المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناقشة الأقوال المرجوحة: - أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعا ودراسة

[سليمان بن محمد الدبيخي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف المشكل وبيان الفرق بينه وبين المختلف

- ‌أولًا: تعريف المشكل في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ -المشكل في اللغة:

- ‌ب - مشكل الحديث في اصطلاح المحدثين

- ‌ثانيًا: تعريف مختلف الحديث في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ- فالمختلف في اللغة:

- ‌ب - مختلف الحديث اصطلاحًا:

- ‌ثالثًا: الفرق بين مشكل الحديث ومختلف الحديث:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأشهر المؤلفات في مشكل الحديث

- ‌1 - كتاب (اختلاف الحديث) للإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

- ‌2 - كتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة رحمه الله تعالى:

- ‌3 - كتاب (مشكل الآثار)(5)للطحاوي رحمه الله تعالى:

- ‌4 - تأويل الأحاديث المشكلة(3)لأبي الحسن الطبري

- ‌5).5 -كتاب (مشكل الحديث وبيانه) لابن فورك(6)رحمه الله تعالى:

- ‌6 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي

- ‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق

- ‌المبحث الرابع: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه

- ‌فأولًا: معنى المحكم والمتشابه في اللغة وفي الاصطلاح:

- ‌المحكم في اللغة:

- ‌وأما المتشابه في اللغة:

- ‌ثانيًا: علاقة المشكل بالمتشابه:

- ‌ثالثًا: عمل السلف بهذه القاعدة:

- ‌رابعًا: الوضوح والإشكال في النصوص من الأمور النسبية:

- ‌خامسًا: هل صفات الله تعالى من قبيل المتشابه

- ‌سادسًا: أسباب استشكال النصوص، أو الاشتباه فيها:

- ‌المبحث الخامس: ترجمة موجزة للبخاري ومسلم عليهما رحمة الله

- ‌أولًا: الإمام البخاري رحمه الله تعالى:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ثانيًا: الإمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث السادس: مكانة الصحيحين عند الأمة

- ‌مآخذ بعض أهل العلم على هذين الكتابين:

- ‌الباب الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في الأسماء والصفات

- ‌التمهيدبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: (خلق الله آدم على صورته)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌وبيان فساده من وجوه:

- ‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)

- ‌المبحث الثاني: (وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المسألة الأولي: في معنى الإحصاء الوارد في الحديث:

- ‌المسألة الثانية: هل يمكن معرفة الأسماء الحسنى، التسعة والتسعين علي وجه التعيين

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الرابع: (فإن الله لا يمل حتى تملوا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: (مرضت فلم تعدني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث السادس: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌والفرق بين الصبر والحلم:

- ‌المبحث السابع: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مسألة: في بيان معنى قوله في الحديث السابق: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)

- ‌المبحث الثامن: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث التاسع: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث العاشر: (الرحم شجنة من الرحمن)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الحادي عشر: (فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌الفصل الثانى: الأحاديث المتوهم إشكالها في القدر

- ‌المبحث الأول: (حج آدم موسى)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: (خلق الله التربة يوم السبت)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الثالث: (لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثاني: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب النبوة

- ‌المبحث الأول: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: ما جاء في سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌ومن أدلة السنة على حقيقة السحر وأثره:

- ‌مناقشة أدلة النافين لحقيقة السحر، وتأثر النبي صلى الله عليه وسلم به:

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في إرسال الشهب على الشياطين

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الرابع: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل) مع قول أبي هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: حديث شريك في الإسراء

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث السادس: لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث السابع: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي) مع قوله: (لا يزال هذا الأمر في قريش

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثالث: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة والمعاد

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة

- ‌المبحث الأول: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين. . .)، مع قوله: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثاني: (إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في طواف الدجال بالبيت، مع ما ورد من أنه لا يدخل مكة ولا المدينة

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (لا تقوم الساعة حتى. . . يتقارب الزمان)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الخامس: (إذا ولدت الأمة ربها)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الفصل الثاني: الأحايث المتوهم إشكالها في المعاد

