الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية: لفظٌ عام ظهر فيه قصدُ التعميم بقرينة زائدة على اللفظ، فحكمَ إمام الحرمين بأنه لا يؤوَّل بقياس، وقال بعض المتأخرين: وفي هذا نظر؛ فإن كانت القرينةُ تفيد العلمَ بالتعميم صار نصًا، وإن لم تفدْ إلا قوةَ الظن، فما المانع من تأويله بقياس أجلى منه في النظر، فلا وجهَ لهذا الإطلاق.
الثالثة: لفظ عام لغةً، ولا قرينةَ معه في تعميمٍ ولا في نقيضه، فالواجبُ - إذا أُوّل، وقُصِدَ بقياس - اتباع الأرجح في الظنِّ، فإن استويا وقف القاضي.
قال بعض المتأخرين: وهو الصواب لعدم المرجِّح، وقدم الإمام الخبر لإطلاقه، وهو كقوله:"الأعمالُ بالنِّيَّاتِ"(1)، انتهى.
وإمام الحرمين يقول: إنه لو قدَّم ظنَّ القياس على ظنِّ اللفظ لكان تقديمًا لمرتبة القياس على مرتبة الخبر (2).
الرابعة عشرة:
إذا آلَ الأمُر إلى تقديم الأرجح في الظن، فقياسُ الشَّبَهِ عندنا ضعيف، فإن قيل به، فيتقدمُ عليه العمومُ بالنظر إلى رتبته ورتبة العموم.
وأما النظر في الجزئيات فلا ينبغي أن يقدَّمَ القياسُ الشَّبَهي عليه إلا عند ضعف العموم ضعفًا شديدًا بكون قياس الشبه أغلب على الظن
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "البرهان في أصول الفقه" للجويني (1/ 364). وانظر: "البحر المحيط" للزركشي (4/ 177) حيث نقل عن المؤلف رحمه الله الفائدتين الثانية والثالثة عشرة.
منه، فإنا رأيناهم يستدلون بعموماتٍ ونصوصٍ بعيدةِ التناولِ في القصد لمحلِّ النزاع بظهور القصد، وكذلك القياسيون بالشبه يستدلون بقياسات مُتَهَالِكَةٍ في الضعف.
مثال الأول: الاستدلال بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] على أن اختلافَ الأماكن مانعٌ من القدرة، حيث تُعتقد مانعيتُه، فإن المعلومَ أن المقصودَ بهذا الكلام إقامةُ الجمعة، وعدمُ تركها؛ لأن مقصود السعي مطلقًا يرشد إليه قوله تعالى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، ولو قال قائل: الآية تتناول من سمع الدعاء - وهو في آخر باب المسجد بحيث لا يسمع الخطبة - أنه يجب عليه أن يسعى في المسجد إلى محلِّ ذكر الله تعالى، لكان مبطلًا جزمًا.
ومثال الثاني: قياس من قاس بطلانَ صلاة المأموم إذا تقدم على إمامه على بطلان صلاة المصلي الواقف على نجاسة، بجامعِ أنه وقف في مكان ليس فيه موقفٌ لأحد.
أما قياسُ العلة فهو أرفعُ من قياس الشَّبَه، فما كان قد أُومِئ إليه في النص فهو صحيح، وكذا ما عُلم المقصودُ منه، والسبب فيه، فقد ينتهي ذلك إلى درجة القطع، كما نعلم قطعًا أن تحريمَ الخمر لإسكارها، وإفسادها للعقل والتمييز، حتى لو لم يَرِدْ أنها لذلك، لكفى مجردُ النهي والتحريم.
وأما ما ليس فيه إلا مجرَّدُ مناسبةٍ تبيَّنَها النَّاظرُ لا يَقْوَى في النَّفس