الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك قد يرى المنكرَ معروفاً والمعروفَ منكراً، كما نشاهد من العامة العَمْيَاء، ولهذا قيل: العامّي ينبغي (1) أن لا يحتسبَ إلا في الجَلِيَّات المعلومات؛ كشرب الخمر والزنا وتركِ الصلاة.
الثامنة والأربعون بعد المئتين:
إذا عَلِمَ أنَّه لا يُفيدُ إنكارُه، ولكنه [لا](2) يَخاف مكروهاً، فقد أُسقط الوجوبُ؛ لعدم الفائدة، وأُثبت الاستحبابُ؛ لإظهارِ شِعَار الإسلام، وتذكيرِ الناس بأمور (3) الدين.
التاسعة والأربعون بعد المئتين:
وإن كان غالبُ الظن أنّه لا يُفيد، ولكن يحتمل أن يُفيدَ، وهو مع ذلك لا يتوقع مكروهاً، فقد ذكر في "الإحياء" اختلافًا في وجوبه، وجعل الأظهرَ وجوبَه، ووجه هذا: أن المقتضي للوجوب - وهو الأمر - قائم، فلا يترك إلا لمعارضِ خوفِ الضرر، أو اليأسِ من فائدة الأمر، ولا ضررَ هاهنا ولا يأسَ، فيُعمل بالمقتضي (4).
الخمسون بعد المئتين:
عَلم أنه لا ينفع كلامُه، وينالُه ضرر إن تكلَّم، فالنظر في الوجوب والجواز.
أما الوجوب: فإذا سقط الوجوب عندنا (5) إذا لم يخفِ الضررَ،
(1)"ت": "لا ينبغي أن".
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "بأمر".
(4)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 320).
(5)
"ت": "عندما".
فَلأنْ يسقطَ إذا خاف الضررَ أولى، وهذا ظاهرٌ.
وأما الجواز: ففي "الإحياء" فيما إذا علم أنه لا ينفع كلامُه، ويتضرر إن تكلم: لا يجب عليه الحِسْبةُ، بل ربما يحرُم في بعض المواضع، قال: نعم يلزُمه أن لا يحضرَ موضعَ المنكر، ويعتزلَ في بيته حتى لا يُشَاهِدَ، ولا يخرجَ إلا لحاجة مهمة أو واجب، ولا يلزمه مفارقةُ البلد والهجرةُ إلا أن يُرهقَ إلى الفساد، أو يُحملَ على مساعدة السلاطين في الظلم والمنكرات، فيلزمه الهجرةُ إن قدر عليها، فإن الإكراهَ لا يكون عذراً في حقِّ من يقدر على الهرب من الإكراه (1).
وقال غيرُه من المتكلمين: إن غلب على ظن المُنْكِر أن الذي يُنْكِر عليه لا يترك المنكَر، ويُوصِلُ إليه الضررَ الكبيرَ، لم يجزْ [له](2)؛ لأنه مفسدةٌ محققة من غير وجود مصلحة.
ورأيت في "المحيط"(3) من كتب الحنفية في كتاب "السير"، وذكره عن "السير الكبير": أنه لا بأس بأن يحملَ الرجلُ وحدَهُ على العدو إذا كان بحيث يُنْكِي فيهم ظاهراً، ووجَّهَ ذلك، ثم ذكر بعده: وإن كان يعلم أنه لا يُنْكِي فيهم، بل يُقتَل، فإنه لا يحلُّ له أن يحملَ
(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 319).
(2)
زيادة من "ت".
(3)
للإمام شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي المتوفى سنة (438 هـ)، كتاب "المحيط" في الفقه في عشر مجلدات، صنفه أولاً ثم لخصه قال: جمعت فيه عامة مسائل الفقه مع مبانيها ومعانيها. انظر: "كشف الظنون" لحاجي خليفة (2/ 1620).