- ‌المبحث الأول: أحاديث الميزان، في ما الذي يوزن

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الاشكال

- ‌بيان وجه الاشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌إشكال وجوابه:

- ‌المبحث الثاني: (إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصوَّرون)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثالث: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌واستدل الجمهور على هذا القول بأدلة كثيرة، منها:

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (وإن ناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث السادس: ما جاء في سماع الأموات

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثانى: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ت

- ‌ج

- ‌ث

- ‌ ح

- ‌ د

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌س

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ ص

- ‌ ض

- ‌ع

- ‌ط

- ‌ظ

- ‌غ

- ‌ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ن

- ‌هـ

- ‌ؤ

الفصل: ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فقوله: (فإذا أنا بربي في أحسن صورة) صريح في أن الذي كان في أحسن صورة هو ربه"

(1)

.

‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

أما القول الأول: وهو الذي ذهب إليه ابن خزيمة

(2)

وغيره، والذي

= وهذا الحديث يفيد أن الله تعالى قد يُرى في المنام، لكن ليس على حقيقته التي هو عليها الآن سبحانه وتعالي.

قال الدارمي في النقض على المريسي (2/ 738): "وفي المنام يمكن رؤية الله تعالى على كل حال وفي كل صورة".

وقد نقل القاضي عياض اتفاق العلماء على جواز رؤية الله في المنام وصحتها. [انظر: إكمال المعلم (7/ 220)، ومسلم بشرح النووي (15/ 31)، وفتح الباري (12/ 387)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد يَرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحًا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق". [مجموع الفتاوى (3/ 390)].

وقال أيضًا: "ورؤية الله تعالى في المنام جائزة بلا نزاع بين أهل الإثبات، وإنما أنكرها طائفة من الجهمية، وكأنهم جعلوا ذلك باطلًا، وإلا فما يمكنهم إنكار وقوع ذلك". [بيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (1/ 431)، وانظر: (1/ 73 - 74) من نفس الكتاب، طبعة محمد بن قاسم، وإبطال التأويلات لأبي يعلى (1/ 127)].

(1)

بيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (1/ 402).

(2)

التركيز على ابن خزيمة رحمه الله في هذه المسألة دون غيره ممن قال بقوله، لأنه معدود في أهل السنة، بل هو إمام من أئمتهم، فتأويله لهذا الحديث مستغرب منه، أما أهل الكلام المؤولين لهذا الحديث فغير مستغرب منهم ذلك، لأن التأويل الباطل -لنصوص الصفات- مطيتهم فهم أهله وأربابه.

وجدير بالتنبيه هنا: أن ابن خزيمة رحمه الله لا ينفي صفة الصورة لله تعالى بل يثبتها، فقد عقد بابًا في كتاب التوحيد (1/ 45) بعنوان:"باب ذكر صورة ربنا جل وعلا"، ثم ذكر تحته ما يتصف به وجه الله تعالى -مما ورد ذكره في النصوص- من =

ص: 142

فيه إعادة الضمير على غير الله تعالى، ففي حديث:(إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)، قالوا: بإعادة الضمير على المضروب.

وفي حديث: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا

) جعلوا الضمير فيه عائدًا إلى آدم عليه السلام.

فيجاب عنه بجوابين أحدهما مجمل، والآخر مفصل:

أما المجمل فهو أن يقال: هذا تأويل بعيد جدًا عن ظاهر اللفظ، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، كما أن في هذا القول موافقة لأهل الكلام المحرفين لنصوص الصفات عن ظاهرها، ولهذا عد الإمام أحمد هذا التأويل من تأويلات الجهمية وأنكره أشد الإنكار، فقال رحمه الله:"من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم، فهو جهمي .. ".

ولمَّا قيل له: إن فلانًا يقول في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته): على صورة الرجل، قال:"كذب هذا، هذا قول الجهمية .. "

(1)

.

وعند التأمل نجد أن الشبهة التي أوقعت إمام الأئمة -ابن خزيمة- وغيره في هذا التأويل هي: توهم المشابهة، ولذلك اجتهد في تأويله وصرفه عن ظاهره، فجعل متعلق الضمير في كل حديث غيره في الحديث الآخر.

