الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: ترجمة موجزة للبخاري ومسلم عليهما رحمة الله
أولًا: الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه
(1)
الجعفي البخاري.
- كانت ولادته رحمه الله تعالى يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة.
- ونشأ يتيمًا حيث توفي والده وهو صغير فنشأ في حجر أمه، فأحسنت تربيته وتنشئته حتى غدا مولعًا بالعلم وأهله، فأصبح يتنقل بين حلقات العلم والمحدثين وهو في سنٍّ مبكرة
(2)
.
يقول رحمه الله: "أُلهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتَّاب"، قيل: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: "عشر سنين أو أقل"
(3)
، ثم خرج منها وبدأ يختلف إلى علماء عصره وأئمة بلده، يأخذ عنهم ويراجعهم ويناقشهم، ثم خرج من بلده طلبًا للعلم والحديث حتى أصبح إمامًا في العلم ورأسًا في الحديث، يقصده طلاب العلم ومريدوه من كل حدب وصوب.
(1)
هكذا ضبطها ابن حجر في تغليق التعليق (5/ 384): (بفتح الباء الموحدة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم زاي ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة).
(2)
انظر: تاريخ بغداد (2/ 5 - 6)، وسير أعلام النبلاء (12/ 391 - 392)، وهدي الساري (477).
(3)
تاريخ بغداد (2/ 7)، وانظر: تهذيب الكمال (24/ 439).
وكانت أول رحلة قام بها البخاري هي رحلته إلى مكة للحج، وهو في سن السادسة عشرة من عمره تقريبًا.
قال ابن حجر
(1)
: "فكان أول رحلته على هذا سنة عشر ومائتين، ولو رحل أول ما طلب لأدرك ما أدركته أقرانه من طبقة عالية"
(2)
.
وقد أكثر البخاري رحمه الله تعالى بعد ذلك من الرحلة إلى سائر الأمصار في طلب العلم والحديث.
حدَّث البخاري عن نفسه فقال: "لقيت أكثر من ألف رجل: أهل الحجاز والعراق والشام ومصر لقيتهم كرَّات، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، وأهل البصرة أربع مرات، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي خراسان"
(3)
.
وقد رُزق البخاري رحمه الله تعالى حافظة قوية، وذكاءً حادًا، وذهنًا متوقدًا، واطلاعًا واسعًا.
رُوي عنه أنه قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي
(1)
هو العلامة الحافظ أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر، من أئمة العلم والتاريخ، أصله من عسقلان بفلسطين، ومولده ونشأته ووفاته بمصر، ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة، فقصده الناس للأخذ عنه، وأصبح حافظ الإسلام في عصره، ولي قضاء مصر مرات، توفي رحمه الله سنة (852 هـ)، وله مصنفات عديدة منها: فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وكتاب تهذيب التهذيب، وكتاب تغليق التعليق وغيرها. [انظر: الضوء اللامع (2/ 36)، وشذرات الذهب (7/ 270)، والبدر الطالع (1/ 87)، والأعلام (1/ 178)].
(2)
هدي الساري (478).
(3)
سير أعلام النبلاء (12/ 407)، وانظر: تاريخ بغداد (2/ 5)، وهدي الساري (478).
ألف حديث غير صحيح
(1)
"
(2)
.
وليس أدل على قوة حافظة البخاري وتوّقد ذهنه من تلك الحادثة التي حدثت له ببغداد، وذلك أنه لما قدم بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، فجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة رجال، كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك إلى البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدًا بعد الآخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم.
ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلقي عليه واحدًا تلو الآخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه.
(1)
تاريخ بغداد (2/ 25)، وانظر: تهذيب الكمال (24/ 461).
(2)
ليس المراد بهذه الألوف الكثيرة أنها كلها أحاديث متغايرة كما يظن البعض -فيُشكل عليه تصديق ذلك- وإنما هي طرق متعددة للأحاديث، وقد يُروى الحديث الواحد بعشرات الأسانيد فتعتبر هذه الأسانيد بمثابة الأحاديث وما هي في الواقع إلا طرقًا لحديث واحد، وأيضًا فإنه يدخل في هذه الألوف آثار الصحابة والتابعين وغيرهم. [انظر: مقدمة ابن الصلاح (23)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 46 - 47)، والتعريف بكتب الحديث الستة للشيخ محمد محمد أبي شهبة (37).