الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له ابن مسعود: أما آن لهذا الخاتَمِ أن يُلْقَى؟ وقوله: أما إنك لن تراه عليَّ بعد هذا اليوم (1).
قال: وقد ذهب بعضُهم إلى أنَّ لُبسه للرجال بمعنى الكراهة لا لتحريمٍ (2)، ولأجل السَّرَف، كما قال في الحرير (3).
قلت: هذا يقتضي إثباتَ الخلاف في التحريم، وهو يناقضُ القولَ بالإجماع على التحريم (4).
الرابعة والخمسون بعد الثلاث مئة:
استدلَّ بتحريم خاتم الذهب
(1) رواه البخاري (4130)، كتاب: المغازي، باب: قدوم الأشعريين وأهل اليمن. قال الحافظ في "الفتح"(8/ 101): ولعل خبابًا كان يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه، فنبهه ابن مسعود على تحريمه، فرجع إليه مسرعًا.
(2)
"ت": "للتحريم".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 604).
(4)
قال الحافظ في "الفتح"(10/ 317) بعد أن نقل كلام القاضي عياض وابن دقيق: التوفيق بين الكلامين ممكن؛ بأن يكون القائل بكراهة التنزيه انقرض، واستقر الإجماع بعده على التحريم. وقد جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب. ثم قال الحافظ: وأغرب ما ورد من ذلك ما جاء عن البراء الَّذي روى النهي، فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي السفر قال: رأيت على البراء خاتمًا من ذهب، وعن شعبة، عن أبي إسحاق نحوه. قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صح فهو منسوخ. قلت: لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى حديث النهي المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله؛ إما بأن يكون حمله على التنزيه، أو فهم الخصوصية له من قوله:"البس ما كساك الله ورسوله"، وهذا أولى من قول الحازمي: لعل البراء لم يبلغه النهي، انتهى.
ثم ذكر الحافظ ما يؤيد هذه الأوَّليَّة.
على أنَّ الذهبَ حرامٌ على الرجال قليلَه وكثيرَه.
قال المستدِلُّ: لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التختم بالذهب، وهو قليل.
قلت: الَّذي يدل عليه الحديث تحريمُ الخاتم، وفي معناه ما هو في قَدْره، وأما مّا ينقص من (1) قَدْره فلا ينبغي أن يُؤخذ من الحديث؛ لأنه لا دلالةَ عليه من الحديث، وأيضًا فيمكن أن يُعتبر وصفُ كونه خاتمًا (2).
(1)"ت": "عن".
(2)
نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" جملًا كثيرة عن الإمام ابن دقيق في فقه هذا الحديث، وفرَّقه في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه حسبما يقتضي الكلام على الأحاديث عند البخاري، إلا أن فروقًا كثيرة تظهر بين كلام ابن دقيق هنا، وبين ما ينقله الحافظ في "الفتح". وأنا أذكر فائدة تتعلق بهذا، جاءت بعد نظر في كتاب الحافظ "فتح الباري" وكتابي "شرح عمدة الأحكام" و"شرح الإلمام" للإمام ابن دقيق، فأقول: الحافظ في "الفتح" قد جعل عمدته في الاستدلالات والاستنباطات الفقهية، وفي المباحث الأصولية، وفي التعقبات والاستدراكات جملةً من المصادر، من أهمها "شرح عمدة الأحكام" و"شرح الإلمام"، والحافظ كثير النقل عنهما في الأمور الثلاثة المذكورة، فلا تكاد مسألة فقهية أو أصولية أو استدراك إلا ولكلام ابن دقيق فيها نصيب، والمراد من هذا الَّذي أذكره أمران:
أحدهما: أن الحافظ ابن حجر في كثير من المواضع يُغْفِلُ اسمَ المؤلف أو المرجع الَّذي أخذ عنه، وهذا مما يؤخذ عليه؛ إذ إن المطالع يظن أنه هذا الاستدلال أو التحرير للمسألة من كلامه، والواقع خلافه. =