ففي حديث: (إذا قاتل أحدكم أخاه

) جعل الضمير عائدًا إلى المضروب.

= السبحات والنور والجلال والإكرام، وعقد قبله (1/ 24) بابًا بعنوان:"باب ذكر إثبات وجه الله"، وساق تحته بعض النصوص الدالة على إثبات هذه الصفة لله تعالى على ما يليق بجلاله، ولكن ابن خزيمة رحمه الله تعالى ينفي -هنا- مماثلة صورة آدم لصورة الله تعالى، وهذا حق، لكن ليس في حمل هذه النصوص على ظاهرها ما يقتضي التمثيل، كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(1)

انظر: ص (124) من هذا البحث.

ص: 143

فلما أتى إلى الحديث الآخر ورأى أن هذا التأويل لا يستقيم معه -لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابتداءً: (خلق الله آدم على صورته) - جعل الضمير فيه عائدًا إلى آدم عليه السلام.

ولما أتى إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن)، ورأى أنه غير قابل للتأويل جعله -على فرض صحته- من باب إضافة الخلق إلى خالقه، كل ذلك فرارًا من التشبيه.

ومما يدل على ذلك قوله -كما تقدم

(1)

-: "فصورة آدم ستون ذراعًا، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم عليه السلام خلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم، فظن أن قوله:(على صورته): صورة الرحمن، صفة من صفات ذاته جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار

(2)

قد نزه الله وقدس عن صفات المخلوقين، فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] "

(3)

.

وقوله أيضًا عن هذه الأحاديث: "تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير تأويلها، ففتن عَالَمًا من أهل الجهل والغباوة، حملهم الجهل بمعنى: الخبر على القول بالتشبيه، جل وعلا عن أن يكون وجهُ خلقٍ من خلقه مثل وجهه الذي وصفه الله بالجلال والإكرام ونفى الهلاك عنه"

(4)

.

وقوله تعليقًا على لفظة: (على صورة الرحمن): "قد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء، عالَم ممن لم يتحر العلم، وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات فغلطوا في هذا غلطًا بينًا، وقالوا مقالة شنيعة، مضاهية لقول المشبهة، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم"

(5)

.

(1)

انظر: ص (120) من هذا البحث.

(2)

في بعض النسخ: "بالذرعان والأشبار". انظر: ص (120) من هذا البحث.

(3)

التوحيد (1/ 94).

(4)

التوحيد (1/ 81).

(5)

التوحيد (1/ 87).

ص: 144

فهذه النقول عن إمام الأئمة رحمه الله تؤكد أنه لجأ إلى تأويل هذا الحديث؛ لتوهمه أن حمله على ظاهره يقتضي التشبيه، فأوله تنزيهًا لله تعالى عن صفات المخلوقين.

وهذه هي الشبهة التي بنى عليها أهل الكلام مذهبهم في أسماء الله تعالى وصفاته.

ولذلك عد أهل العلم هذا التأويل من ابن خزيمة زلَّة لا يجوز أن يتابع عليها، لأن فيه خروجًا عن منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وهو: إجراء نصوص الصفات على ظاهرها دون التعرض لتأويلها، وإثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تمثيل ولا تكييف، على حد قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي

(1)

في كتابه الذي سماه (الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزامًا لذوي البدع والفضول) -ذكر فيه الأئمة الاثني عشر المتبوعين في العلم، وهم: الشافعي، ومالك، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان

(2)

-: فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول، وإن صدر

(1)

هو محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الفقيه الشافعي، شيخ الكُرْج وعالمها ومفتيها، إمام ورع مفتٍ محدث أديب، أفنى عمره في طلب العلم ونشره، له تصانيف في المذهب والتفسير، وله قصيدة مشهورة في السنة، نحو مائتي بيت، شرح فيها عقيدة السلف، توفي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة (532). [انظر: العبر (2/ 441)، وشذرات الذهب (4/ 100)].

