الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن حذيفة رضي الله عنه أنه سمع النبي -صلي الله عليه وسلم- يقول: (إن رجلًا حضره الموت، لما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا، ثم أوروا نارًا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها، فذروني في اليم في يوم حار أو راح
(1)
، فجمعه الله فقال: لم فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له)، قال عقبة: وأنا سمعته يقول
(2)
.
وفي لفظ آخر عن حذيفة عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني فذرُّوني في البحر في يوم صائف، ففعلوا به، فجمعه الله ثم قال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني إلا مخافتك، فغفر له)
(3)
.
بيان وجه الإشكال
هذا الحديث متواتر
(4)
عن النبي -صلي الله عليه وسلم-، رواه أصحاب الصحاح والمسانيد عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، وقد استشكله العلماء، لأن ظاهره أن هذا الرجل شاك في قدرة الله تعالى على إعادته بعد حرقه وسحقه، والشك في صفة من صفات الله تعالى، أو البعث والمعاد كفر
= (5/ 2378) ح (6116)، وفي كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (6/ 2726) ح (7069).
ومسلم في كتاب التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى (17/ 80) ح (2757).
(1)
أي: يومًا ذا ريح، يقال: يوم راحٌ، أي: ذو ريح. [انظر: أعلام الحديث (3/ 1565)، والنهاية في غريب الحديث (2/ 272 - 273)، وفتح الباري (6/ 522)].
(2)
أخرجه البخاري في مواضع: في كتاب الأنبياء، باب:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} (3/ 1283) ح (3292)، وباب: ما ذكر عن بني إسرائيل (3/ 1272) ح (3266).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب: الخوف من الله (5/ 2377) ح (6115).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 491)، وإيثار الحق (394)، والعواصم (4/ 175) كلاهما لابن الوزير.
بإجماع أهل العلم، وقد غفر الله لهذا الرجل، وقد قضى أنه لا يغفر لكافر، ولهذا اختلف أهل العلم في معناه كما سيأتي.
قال الخطابي: "قد يُسأل عن هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحيائه وإنشاره؟ "
(1)
.
وقال أبو يعلى: "اعلم أن هذا الخبر وإن لم يرجع شيء من لفظه إلى ما هو صفة من صفات الله
(2)
، فإن لفظه مشكل، وكان القائل له رجلًا موحدًا مغفورًا له، فوجب أن يوقف على معناه ليزول الإشكال"
(3)
.
* * *
(1)
أعلام الحديث (3/ 1565)، وانظر: فتح الباري (6/ 522).
(2)
هذا رأي مرجوح مخالف لظاهر الحديث، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
(3)
إبطال التأويلات (2/ 417)، وانظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (تحفة 1/ 73)، وكشف المشكل لابن الجوزي (3/ 156)، وطرح التثريب (3/ 267).