الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنة، وكذلك جمهور العلماء على أن أولاد من سواهم من المؤمنين في الجنة، وبعضهم ينكر الخلاف في ذلك، ويتعلقون بظاهر القرآن، وما ورد في بعض الأخبار"
(1)
.
وقال أيضًا: "الإجماع على أن الصغار من أولاد النبيين في الجنة، وجمهور العلماء على أن أطفال المؤمنين في الجنة أيضًا، وبعض العلماء وقف فيهم"
(2)
.
وقد يكون من نُقل عنهم الوقف في ذلك لم يثبت ذلك عنهم، أو عن بعضهم، فإن إسحاق بن راهويه وهو ممن نُقل عنه ذلك، قد رُوي عنه أنه قال:"أما أولاد المسلمين فإنهم من أهل الجنة"
(3)
.
والحاصل أن نسبة هذا القول -وهو أن أولاد المسلمين في الجنة- إلى الجمهور أدق من حكاية الإجماع عليه، والله تعالى أعلم.
واستدل الجمهور على هذا القول بأدلة كثيرة، منها:
1 -
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} [الطور: 21].
قال أبو عمرو الداني
(4)
: "قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
(1)
المعلم (3/ 174)، وانظر: إكمال المعلم (8/ 114)، والمفهم (6/ 642)، والتذكرة (2/ 328)، والرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات لأبي عمرو الداني (121).
(2)
المعلم (3/ 180) بتصرف يسير، وانظر: إكمال المعلم (8/ 147 - 148).
(3)
أهل الملل (1/ 67)، وانظر: أحكام أهل الذمة (2/ 1075).
(4)
هو الإمام الحافظ المجود المقري عالم الأندلس أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموي مولاهم، الأندلسي القرطبي ثم الداني، إليه المنتهى في علم القراءات، مع البراعة في علم الحديث والتفسير والنحو، له مائة وعشرون مؤلفًا منها: جامع البيان في السبع، وإيجاز البيان في قراءة ورش، والسنن الواردة في الفتن، توفي رحمه الله سنة أربع وأربعين وأربعمائة (444). [انظر: السير (18/ 77)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1120)، والعبر (2/ 286)، =
بِإِيمَانٍ} يعني: الكبار الذين بلغوا التكليف، {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} يعني: الصغار الذين لم يبلغوا التكليف، قاله ابن عباس
(1)
والضحاك
(2)
"
(3)
.
2 -
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)} [المدثر: 38، 39]، فقد جاء عن علي بن أبي طالب أن أصحاب اليمين هم: أطفال المسلمين
(4)
، قال ابن عبد البر:"ولا مخالف له في ذلك من الصحابة"
(5)
.
3 -
ما أخرجه مسلم عن أبي حسان أنه قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: قال: نعم (صغارهم دعاميص
(6)
الجنة، يتلقى أحدهم أباه -أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال: بيده- كما آخذ أنا
= وشذرات الذهب (3/ 272)].
(1)
انظر: جامع البيان (11/ 488)، ومعالم التنزيل (4/ 239)، والجامع لأحكام القرآن (17/ 67)، وتفسير القرآن العظيم (4/ 374).
(2)
انظر: جامع البيان (11/ 488)، ومعالم التنزيل (239).
(3)
الرسالة الوافية (121)، وانظر: الاعتقاد للبيهقي (90)، والمعلم (3/ 174)، والمفهم (6/ 642)، والتذكرة (2/ 318، 328)، والفتح (3/ 245)، والمجموع الثمين لابن عثيمين (81).
(4)
أخرجه الطبري في تفسيره (12/ 318)، والحاكم (2/ 551)، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضًا ابن عبد البر في التمهيد (6/ 351 - 352)، و (18/ 115).
(5)
التمهيد (6/ 351)، وانظر: الاستذكار (8/ 396)، والرسالة الوافية (121)، ومعالم التنزيل (4/ 418)، والتذكرة (2/ 317).
(6)
الدعاميص: جمع دعموص، وهي: دويبة تكون في الماء لا تفارقه، أي: أن هذا الصغير في الجنة لا يفارقها، والدعموص أيضًا: الدَّخَّال في الأمور، ويكون المعنى على هذا: أنهم سياحون في الجنة، دخَّالون في منازلها لا يمنعون من موضع. [انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (283)، والمجموع المغيث (1/ 659)، والنهاية (2/ 120)، وشرح النووي على مسلم (16/ 420)، والتذكرة (2/ 328)].
بصنفة
(1)
ثوبك هذا، فلا يتناهى -أو قال: فلا ينتهي- حتى يدخله الله وأباه الجنة)
(2)
.
قال القرطبي: "في هذا الحديث ما يدل على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو الذي تدل عليه أخبار صحيحة، وظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} "
(3)
.
4 -
حديث سمرة بن جندب في قصة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أنه قال:(وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الوِلْدَان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة)، رواه البخاري
(4)
.