(2)

أبو حاتم الرازي هو: محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي الغطفاني، الإمام الحافظ الناقد، كان من بحور العلم، طوَّف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنَّف، وجرح وعدَّل، وصحح وعلَّل، وهو من نظراء =

ص: 145

ذلك التأويل عن إمام معروف غير مجهول نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن خزيمة تأويل الحديث: (خلق آدم على صورته)، فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل، ولم يتابعه عليه من قبله من أهل الحديث لما روينا عن أحمد رحمه الله تعالى، ولم يتابعه -أيضًا- من بعده

قلت

(1)

: وقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني

(2)

فيما جمعه من مناقب الإمام الملقب بقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي صاحب كتاب: (الترغيب والترهيب)، قال: سمعته يقول: أخطأ محمد بن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبو موسى: أشار بذلك إلى أنه قلَّ من إمام إلا وله زلة، فإذا ترك ذلك الإمام لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل"

(3)

.

وقال الذهبي في ترجمة الإمام ابن خزيمة: "وكتابه في (التوحيد) مجلد كبير، وقد تأوَّل في ذلك حديث الصورة، فليعذر من تأوَّل بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده -مع صحة

= البخاري، ومن طبقته، توفي رحمه الله سنة سبع وسبعين ومائتين (277). [انظر: تاريخ بغداد (2/ 70)، والسير (13/ 247)، وتذكرة الحفاظ (2/ 567)، وشذرات الذهب (2/ 171)].

(1)

القائل: شيخ الإسلام ابن تيمية.

(2)

هو الحافظ الكبير محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الأصبهاني المديني، كان إمام عصره في الحفظ والمعرفة بالحديث وعلومه، وكان مع ذلك صاحب ورع وعبادة وتقى، له مصنفات عديدة منها: معرفة الصحابة، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، توفي رحمه الله سنة إحدى وثمانين وخمسمائة (581). [انظر: وفيات الأعيان (4/ 109)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1334)، والعبر (3/ 84)، وشذرات الذهب (4/ 273)].

(3)

بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (2/ 419، 424 - 430)، وانظر: سير أعلام النبلاء (20/ 88).

ص: 146

إيمانه وتوخيه لاتباع الحق -أهدرناه وبدعناه، لقلَّ من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه وكرمه"

(1)

.

ثم إن هذا الحديث ليس في حمله على ظاهره ما يقتضي التشبيه، بل نحن نثبته ونجريه على ظاهره مع نفي التشبيه.

قال قوام السنة إسماعيل التيمي: "فصل في الرد على الجهمية الذين أنكروا صفات الله عز وجل، وسموا أهل السنة مشبهة، وليس قول أهل السنة: إن لله وجهًا ويدين وسائر ما أخبر الله تعالى به عن نفسه موجبًا تشبيهه بخلقه، وليس روايتهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(خلق الله آدم على صورته) بموجبه

(2)

نسبة التشبيه إليهم، بل كل ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حق، قول الله حق، وقول رسوله حق، والله أعلم بما يقول، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم بما قال، وإنما علينا الإيمان والتسليم، وحسبنا الله ونعم الوكيل"

(3)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن قيل: قوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا

)، هذا الحديث إذا حمل على صورة الله تعالى كان ظاهره: أن الله طوله ستون ذراعًا، والله تعالى -كما قال ابن خزيمة- جل أن يوصف بالذرعان والأشبار

قيل: ليس هذا ظاهر الحديث، ومن زعم أن هذا ظاهره، أو حمله عليه فهو مفتر كذاب ملحد، فإن فساد هذا معلوم بالضرورة من العقل والدين كما تقدم، ومعلوم أيضًا عدم ظهوره من الحديث، فإن الضمير في قوله:(طوله) عائد إلى آدم الذي قيل فيه: (خلق آدم على صورته)، ثم قال:(طول آدم ستون ذراعًا، فلما خلقه قال له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة).

(1)

سير أعلام النبلاء (14/ 374 - 376).

(2)

هكذا جاءت في الكتاب ولعل الصواب (بموجبة)، والله أعلم.

(3)

الحجة في بيان المحجة (1/ 310).

ص: 147

فهذه الضمائر كلها عائدة إلى آدم، وهذا منها أيضًا، فلفظ الطول وقدره ليس داخلًا في مسمى الصورة، حتى يقال إذا قيل:(خلق الله آدم على صورته) وجب أن يكون على قدره وطوله"

(1)

.

