الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُصولِ القيراط الثاني له ظاهرُ روايةِ مَعْمَر، عن الزهريِّ:"حتى تُوضعَ في اللَّحْدِ"(1)، وروايةُ أبي حازمٍ، عن أبي هريرةَ:"ومن اتَّبعها حتَّى تُوْضَعَ في القَبْرِ فقيراطانِ"(2).
السابعة والأربعون:
إن قلت: هل يُمكنُني أن أقولَ: إنَّ القيراطَ لفظٌ يدلُّ على مقاديرَ مختلفةٍ، وأجعلَ القيراطَ الحاصلَ بالاتِّباع إلى أن يوضعَ الميِّتُ في اللَّحدِ؟
قلت: قد حكيتُ لكَ من روايةِ أبي حازمٍ، عن أبي هريرةَ:"ومن اتَّبعَها حتى تُوضعَ في القبرِ، فلهُ قيراطانِ". قال: قلتُ: يا أبا هريرةَ! وما القيراطُ؟ قال: "مثلُ أُحُد".
وحكيتُ لكَ من رواية عامرِ بن سعدٍ: "من خَرَجَ مع جَنازةٍ من بيتِها، وصلَّى عليها، ثم تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، كانَ لَهُ قِيْرَاطَانِ من الأَجْرِ، كُلُّ قِيراطٍ مِثْلُ أُحُدٍ".
فأنت ترى أنَّ المقدارَ في روايةِ أبي حازم، هو المقدارُ في روايةِ عامرِ بنِ سعدٍ هذه، وهو تقديرُ القيراطِ بأُحُدٍ، وأَحدُ الحديثين رتَّبه على الوضعِ في اللَّحد، والثاني على الدَّفْن، ومع اتِّحادِ المقدارِ كيف يُمكنُ التفاوتُ فيه (3)؟
(1) تقدم تخريجها عند مسلم برقم (945/ 52).
(2)
تقدم تخريجها عند مسلم برقم (945/ 54).
(3)
قال الإمام المحقق ابن القيم في "بدائع الفوائد"(3/ 655): لم أزلْ حريصًا على معرفة المراد بالقيراط في هذا الحديث، وإلى أي شيء نسبتُه، =
فإذا (1) كان تقديرُ القيراط بشيءٍ واحد - وهو أُحُد - يمنع من اختلاف مقداره، فالذي يبقى هاهنا عندي أحدُ وجهين:
إمَّا أن يقالَ بإجراءِ الألفاظِ على ظاهرِها والتعارض، ويُطلبُ التَّرجيحُ بِين الرواياتِ بأحَدِ وجوهِ التَّرجيح؛ كالكثرة مثلًا، وزيادةِ الحفظ.
وإمَّا أن يقالَ - وهو الأقرب عندي -: إنَّ اللفظَ من بعض الرُّواةِ وقع فيه (2) تَجَوُّزٌ؛ فعبَّر (3) عن الشيء بما يقارِبُه، وهو سائغٌ، لا سيّما مع فهم
= حتى رأيت لابن عقيل فيه كلامًا، قال: القيراط نصف سدس درهم مثلًا، أو نصف عشر دينار، ولا يجوز أن يكون المراد هنا جنس الأجر؛ لأن ذلك يدخل فيه ثواب الإيمان بأعماله؛ كالصلاة والحج وغيره، وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ هذا، فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود، وهو الأجر العائد إلى الميت، ويتعلق بالميت صبر على المصاب فيه وبه، وتجهيزه، وغسله، ودفنه، والتعزية به، وحمل الطعام إلى أهله، وتسليتهم، وهذا مجموع الأجر الَّذي يتعلق بالميت، فكان للمصلي والجالس إلى أن يُقبرَ سدس ذلك، أو نصف سدسه إن صلى وانصرف.
قلت - أي: ابن القيم -: كأن مجموع الأجر الحاصل على تجهيز الميت من حين الفراق إلى وضعه في لحده، وقضاء حق أهله وأولاده وجبرهم دينار مثلًا، فللمصلي عليه فقط من هذا الدينار قيراط، والذي يتعارفه الناس من القيراط أنه نصف سدس، فإن صلى عليه وتبعه، كان له قيراطان منه، وهما سدسه، وعلى هذا فيكون نسبة القيراط إلى الأجر الكامل بحسب عظم ذلك الأجر الكامل في نفسه، فكلما كان أعظم، كان القيراط منه بحسبه، فهذا بيِّن هاهنا، انتهى.
(1)
"ت": "وإذ".
(2)
"ت": "وفيه".
(3)
"ت": "ويعبر".