الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا اللفظُ في المسألة الفُلانية على ما يُعتادُ قصدُه به غالبًا، لما حُمِلَ قولُهُ:"يرحمك الله" للمشمِّت على ما يقصد به غالبًا، وهو الدعاء؛ لأنه أحدُ أفرادِ هذه القاعدة، لكنه حُمِلَ عليه عملًا بالحديث، فإنه يقتضي الاكتفاءَ بقوله:"يرحمك الله"، والاكتفاء بذلك إنما هو لرجحان حملِهِ على ما يعتاد قصده من اللفظ غالبًا مع احتماله لغيره؛ لأنه لو لم يكن راجحًا لكان (1) إما مرجوحًا أو مساويًا، وكلاهما يمتنع (2) الحملُ عليه.
السابعة والسبعون:
ويجيء من هذا اعتبارُ ما يقتضيه سببُ كلام الحالف، ومثارُ يمينه (3) الذي اعتبره مالكٌ وأحمدُ - رحمهما الله تعالى - وهو [الذي](4) تسميه المالكيةُ بساطَ اليمين، ويقال: إنه يُرْجَعُ (5) إليه، إذا لم تكن نية (6).
وهذا فيه تَسامُحٌ في اللفظ، وتعبير عن عدم استحضار النية بعدم النيّة، فإنَّ الفائتَ في هذه الصورة - على ما قررناه في هذه القاعدة
(1)"ت": "كأن".
(2)
"ت""يمنع".
(3)
"ت": "نيته".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
في الأصل: "رجع"، والمثبت من "ت".
(6)
انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 287).
العقلية - إنما هو استحضارُ النيّةِ.
والاستدلالُ بالبساطِ على حضور النيّة عند الإطلاق مثالُه: إذا مرَّ إنسانٌ بمن يأكل فاستحضرهُ للأكل، وأكَّد عليه طلبَه لذلك، فقال: والله لا أكلتُ. فلو قيلَ له بعد ذلك: أتستحضرُ أنَّكَ نويتَ لا أكلتَ الآن أو معك، [أو ما أشبهه](1)، لقال: لا أستحضرُ هذا، لكنَّ البساطَ دلَّ على أن المرادَ لا أكلت الآن أو معك أو ما أشبه (2)، فيسدلن به على حضور النيّة وقتَ اليمين، وأن الفائتَ بعدَه تذكُّرُ النيّةِ، لا أنَّ الفائتَ نفسُ النيّةِ عند التلفُّظ، وقد حَمَلَهُ قومٌ على العمومِ فحنّثوه بالأكل مطلقًا.
وأنا أرى صحةَ هذه القاعدة في الجملة، وهي عندي من قَبيل دَلالةِ السياقِ التي ترشُد إلى بيانِ المُجْمَلات (3)، وتخصيصِ العمومات، وتعميمِ الخصوصات، واستعمالُها في ألفاظ الشارع كثيرٌ جدًا، بل هي الدالَّةُ على مقصود الكلام (4)، وإني لأَستَبْعِدُ أنّ العامي
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "أشبهه".
(3)
"ت": "المحتملات".
(4)
انظر: "البحر المحيط" للزركشي (8/ 54). =
إذا أَطلقَ لفظًا وأراد به معنى أَنْ يقالَ له: قد بَرَرْتَ، أو حَنَثْتَ، بسبب شيءٍ لم يخطُرْ بباله، ولا يفهمه إلا بعد قوله له وتفهيمِهِ [إيَّاه](1)، كما لو قال لزوجته: وهي في ماءٍ جارٍ: اطلعي من هذا الماء، فأبت عليه، فقال: إن أقمتِ فيه، فأنت طالقٌ، فيقال له: لو أقامت يومًا مثلًا لم تَطْلُق؛ لأن الماءَ المعيَّنَ الذي (2) هي فيه حين يمينك لم تُقِمْ فيه؛ لأنَّه قد مضى، فإنَّ (3) جريانَه على الدوام له، فهذا معنى لا يفهمُه إلا بعد
= قال المؤلف رحمه الله في "شرح عمدة الأحكام"(2/ 225): ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، ولا تُجريهما مجرى واحدًا؛ فإن مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به، كقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] بسبب سرقة رداء صفوان، وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع.
أما السياق والقرائن: فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات. فاضبط هذه القاعدة، فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى. وانظر في قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس من البر الصيام في السفر" مع حكاية هذه الحالة، من أيِّ القبيل هو؛ فنزِّله عليه، انتهى.
(1)
زيادة من "ت".
(2)
الأصل: "التي"، والمثبت من "ت".
(3)
الأصل: "فإنه"، والمثبت من "ت".