الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثالُه: لو أراد أن يقطع يدَ نفسه، أو يُتلفَ بعضَ أعضائه، إلى غير ذلك، فيجب منعُه منه على طريق الحسبة بإنكار المنكرات؛ لأنَّ نفسَه ليست له حتى يتصرفَ فيها بالإتلاف، وإنما هي لله تعالى، فلا يجوز التصرفُ فيها إلا بما يأذن فيه المالكُ سبحانه وتعالى.
السادسة والسبعون بعد المئتين:
نشأ عن هذا إشكالٌ في بعض صور المنع في مثل هذا، وهو ما إذا توقف منعُه من قطع يده على قتاله، فهل يجوز قتالُه، وإن أدّى إلى قتله؟
ووجه الإشكال فيه: أنَّا إذا أبحنا ذلك، كان فيه إتلافُ جملةِ البدنِ، واليدُ منه، فكيف يُتلَفُ كلُّه؛ [للمنع](1) من إتلاف بعضه الذي يدخل إتلافُه تحت إتلافِ الكُلّ؟
وقد قيل في جواب هذا السؤال بعد أن حكم بقتاله ومنعه: إنه ليس غرضُنا حفظَ نفسِه وطرفِه، بل الغرضُ حسمُ سبيلِ المنكرات والمعاصي، وقتلُه في الحِسبة ليس بمعصية، وقطعُه طرفَ نفسه معصية، وذلك كدفع الصائل على مال مسلم بما يأتي على قتله، فإنه جائز لا على معنى أنَّا نفدي به درهما من مال مسلم، فإن ذلك مُحال، ولكنَّ قصْدَه لأخذ مال المسلمين معصية، وقتلَه في الدفع عن المعصية ليس بمعصية، وإنما المقصود دفعُ المعاصي.
السابعة والسبعون بعد المئتين:
قد قدّمنا أن نصرَ المظلوم قد
(1) سقط من "ت".
يكون بالمنع قبل الوقوع، ويكون في حال الوقوع، ويكون بعد الوقوع، وذلك كلام جلي (1)، ويبقى النظر فيما به يُزال في هذه الأحوال، فإنه قد يمتنع الإنكار ببعض الوجوه بالنسبة إلى بعض هذه الأحوال.
ومثالُه: ما إذا كان الشخص إذا خلا بنفسه قطَعَ طرَفَ نفسِهِ، فالمنعُ هاهنا بقتله في الحال أو بقتاله المؤدي (2) إلى قتله ممنوعٌ، وعُلِّل بأنه لا يُعلم يقيناً، ولا يجوز سفكُ دم بتوهُّمِ معصيةٍ، ولكنا إذا رأيناه في حال المباشرة للقطع (3) دفعناه، فإن قاتَلنا قاتلناه، ولا نبالي بما يأتي (4) على روحه، هكذا قيل (5).
وفي التصؤير تضييقٌ؛ لأنَّا إنْ تركناه حتى يشرع في القطع حقيقةً وقعتِ المفسدة، ولو في ابتداء القطع، فإن الجرح أيضاً مُنكَر ومحرم، فلا بد أن يقع الإنكار قبل الشروع، إنْ أراد بالشروع الشروعَ في حقيقة الأمر، وينبغي أن يُفْصَل في هذا بين القُرْب والبعد من الشروع، وقوةِ احتمالِ أن لا تقع المفسدة وضعفِه (6)، والله أعلم.
(1) في الأصل و "ت": "جملي"، والمثبت من "ب".
(2)
"ت": "المفضي".
(3)
"ت": "مباشرة القطع".
(4)
"ت": "يتأتى".
(5)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 324).
(6)
"ت": "ضعفها".