الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال
اختلف أهل العلم في تعيين الموزون على عدة أقوال، أهمها:
القول الأول: أن الذي يوزن الأعمال نفسها.
وإلى هذا ذهب ابن حزم، والطيبي
(1)
، وابن حجر، وغيرهم
(2)
، وعزاه بعضهم إلى أهل الحديث
(3)
.
قال ابن حزم: "وموازين الآخرة لا يوزن فيها إلا الأفعال والأقوال ونيات النفوس"
(4)
.
وقال ابن حجر: "والصحيح أن الأعمال هي التي توزن"
(5)
.
واستدل هؤلاء بعدة أدلة، منها:
1 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، متفق عليه.
(1)
انظر: الفتح (13/ 539).
(2)
انظر: المنهاج للحليمي (1/ 395)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (2/ 69)، ومعالم التنزيل (2/ 149)، وتفسير القرآن العظيم (2/ 324)، وبهجة الناظرين (529)، وتحقيق البرهان في إثبات حقيقة الميزان (58) كلاهما لمرعي بن يوسف، ولوامع الأنوار (2/ 187)، ومعارج القبول (2/ 183 - 184)، والروضة الندية شرح العقيدة الواسطية لابن فياض (325)، والتنبيهات السنية على العقيدة الواسطية للرشيد (228، 229)، وشرح العثيمين على لمعة الاعتقاد (121).
(3)
انظر: التنبيهات السنية (229).
(4)
الدرة فيما يجب اعتقاده (288)، وانظر: المحلى (1/ 36).
(5)
الفتح (13/ 539).
2 -
حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان
…
)، رواه مسلم.
فقالوا: هذان الحديثان صريحان في وزن الأعمال أنفسها
(1)
.
3 -
قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء: 47].
فقالوا: إن ظاهر هذه الآية يدل على أن العمل هو الذي يوزن
(2)
.
القول الثاني: أن الذي يوزن العامل، أي: صاحب العمل،
(3)
وقال بعضهم: العامل مع عمله
(4)
.
واستدل هؤلاء بما يلي:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا})، متفق عليه.
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مِمَّ تضحكون؟ ) قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال:(والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد)
(5)
.
(1)
انظر: النهاية في الفتن (2/ 25، 26)، وشرح العقيدة الطحاوية (611).
(2)
انظر: المنهاج للحليمي (1/ 387)، وتوضيح المقاصد -شرح نونية ابن القيم- لابن عيسى (2/ 593)، وشرح العثيمين على لمعة الاعتقاد (121).
(3)
انظر: معالم التنزيل (2/ 149)، وتفسير القرآن العظيم (2/ 324)، ومعارج القبول (2/ 184)، والتنبيهات السنية (229)، وشرح الشيخ ابن عثيمين على لمعة الاعتقاد (121).
(4)
انظر: بهجة الناظرين (529)، وتحقيق البرهان (58)، ولوامع الأنوار (2/ 187).
(5)
أخرجه أحمد (6/ 36) ح (3991)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 78) =
القول الثالث: أن الذي يوزن صحائف الأعمال
(1)
.
وإلى هذا ذهب ابن عبد البر
(2)
، والقرطبي، ونقله عن ابن عمر
(3)
، ومرعي بن يوسف
(4)
، والسفاريني
(5)
-وذكراه عن جمهور المفسرين - والشوكاني
(6)
.
وعمدة هؤلاء حديث البطاقة، وهو ما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيخلص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلًا، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا، أظلمك كتبتي الحافظون؟ يقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنةً، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول:
= ح (8452)، وقال ابن كثير في النهاية (2/ 29):"إسناده جيد قوي"، وأورده الهيثمي في المجمع (9/ 289)، وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني من طرق
…
وأمثل طرقها فيه عاصم بن أبي النجود، وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح"، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
(1)
انظر: المنهاج للحليمي (1/ 394)، والاعتقاد (118 - 119)، والجامع لشعب الإيمان (2/ 69) كلاهما للبيهقي، ومعالم التنزيل (2/ 149)، وتفسير القرآن العظيم (2/ 224)، والنهاية في الفتن (2/ 35)، والفتح (13/ 539)، و (1/ 73)، ومعارج القبول (2/ 184)، والتنبيهات السنية (229)، وشرح الشيخ ابن عثيمين على لمعة الاعتقاد (121).