فقالوا: هذا الحديث نص صحيح صريح في أنهم في الجنة، ورؤيا الأنبياء وحي
(5)
.
قال ابن عبد البر: "هذا يقتضي ظاهره وعمومه جميع الناس"
(6)
.
5 -
حديث معاوية بن قرَّة عن أبيه: أن رجلًا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أتحبه؟ ) فقال: يا رسول الله، أحبَّك الله كما أُحِبُّه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(ما فعل ابن فلان؟ ) قالوا: يا رسول الله، مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه:(أما تحب أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ ) فقال رجل: يا رسول الله، أله خاصة أم لكلنا؟ قال:(بل لكلكم)
(7)
.
(1)
أي: طرفه وحاشيته [انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين (283)، والنهاية (3/ 56)، وشرح النووي على مسلم (16/ 420)].
(2)
صحيح مسلم (16/ 421) ح (2635).
(3)
المفهم (6/ 642)، وانظر: الاعتقاد للبيهقي (90)، والتمهيد (18/ 114)، والاستذكار (8/ 396)، والتذكرة (2/ 327)، وأحكام أهل الذمة (2/ 1082).
(4)
صحيح البخاري (6/ 2583) ح (6640).
(5)
انظر: الفصل (2/ 387 - 388)، وطريق الهجرتين (693).
(6)
التمهيد (18/ 118).
(7)
أخرجه أحمد (24/ 361) ح (15595)، والنسائي (4/ 322) ح (1869)، =
قال البيهقي: "ذلك فيمن وافى أبواه يوم القيامة مؤمنين أو أحدهما، فيُلحق بالمؤمن ذريته، كما جاء به الكتاب، ويُستفتح له، كما جاءت به السنة، ويحكم لها بأنها كانت ممن جرى له القلم بالسعادة"
(1)
.
6 -
جملة من الأحاديث الواردة في فضل من يموت له ولد أو أكثر فيحتسبه، ومنها:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: (ما منكنَّ امرأةٌ تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار)، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: (واثنين)، متفق عليه
(2)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تَحِلَّة القسم)، متفق عليه
(3)
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من الناس من مسلم يُتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحِنْثَ إلا أدخله الله الجنة، بفضل رحمته إياهم)، رواه البخاري
(4)
.
قال ابن عبد البر: "في هذه الأحاديث دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة لا محالة -والله أعلم- لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم من أجلهم، استحال أن يُرحموا من أجل من ليس بمرحوم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
= والطبراني في الكبير (19/ 26) ح (54)، وابن حبان (7/ 209) ح (2947)، والحاكم (1/ 541) ح (1417)، وقال:"هذا حديث صحيح"، ووافقه الذهبي، وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 349):"هذا حديث ثابت صحيح"، وانظر:(6/ 351)، وحكم ابن حجر كما في الفتح (3/ 121): على إسناده بالصحة.
(1)
الاعتقاد (91)، وانظر: التمهيد (6/ 349، 351)، و (18/ 113)، والاستذكار (8/ 395)، والتذكرة (2/ 327)، وأحكام أهل الذمة (2/ 1082).
(2)
البخاري (1/ 50) ح (101)، ومسلم (16/ 420) ح (2633).
(3)
البخاري (1/ 421) ح (1193)، ومسلم (16/ 419) ح (2632).
(4)
صحيح البخاري (1/ 421) ح (1191).
(بفضل رحمته إياهم) "
(1)
.
وهذا معنى قول الإمام أحمد: "هو يُرجى لأبويه، كيف يُشك فيه؟ "
(2)
.
وقال النووي: "هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة"
(3)
.
وقال ابن القيم: "هذه الأحاديث أكثرها في الصحيح، وكلها صحيحة، وهذا القول في أطفال المسلمين هو المعروف من قواعد الشرع، حتى إن الإمام أحمد أنكر الخلاف فيه، وأثبت بعضهم الخلاف، وقال: إنما الإجماع على أولاد الأنبياء خاصة"
(4)
.
من خلال ما تقدم، يتضح وجه إشكال حديث المسألة، حيث استشكله أهل العلم لكون النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة حكمها على ذلك الصبي بالجنة فقال:(أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)، فظاهر هذا الإنكار يخالف ما ذهب إليه الجمهور، وحُكي الإجماع عليه، وهو مقتضى الأدلة المتقدمة من أن أطفال المؤمنين في الجنة!
* * *
(1)
التمهيد (6/ 348)، وانظر:(18/ 113)، والاستذكار (8/ 395)، والتذكرة (2/ 329)، والفتح (3/ 124، 244).
(2)
أهلل الملل (1/ 68)، وانظر: المنتخب من العلل (53)، وأحكام أهل الذمة (2/ 1075).
(3)
شرح النووي على مسلم (16/ 421).
(4)
أحكام أهل الذمة (2/ 1083).