكروه، فمن لبسه لم يأثَم، ومن تركه أُجِرَ على تركه، قال: وهذا أظهر الأقوال، وأولاها بالصواب؛ لأنّ ما اختلف أهلُ العلم فيه لتكافُؤ الأدلة في تحريمه
(1) زيادة من "ب".
(2)
رواه البخاري (2470)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: هدية ما يكره لبسه، ومسلم (2068)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء.
(3)
انظر: "المدونة"(2/ 460).
وتحليلِه، فهو من المُشْتَبهات التي قال فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنِ اتَّقاها فقدِ اسْتبرأَ لدينهِ وعِرْضهِ"(1).
وعلى هذا القول: بأن (2) ما حُكي عن مطرِّف؛ من أنه رأى على مالكِ بن أنسٍ كساءَ إبريسم كساه إيَّاه هارونُ الرشيدُ، إذْ لم يكن ليلبس ما يعتقدُ أنه يأثَمُ بلبسه.
والرابع: الفرقُ بين ثياب الخَزِّ وسائر الثياب المشُوبة بالقطن والكتان، فيجوز لُبس ثياب الخز اتباعًا للسلف، ولا يجوز مما (3) سواها من الثياب المشوبة بالقطن والكتان بالقياس عليها، إلى هذا ذهب ابنُ حبيب، وهو أضعف الأقوال؛ إذْ لا فرقَ في القياس بين الخز وغيره من المُجوَّزات (4) التي قِيامُها حريرٌ وطُعْمتُها قطن أو كتان؛ لأنّ المعنى الَّذي من أجله استجاز لباسَ الحرير مَنْ لَبِسها من السَّلف، وهو أنه ليس بحرير مَحْضٍ، موجودٌ في المجوَّزات (5) وشبهها، فلهذا المعنى استجازوا لُبسه، لا من أجل أنه خز، إذ لم يأتِ أثرٌ بالترخيص (6) لهم في لُبس
(1) رواه البخاري (52)، كتاب: الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599)، كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(2)
"ت": "يأتي".
(3)
"ت": "ما".
(4)
"ت": "الثياب".
(5)
"ت": "المحررات".
(6)
"ت": "في الترخيص".