إذا تبين هذا وهو: وجوب حمل النص على ظاهره، وأن ظاهره لا يقتضي التشبيه، فما معنى كون آدم خلق على صورة الله تعالى؟

الجواب عن هذا أن يقال: الواجب إذا جاءت الآية من كتاب الله تعالى أو صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان والتصديق بهما، واعتقاد ما جاء فيهما، والتسليم والانقياد لهما، ولا يجوز السؤال عن كيفية ما جاء فيهما من الصفات، فإن الله تعالى أخبرنا أنه متصف بالصفات، ولم يخبرنا عن كيفية هذه الصفات، فنَكِلُ علمها إلى الله تعالى، مع اعتقادنا أنها لا تماثل صفات المخلوقين، فالله تعالى كما قال عن نفسه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

وقد عقد الإمام ابن بطة

(2)

بابًا بعنوان: "الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم على صورته بلا كيف".

ثم قال: "كل ما جاء من هذه الأحاديث، وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض على المسلمين قبولها، والتصديق بها، والتسليم لها، وترك الاعتراض عليها، وواجب على من قبلها وصدَّق بها أن لا يضرب لها المقاييس، ولا يتحمل لها المعاني والتفاسير، ولكن تمر على ما جاءت ولا

(1)

بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (2/ 534 - 537) باختصار وتصرف يسير.

(2)

هو الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الفقيه الحنبلي شيخ العراق، كان عبدًا صالحًا زاهدًا، سمع من خلائق لا يحصون، وكان صاحب حديث ولكنه ضعيف من قبل حفظه، توفي رحمه الله سنة (387 هـ)، وله مصنف كبير في السنة سماه: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية. [انظر: تاريخ بغداد (10/ 370)، والسير (16/ 529)، والعبر (2/ 171)، وشذرات الذهب (3/ 122)].

ص: 148

يقال فيها: لِمَ؟ ولا كيف؟ إيمانًا وتصديقًا، ونقف من لفظها وروايتها حيث وقف أئمتنا وشيوخنا، وننتهي منها حيث انتهى بنا، كما قال المصطفى نبينا صلى الله عليه وسلم، بلا معارضة ولا تكذيب ولا تنقير ولا تفتيش، والله الموفق وهو حسبنا ونعم الوكيل، فإن الذين نقلوها إلينا هم الذين نقلوا إلينا القرآن وأصل الشريعة، فالطعن عليهم والرد لما نقلوه من هذه الأحاديث، طعن في الدين ورد لشريعة المسلمين، ومن فعل ذلك فالله حسبه والمنتقم منه بما هو أهله"

(1)

، ثم ساق رحمه الله عددًا من طرق هذا الحديث.

وقال الكرجي بعد ما ساق عددًا من أحاديث الصفات، والتي منها:(خلق الله آدم على صورته): " .. إلى غيرها من الأحاديث، هالتنا أو لم تهلنا، بلغتنا أو لم تبلغنا، اعتقادنا فيها وفي الآي الواردة في الصفات: أن نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها ولا نعطلها ولا نتأولها، وعلى العقول لا نحملها، وبصفات الخلق لا نشبهها، ولا نعمل فكرنا ورأينا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، بل نؤمن بها ونَكِلُ علمها إلى عالمها، كما فعل ذلك السلف الصالح، وهم القدوة لنا في كل علم"

(2)

.

وقال الذهبي رحمه الله: "أما معنى حديث الصورة فنرد علمه إلى الله ورسوله، ونسكت كما سكت السلف مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء"

(3)

.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن معنى الحديث هو: بيان أن آدم عليه السلام خلق ذا وجه متصفًا بصفة السمع والبصر والكلام، كما أن الله تعالى كذلك، فهو مخلوق على صورة الله من هذه الحيثية، ولا يلزم من ذلك المماثلة.

قال ابن القيم رحمه الله: "وقوله: (خلق آدم على صورة الرحمن) لم يرد

(1)

الإبانة (المختار 244)، وانظر: الشريعة للآجري (3/ 1153).

(2)

نقل ذلك عنه: ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 185).

