الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم؛ لأنه لا يحصُل بحمله (1) شيء مما يرجع إلى إعزاز الدين، بل يكون مُلْقياً نفسَه إلى التهلكة، قال: بخلاف ما إذا كان يرى قوماً من فُسَّاق المسلمين على منكر، وهو يعلم أنهم لا يمتنعون بنهيه وأنهم يقتلونه، فلا بأسَ بالإقدام عليه، وهو العزيمة، وإن كان يجوز له أن يترخَّص في السكوت؛ لأن هناك القوم يعتقدون ما يأمرهم به وما ينهاهم عنه، فلابدَّ [من](2) أن يكون نهيُه مؤثراً في باطنهم، فأمَّا الكفار فغيرُ معتقدين ما يدعوهم إليه، فالظاهر أنهم يقتلونه، فلا يسعُهُ الإقدامُ عليه (3).
[قلت: في هذا وانتظامِهِ على قانون واحد نظرٌ](4).
الحادية والخمسون بعد المئتين:
علمَ - أو ظنَّ - أنَّه يزولُ المنكرُ، ولكنه يخاف مكروهاً ينزل به، فالنظر في الوجوب والجواز.
أمَّا الوجوب: فقد أُسقط للضرر.
وأما الجواز: ففي "الإحياء" أنه يجوز للمحتسب، بل يُستحب أن يعرّض نفسَه للضرر والقتل إذا كان للحسبة (5) تأثيرٌ في رفع المنكرات، أو كسرِ جاه الفاسق، أو في تقوية قلوب أهل الدين (6).
وهذا اكتفاء في الاستحباب بما هو أعمُّ في زوال المنكر، فإنه
(1) في الأصل: "بحملته"، والمثبت من "ت".
(2)
سقط من "ت".
(3)
انظر: "المبسوط" للسرخسي (24/ 154).
(4)
سقط من "ت".
(5)
"ت": "لحسبته".
(6)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 319 - 320).
جَعلَ لكسرِ جاهِ الفاسق وتقويةِ [قلوب](1) أهل الدين تأثيراً في هذا الحكم، ولم يقصِرْه على زوال المنكر فقط.
قال: فأمَّا إن رأى فاسقاً متغلبًا (2) وحدَه، وعنده سيفٌ، وبيده قَدَحٌ، وعلم أنه لو أنكر عليه لشربَ القدحَ، وضربَ رقبَتَه (3)، فهذا ما لا أرى للحسبة فيه وجهاً، وهو عين الإهلاك، فإنَّ المقصودَ أن يؤثر في الدين أثراً ويفديه بنفسه، فأمَّا تعريضُ النفس للهلاك من غير أثر فلا (4) وجهَ له في الدين (5)، فينبغي (6) أن يكون هذا حرامًا، أو كما قال (7).
واستدل لهذه (8) المسألة بالخبر الذي أورده في فضل كلمة حقٍّ عند إمام جائر (9)، ولا شكَّ أن ذلك مَظِنَّةُ الخوف، وقال: فإن قيل:
(1) زيادة من "ت".
(2)
في النسخ الثلاث: "منفلتًا"، والمثبت من المطبوع من "الإحياء"، ولعله الصواب.
(3)
"ت": "شرب القدح ضرب رقبته".
(4)
"ت": "فهذا لا".
(5)
في "ت" زيادة: "أن يغريه بنفسه".
(6)
"ت": "بل قد ينبغي".
(7)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 320).
(8)
"ت": "في هذه".
(9)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، رواه أبو داود (4344)، كتاب: الملاحم، باب: الأمر والنهي، والترمذي (2174)، كتاب: الفتن، باب: ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (4011)، كتاب: الفتن، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو حديث حسن.
فما معنى قوله: {وَلَا تُلقُواْ بِأيدِيكم إِلَى التهلُكَةِ} [البقرة: 195]؟
قلنا: لا خلافَ في أن للمسلم الواحد أن يهجُمَ على صفّ الكفارِ ويقاتلَ، وإن علم أنه يُقْتَلُ، وهذا ممَّا ظُنَّ أنه مخالف لموجِب الآية، وليس كذلك، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس التهلكةُ ذلك، بل بذلُ النفقةِ في غير طاعةِ اللهِ عز وجل (1).
فلت: قسم محمودٌ الخوارزميّ (2)[تلميذُ أبي الحسين البصري](3) الأمرَ فيما إذا عَلم أنه يزول المنكر، ولكنْ يصلُ إليه الضررُ، فإن كان ما يتركه أيسرَ مما يفعله من الضرر (4) به، مثل أن يتركَ شربَ الخمر ويقتلَه، فذكر أنه لا يجوز، ووجه هذا: أن فيه دفعَ المفسدة الدنيا باحتمال الكبرى.
وإطلاقُ القاضي أبي الوليد بن رشد يقتضي أيضاً هذا، فإنه شرطَ أن يأْمَنَ من أن يؤدّي إنكارُ المنكر إلى منكر آخرَ أعظم (5) منه، وهو أن ينهى عن شرب خمر فيؤول نهيُهُ عن ذلك إلى قتلِ نفسٍ
(1) رواه ابن جرير في "تفسيره"(2/ 200 - 201) عن ابن عباس قال: ليس التهلكة أن يُقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله.
(2)
هو العلامة الزمخشري صاحب "الكشاف".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
"ت": "المضرة".
(5)
"ت": "أشهر".