الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم: (إني على الحوض حتى أنظر من يَرِدُ عَلَيَّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)، فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. متفق عليه
(1)
.
وورد هذا المعنى أيضًا من حديث ابن مسعود
(2)
، وعائشة
(3)
، وأم سلمة
(4)
، وحذيفة
(5)
رضي الله عنهم.
بيان وجه الإشكال
محبة الصحابة وتوقيرهم والدعاء لهم، والتحذير من سبهم والطعن فيهم أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة، دوَّنوه في كتبهم، وضمنوه عقائدهم، وتواصوا به فيما بينهم، كيف لا وهم حملة الدين وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين رأوه وآمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه، فمحبتهم والذبُّ عن أعراضهم دين وإيمان، والطعن فيهم والنيل منهم كفر ونفاق، بل هو طعن في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، لأنهم هم الناقلون لهما، فالقدح فيهم يؤدي إلى إبطال الكتاب والسنة.
وقد تظافرت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة
(1)
البخاري في موضعين: في كتاب الرقاق، باب: في الحوض (5/ 2409) ح (6220)، وفي كتاب الفتن باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (6/ 2587) ح (6641)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (15/ 61) ح (2293).
(2)
متفق عليه: البخاري: (5/ 2404) ح (6205)، و (6/ 2588) ح (6642)، ومسلم:(15/ 64) ح (2297).
(3)
أخرجه مسلم: (15/ 61) ح (2294).
(4)
أخرجه مسلم (15/ 62) ح (2295).
(5)
أخرجه مسلم: (3/ 139) ح (248).
على مدح الصحابة، والثناء عليهم، والتزكية لهم، وبيان عظيم منزلتهم وسابقتهم في الإسلام، وإليك شيئًا من ذلك:
وقال عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح: 18].
وقال جل شأنه: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8].
(1)
.
وأما السنة فهي مليئة بمدحهم والثناء عليهم والتحذير من سبهم والنيل منهم، ومن ذلك ما يلي:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم
(1)
انظر للاستزادة: الشريعة للآجري (4/ 1634 - 1637).
الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم
…
)، متفق عليه
(1)
.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: (النجوم أَمَنة
(2)
للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، رواه مسلم
(3)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)، متفق عليه
(4)
.
وأما أقوال أهل العلم في بيان فضل الصحابة والتحذير من الوقيعة فيهم فكثيرة جدًا، يصعب حصرها، ويعسر نقلها، وإليك نماذج يسيرة منها:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه"
(5)
.
وقال الإمام أحمد: "من تنقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا
(1)
البخاري: (2/ 938) ح (2509)، ومسلم:(16/ 318) ح (2533).
(2)
الأمنة هنا: جمع أمين، وهو الحافظ. [انظر: النهاية (1/ 71)، وشرح النووي على مسلم (16/ 316)].
(3)
صحيح مسلم (16/ 316) ح (2531).
(4)
البخاري: (3/ 1343) ح (3470)، ومسلم:(16/ 326) ح (2541).
(5)
أخرجه أحمد (5/ 211) ح (3600)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (1/ 199) ح (243)، والطبراني في الكبير (9/ 112) ح (8582)، والآجري في الشريعة (4/ 1675) ح (1144)، وأورده الهيثمي في المجمع (1/ 177)، وقال:"رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله موثوقون"، وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند:"إسناده صحيح".
ينطوي إلا على بلية، وله خبيئة سوء، إذا قصد إلى خير الناس، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبك"
(1)
.
وقال أبو زرعة الرازي: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة"
(2)
.
وقال الطحاوي: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نُفْرِط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان"
(3)
.
وقال ابن الصلاح: "للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي: أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدَّلِين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة"
(4)
.
وقال ابن تيمية: "من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم"
(5)
.
وقال ابن حجر: "اتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من حروب ولو عُرِف المحق منهم، لأنهم
(1)
السنة للخلال (2/ 477).
(2)
الكفاية للخطيب البغدادي (97).
(3)
العقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي العز (689).
(4)
مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (176).
(5)
العقيدة الواسطية بشرح الهراس (236 - 237).
لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا، وأن المصيب يؤجر أجرين"
(1)
.
وقال ابن حجر الهيتمي
(2)
: "اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة: أنه يجب على كل أحد تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم، والثناء عليهم، فقد أثنى الله -سبحانه الله وتعالى- عليهم في آيات من كتابه"
(3)
.
إذا تبين هذا وهو دلالة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة
(4)
على تفضيل الصحابة والشهادة لهم بأنهم خير القرون، فما الجواب عن هذه الأحاديث الكثيرة التي تنص على ارتداد بعض الصحابة على أعقابهم؟ خاصة وأن بعض أهل البدع كالرافضة
(5)
ومن سلك سبيلهم قد تمسكوا بهذه
(1)
فتح الباري (13/ 34).
(2)
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي، عالم فقيه، تلقى العلم في جامع الأزهر، وبرع في علوم كثيرة كالفقه والأصول والفرائض والحساب والنحو والكلام، له مؤلفات كثيرة منها: الصواعق المحرقة، والزواجر عن اقتراف الكبائر، توفي بمكة سنة (973). [انظر: شذرات الذهب (8/ 370)، والبدر الطالع (1/ 109)، والأعلام (1/ 234)].
(3)
الصواعق المحرقة (603).
(4)
انظر للاستزادة من أقوال أهل العلم في تفضيل الصحابة وتوقيرهم: الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني (373)، وعقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني (294)، والتمهيد لابن عبد البر (22/ 47)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 299)، والروض الباسم لابن الوزير (1/ 103)، وقطر الولي للشوكاني (292)، والانتصار للصحابة الأخيار للشيخ عبد المحسن العباد البدر (133 - 139)، وعقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم للدكتور ناصر بن علي عائض حسن الشيخ (1/ 96 - 111)، وفيهما نقول كثيرة عن أهل العلم.
(5)
الرافضة: اسم يطلق على كل من رفض إمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان =
الأحاديث، محتجين بها على مذهبهم الفاسد في تكفير الصحابة والنيل منهم.
وقد عنون ابن قتيبة لهذا الحديث بقوله: "حديث يحتج به الروافض في إكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"
(1)
.
* * *
= سبب هذه التسمية وأول ظهورها: أنه لما خرج زيد بن علي بن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك اتبعه الشيعة، فسألوه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتولاهما وترحم عليهما، فرفضه قوم منهم فقال: رفضتموني رفضتموني، فسموا الرافضة، وقد افترقت الرافضة بعد ذلك إلى أربع فرق: زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة، وافترقت هذه الفرق إلى فرق أخرى كثيرة.
ومن عقائد الرافضة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على استخلاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه باسمه وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف
…
إلخ. [انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 89)، والفرق بين الفرق (29)، ومجموع الفتاوى (13/ 35)].
(1)
تاويل مختلف الحديث (217)، وانظر:(13) من الكتاب نفسه.