(3)

ميزان الاعتدال (4/ 96).

ص: 149

به تشبيه الرب وتمثيله بالمخلوق، وإنما أراد به تحقيق الوجه، وإثبات السمع والبصر والكلام، صفة ومحلًا والله أعلم"

(1)

.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "والمعنى والله أعلم: أنه خلق آدم على صورته ذا وجه وسمع وبصر، يسمع ويتكلم ويبصر ويفعل ما يشاء، ولا يلزم أن يكون الوجه كالوجه، والسمع كالسمع، والبصر كالبصر

وهكذا لا يلزم أن تكون الصورة كالصورة"

(2)

.

ومما ينبغي التأكيد عليه والتنبيه إليه -هنا- أن كون الشيء على صورة الشيء: لا يلزم منه المماثلة بينهما من كل وجه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"من المعلوم أن الشيئين المخلوقين قد يكون أحدهما على صورة الآخر مع التفاوت العظيم في جنس ذواتهما وقدر ذواتهما، وقد تظهر السموات والقمر في صورة ماء أو مرآة في غاية الصغر، ويقال: هذه صورتها، مع العلم بأن حقيقة السموات والأرض أعظم من ذلك بما لا نسبة لأحدهما إلى الآخر"

(3)

.

وقال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: "الذي قال: (إن الله خلق آدم على صورته) رسول الذي قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسِل.

والذي قال: (خلق آدم على صورته) هو الذي قال: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) متفق عليه

(4)

. فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه؟ !

فإن قلت بالأول: فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار!

(1)

مختصر الصواعق (2/ 515).

(2)

مجموع فتاوى ومقالات متنوعة له، جمع د/ محمد الشويعر (6/ 353 - 354).

(3)

بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (2/ 537 - 538).

(4)

من حديث أبي هريرة: البخاري (3/ 1187) ح (3081)، ومسلم (17/ 178) ح (2834).

ص: 150

وإن قلت بالثاني: زال الإشكال وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلًا له من كل وجه"

(1)

.

وأما الجواب المفصل، فهو في الرد على كل تأويل على حِدَةٍ كما يلي:

أما التأويل الأول: وهو القول بإعادة الضمير على المضروب، والاستدلال له:

1 -

بأن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي عن ضرب الوجه بقوله: (فإن الله خلق آدم على صورته).

2 -

وكذا استدلالهم بحديث: " (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته).

فهو باطل من عدة وجوه:

أحدها: أن في الصحيحين ابتداءً: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا)، وفي أحاديث أخر:(إن الله خلق آدم على صورته)، ولم يتقدم ذكر أحد يعود الضمير إليه

(2)

، وما ذكر بعضهم

(3)

من أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

شرح العقيدة الواسطية (1/ 108 - 109).

(2)

وهذا ظاهر في هذه الأحاديث، وأما ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (2/ 442 - 443) - من أن حديث:(إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)، وحديث:(لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك، ووجهًا أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته): ليس فيها ذكر أحد يصلح عود الضمير إليه، لأنه لم يتقدم فيها ذكر مضروب، فإنه يشكل عليه، أن الحديث الأول جاء بلفظ -كما عند مسلم-: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه

) فقوله: (أخاه) يصلح عود الضمير إليه.

وكذلك الحديث الثاني جاء بلفظ -كما عند ابن خزيمة في التوحيد (1/ 82) -: (لا يقولن أحدكم لأحد: قبح الله وجهك

) فقوله: (لأحد) يصلح عود الضمير إليه.

وقد بنى شيخ الإسلام رحمه الله على قوله هذا ثلاثة أوجه في الرد على هذا التأويل، أعرضت عنها لهذا السبب، وفي بقية الأوجه ما يكفي ويشفي، والله أعلم.

(3)

كابن فورك في مشكل الحديث (46).

ص: 151

رأى رجلًا يضرب رجلًا ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فقال:(خلق الله آدم على صورته) أي: على صورة هذا المضروب، فهذا شيء لا أصل له، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث

(1)

.

