الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قحطان، فغضب معاوية رضي الله عنه، فقام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالًا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأولئك جُهَّالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها
(1)
، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين)، رواه البخاري
(2)
.
بيان وجه الإشكال
دلت الأحاديث المتقدمة، المتعلقة بقريش على وجوب تقديمهم في الإمامة العظمى، وأن القرشية شرط فيها، وهو ما أجمع عليه الصحابة والتابعون، وأطبق عليه جماهير علماء المسلمين، ولم يخالف فيه إلا بعض أهل البدع من المتكلمين وغيرهم
(3)
.
وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كابن بطال
(4)
، والماوردي
(5)
،
(1)
قال الشنقيطي: "اعلم أن قول عبد الله بن عمرو بن العاص -الذي أنكره عليه معاوية في الحديث المذكور-: إنه سيكون ملك من قحطان، إذا كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعني به: القحطاني الذي صحت الرواية بملكه، فلا وجه لإنكاره، لثبوت أمره في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) ". [أضواء البيان (1/ 54)، وانظر: فتح الباري (115)، وإرشاد الساري (15/ 89)] والحديث الذي أشار إليه متفق عليه: البخاري (3/ 1296) ح (3329)، ومسلم (18/ 252) ح (2910)، ولعل إنكار معاوية لعدم علمه بحديث أبي هريرة، والله أعلم.
(2)
صحيح البخاري: كتاب: المناقب، باب: مناقب قريش (3/ 1289) ح (3309)، وأخرجه أيضًا في كتاب: الأحكام، باب: الأمراء من قريش (6/ 2611) ح (6720).
(3)
انظر: مقالات الإسلاميين (2/ 151)، والفصل (3/ 6)، وأعلام الحديث (5/ 2335)، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 210)، وإكمال المعلم (6/ 214)، والمفهم (4/ 6)، والفتح (13/ 118).
(4)
انظر: شرح صحيح البخاري (8/ 211).
(5)
انظر: الأحكام السلطانية (62). والماوردي هو: العلامة أبو الحسن علي بن =
وابن العربي
(1)
، والقاضي عياض، والقرطبي
(2)
، والنووي، والشنقيطي
(3)
، وغيرهم
(4)
.
قال القاضي عياض تعليقًا على الأحاديث المتعلقة بإمامة قريش: "هذه الأحاديث -وما في معناها في هذا الباب- حجة أن الخلافة لقريش، وهو مذهب كافة المسلمين وجماعتهم، وبهذا احتج أبو بكر وعمر على الأنصار يوم السقيفة، فلم يدفعها أحد عنه، وقد عدها الناس في مسائل الإجماع، إذ لم يؤثر عن أحد من السلف فيها خلاف"
(5)
.
وقال النووي: "هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر: أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع، أو عرض بخلاف من غيرهم، فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة"
(6)
.
وهذا الأمر، وهو اشتراط القرشية في الإمامة العظمى، مشروط بإقامتهم للدين، واستقامتهم على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خالفوا ذلك فغيرهم ممن يطيع الله تعالى، وينفذ أوامره أولى، وعلى هذا دلت النصوص
= محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي، فقيه شافعي، كان من وجوه الفقهاء الشافعية وكبرائهم له عدة مصنفات في أصول الفقه وفروعه وغير ذلك، وجعل إليه ولاية القضاء ببلدان كثيرة، توفي رحمه الله ببغداد سنة (450 هـ) له مصنفات أشهرها: كتاب الحاوي في فقه الشافعية، والأحكام السلطانية. [انظر: تاريخ بغداد (12/ 101)، ووفيات الأعيان (3/ 247)، والسير (18/ 64)، وشذرات الذهب (3/ 285)].
(1)
انظر: عارضة الأحوذي (9/ 53).
(2)
انظر: المفهم (4/ 6).
(3)
انظر: أضواء البيان (1/ 52).
(4)
انظر: الفصل (3/ 6)، والفتح (13/ 119).
(5)
إكمال المعلم (6/ 214).
(6)
شرح النووي على مسلم (12/ 441 - 442).
الشرعية، كما في حديث معاوية المتقدم:(إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين).
قال الشنقيطي عند هذا الحديث: "لفظة (ما) فيه: مصدرية ظرفية مُقَيِّدَةٌ لقوله: (إن هذا الأمر في قريش)، وتقرير المعنى: إن هذا الأمر في قريش مدة إقامتهم الدين، ومفهومه: أنهم إن لم يقيموه لم يكن فيهم، وهذا هو التحقيق الذي لا شك فيه في معنى الحديث"
(1)
.
كما أن مما أجمع عليه أهل العلم، ولم يختلفوا فيه: أن الإمام لا بد أن يكون حُرًّا، فلا يجوز أن يكون عبدًا، لأن المملوك لا يحق له التصرف في شيء إلا بإذن سيده، فلا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له الولاية على غيره
(2)
.
وفد نقل ابن بطال عن المهلب
(3)
قوله: "أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة في العبيد"
(4)
.
إذا تبيَّن هذا فما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) وغيره من الأحاديث مما في معناه، حيث إنها قد يُفهم منها جواز إمامة غير القرشي حتى ولو كان عبدًا؟ هذا ما سوف يتضح في المطالب التالية، إن شاء الله تعالى.
(1)
أضواء البيان (1/ 53)، وانظر: الفتح (13/ 116 - 117)، وإرشاد الساري للقسطلاني (15/ 88)، و (8/ 10 - 11)، والسياسة الشرعية لابن تيمية (21 - 22).
(2)
انظر: المفهم (4/ 37)، وإرشاد الساري للقسطلاني (15/ 92)، وأضواء البيان (1/ 55).
(3)
هو الإمام المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء، ولي قضاء المَريَّة، توفي رحمه الله سنة (435 هـ) له من المصنفات: شرح صحيح البخاري. [انظر: السير (17/ 579)، والعبر (2/ 272)، وشذرات الذهب (3/ 255)].
(4)
شرح صحيح البخاري (8/ 215)، وانظر: الفتح (13/ 122)، وشرح النووي على مسلم (12/ 46).