(2)
انظر: بهجة الناظرين (529)، وتحقيق البرهان (58)، ولوامع الأنوار (2/ 187)، والتنبيهات السنية (229).
(3)
انظر: التذكرة (2/ 16، 17)، والجامع لأحكام القرآن (7/ 165).
(4)
انظر: بهجة الناظرين (529)، وتحقيق البرهان (58).
(5)
انظر: لوامع الأنوار (2/ 187).
(6)
انظر: فتح القدير (2/ 190).
احْضُرْ وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء)
(1)
.
قال القرطبي: "قوله: (فيخرج له بطاقة)، وذلك يدل على الميزان الحقيقي، وأن الموزون صحف الأعمال"
(2)
.
وقال مرعي بن يوسف: "فثبت بهذا الحديث الصحيح أن الموزون إنما هو صحائف الأعمال"
(3)
.
ومما أيدوا به قولهم هذا -أيضًا- أن قالوا: إن وزن الأعمال قد استُشكل، لأنها أعراض، والأعراض لا توصف بثقل ولا خفة، ولا تقبل الوزن، والقول: بأن الموزون هو الصحائف التي تكتب فيها الأعمال يرفع هذا الإشكال، لأن الصحائف أجسام
(4)
.
قال الشيخ ابن عثيمين: "وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن
…
الوزن حقيقة للصحائف، وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته، وهذا جمع حسن، والله أعلم"
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي (تحفة 7/ 395) ح (2776)، وقال:"هذا حديث حسن غريب"، وابن ماجه (2/ 1437) ح (4300)، وأحمد (11/ 175) ح (6994)، والحاكم (1/ 46) ح (9)، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، قال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 212):"وهو كما قالا"، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند، ولأبي القاسم حمزة الكناني جزء حديثي لطيف سماه:(جزء البطاقة) أورد فيه بإسناده أحد عشر حديثًا في مواضيع مختلفه، كان هذا الحديث هو الحديث الثاني منها، وقال عنه:"هو من أحسن الحديث"[انظر: مقدمته (5) بتحقيق الدكتور عبد الرزاق البدر].
(2)
التذكرة (2/ 17).
(3)
بهجة الناظرين (529)، وانظر: تحقيق البرهان (59)، ولوامع الأنوار (2/ 187).
(4)
انظر: التذكرة (2/ 16)، والجامع لأحكام القرآن (7/ 165)، والفتح (13/ 539).
(5)
شرح لمعة الاعتقاد (121).
وأجابوا عن حديث: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) بأن المراد به ضرب مثل لبيان قدره وحرمته، وليس المراد حقيقة الوزن
(1)
.
وأما حديث ابن مسعود فأجاب عنه بعضهم بالخصوصية
(2)
.
القول الرابع: أن الجميع يوزن فتوزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال، وإلى هذا ذهب ابن كثير
(3)
، وابن أبي العز، وحافظ الحكمي، وابن باز وغيرهم
(4)
.
قال ابن أبي العز بعدما ساق بعض النصوص الواردة في ذلك: "فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال"
(5)
.
وقال حافظ الحكمي: "الذي استظهر من النصوص -والله أعلم- أن العامل وعمله وصحيفة عمله كل ذلك يوزن، لأن الأحاديث التي في بيان القرآن قد وردت بكل ذلك ولا منافاة بينها"
(6)
.
وقال الشيخ ابن باز: "الجمع بين النصوص الواردة في وزن الأعمال، والعاملين، والصحائف أنه لا منافاة بينها فالجميع يوزن، ولكن الاعتبار في الثقل والخفة يكون بالعمل نفسه لا بذات العامل، ولا بالصحيفة"
(7)
.
(1)
انظر: التذكرة (2/ 11)، والفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية للجمل (2/ 122)، ولوامع الأنوار (2/ 187 - 188).
(2)
انظر: المجموع الثمين (147)، وشرح العقيدة الواسطية (2/ 143) كلاهما للشيخ ابن عثيمين.
(3)
انظر: النهاية في الفتن (29، 35)، وتفسير القرآن العظيم (2/ 325).
(4)
انظر: شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح الفوزان (148).
(5)
شرح العقيدة الطحاوية (613).
(6)
معارج القبول (2/ 185).
(7)
التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية للسعدي، بتعليق الشيخ ابن باز (71).