الوجه الثاني: أن ذرية آدم خُلِقُوا على صورة آدم، لم يُخْلَق آدم على صورهم، فالثاني المتأخر في الوجود خُلِقَ على صورة الأول المتقدم وجوده، وهذا ظاهر، ولا يجوز أن يقال: خُلِقَ الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود كما هو مقتضى هذا التأويل

فإنه إذا قيل: خُلِقَ الولد على صورة أبيه أو على خَلْقِ أبيه، كان كلامًا سديدًا، وإذا قيل: خُلِقَ الوالد على صورة ولده أو على خَلْقِه كان كلامًا فاسدًا، بخلاف ما إذا ذكر التشبيه بغير لفظ الخلق وما يقوم مقامه، مثل أن يقال: الوالد يشبه ولده، فإن هذا سائغ لأن قوله: خلق، إخبار عن تكوينه وإبداعه على مثال غيره، ومن الممتنع أن الأول يكون على مثال من لم يكن بعد، وإنما يكون على مثال من قد كان.

الوجه الثالث: أن يقال: هب أن هذه العلة تصلح لقوله: (لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك)، فكيف تصلح لقوله:(إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؟ ) فمعلوم أن كون صورته تشبه صورة آدم لا توجب سقوط العقوبة عنه، فإن الإنسان لو كان يشبه نبيًا من الأنبياء أعظم من مشابهة الذرية لأبيهم في مطلق الصورة والوجه، ثم وجبت على ذلك الشبيه بالنبي عقوبة، لم تسقط عقوبته لهذا الشبه باتفاق المسلمين، فكيف يجوز تعليل تحريم العقوبة بمجرد المشابهة المطلقة لآدم؟ .

الوجه الرابع: أن في ذرية آدم من هو أفضل من آدم، وتناول اللفظ لجميعهم واحد، فلو كان المقصود بالخطاب ليس ما يختص به آدم من ابتداء خلقه على صورة، بل المقصود مجرد مشابهة المضروب والمشتوم له،

(1)

انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (205).

ص: 152

لكان ذكر سائر الأنبياء والمرسلين بالعموم هو الوجه، وكان تخصيص غير آدم بالذكر أولى، كإبراهيم وموسى وعيسى -وإن كان آدم أباهم- فليس هذا المقام مقامًا له به اختصاص على زعم هؤلاء

(1)

.

الوجه الخامس: وهو قاطع أيضًا أن يقال: كون الوجه يشبه وجه آدم، مثل كون سائر الأعضاء تشبه أعضاء آدم، فإن رأس الإنسان يشبه رأس آدم، ويده تشبه يده، ورجله تشبه رجله، وبطنه وظهره وفخذه وساقه يشبه بطن آدم وظهره وفخذه وساقه، فليس للوجه بمشابهة آدم اختصاص، بل جميع أعضاء البدن بمنزلته في ذلك، فلو صح أن يكون هذا علة لمنع الضرب، لوجب أن لا يجوز ضرب شيء من أعضاء بني آدم؛ لأن ذلك جميعه على صورة أبيهم آدم، وفي إجماع المسلمين على وجوب ضرب هذه الأعضاء في الجهاد للكفار والمنافقين وإقامة الحدود، مع كونها مشابهة لأعضاء آدم وسائر النبيين دليل على أنه لا يجوز المنع من ضرب الوجه ولا غيره لأجل هذه المشابهة.

الوجه السادس: أنه لو كان علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه آدم، لَنُهِيَ -أيضًا- عن الشتم والتقبيح لسائر الأعضاء، فيقال مثلًا: لا يقولنَّ أحدكم: قطع الله يدك، ويد من أشبه يدك

الوجه السابع: أنه قد روي من غير وجه (على صورة الرحمن)

(2)

، وهذا نص صريح في عود الضمير على الله تعالى، وإبطال عوده على المضروب.

- وأما دليلهم الثالث وهو: أن حمل اللفظ على ظاهره يقتضي التشبيه، فقد تقدمت الإجابة عنه بما يغني عن إعادته.

وأما التأويل الثاني: وهو القول: بإعادة الضمير إلى آدم عليه السلام،

(1)

انظر: إبطال التأويلات (1/ 85).

(2)

انظر في هذه الوجوه: بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (2/ 442 - 449).

ص: 153