الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه لا تعارض بين هذه النصوص، لأن المنفي فيها غير المثبت، فالرسول صلى الله عليه وسلم نفى خلته لغير الله تعالى، لكنه لم يمنع غيره أن يتخذه خليلًا -كما فعل أبو هريرة رضي الله عنه- فالخلة من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم، غير الخلة من جانب من سواه.
وقد نص على هذا النووي، وابن حجر، والمعلمي
(1)
، وغيرهم
(2)
، وهو ظاهر كلام القرطبي
(3)
.
قال النووي: "قوله: (أوصاني خليلي) لا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا
…
)؛ لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيره خليلًا، ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبيَ صلى الله عليه وسلم خليلًا"
(4)
.
وقال ابن حجر: "وقول أبي هريرة هذا لا يعارضه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر)؛ لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلًا، لا العكس، ولا يقال: إن المخاللة لا تتم حتى تكون من الجانبين، لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين فأطلق ذلك، أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة"
(5)
.
(1)
انظر: الأنوار الكاشفة (170).
(2)
انظر: شرح السيوطي على سنن النسائي (3/ 254)، وعون المعبود (4/ 218).
(3)
انظر: المفهم (6/ 360).
(4)
شرح النووي على مسلم (5/ 242)، وانظر:(15/ 161).
(5)
فتح الباري (3/ 57).
القول الثاني: أنه ليس لأحد أن يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه خليلي، وقد أنكر أصحاب هذا القول على أبي هريرة وغيره -من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قولهم: سمعت خليلي، وأوصاني خليلي، وما أشبهها
(1)
.
واستدلوا بما تقدم من الأحاديث، حيث نفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له من أمته خليل، كما في قوله:(إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا).
وممن نُقل عنه إنكار ذلك: الإمام الشعبي
(2)
رحمه الله تعالى، فقد روى الطحاوي عنه أنه قيل له: إن حفصة كانت تحدثنا عن أم عطية فتقول: حدثني خليلي -تعني: النبي صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا من عقول النساء، ثم احتج بالحديث المتقدم
(3)
.
وإلى هذا مال الطحاوي
(4)
رحمه الله.
* * *
(1)
انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة 9/ 124 - 125)، والمفهم (2/ 630)، والأنوار الكاشفة (170).
(2)
هو عامر بن شراحيل الهمذاني الشعبي علامة العصر، ثقة مشهور فقيه فاضل، حدَّث عن سعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وجمع كثير من الصحابة رضي الله عنهم، كان ممن خرج على الحجاج مع عبد الرحمن بن الأشعث، توفي رحمه الله سنة (105 هـ)، وقيل غير ذلك. [انظر: تاريخ بغداد (12/ 222)، ووفيات الأعيان (3/ 6)، والسير (4/ 294)، وتقريب التهذيب (1/ 461)].
(3)
انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة 9/ 125).
(4)
انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة 9/ 124).