الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان وجه الإشكال
أشكل هذا الحديث على كثير من الناس، حيث إن ظاهره قد يوهم أن المحاجة بين آدم وموسى عليهم السلام كانت متوجهة إلى المعصية
(1)
، ولما كانت الحجة لآدم عليه السلام فقد يفهم البعض -بناءً على هذا الوهم- جواز الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية، ولذا فقد تباينت الآراء في توجيه هذا الحديث، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال ابن تيمية عن هذا الحديث: "لما توهم من توهم أن ظاهره: أن المذنب يحتج بالقدر على من لامه على الذنب، اضطربوا فيه: فكذَّب به طائفة من القدرية
(2)
= (16/ 56) ح (8143)، وحكم عليه أحمد شاكر بالصحة.
- وجاء أيضًا من طريق أبي صالح، كما عند الترمذي (تحفه 6/ 336) ح (2217)، وحكم الألباني عليه بالصحة، كما في صحيح سنن الترمذي (2/ 223) ح (1733)، وكذا عند ابن أبي عاصم في السنة (1/ 64)، وقال الألباني:"إسناده صحيح".
- وجاء أيضًا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، كما عند الفريابي في كتاب القدر (93، 94) ح (113، 114)، وابن منده في الرد على الجهمية (71)، وابن عبد البر في التمهيد (18/ 17، 12).
- وجاء أيضًا من طريق حميد بن عبد الرحمن، كما عند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 642).
(1)
انظر: الروض الباسم لابن الوزير (2/ 465).
(2)
القدرية: تنقسم القدرية النفاة إلى فرقتين:
1 -
القدرية الأولى أو الغلاة: وهم الذين ينكرون سبق علم الله بالأشياء قبل وجودها، ويزعمون أن الله لم يقدر الأمور أزلًا ولم يتقدم علمه بها وإنما يأتنفها علمًا حال وقوعها.
2 -
الفرقة الثانية: وهم الذين يقرون بتقدم علم الله تعالى لأفعال العباد قبل وقوعها، لكنهم خالفوا السلف في زعمهم أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى ولا مقدورة له، وأن العباد هم الموجدون والخالقون لأعمالهم وأفعالهم على جهة الاستقلال، وهذا المذهب هو الغالب عليهم الآن.
وأول من أظهر بدعة القدر -كما يرجحه كثير من المحققين- معبد الجهني، ثم =
كالجبائي
(1)
، وتأوله طائفة من أهل السنة تأويلات ضعيفة، قصدًا لتصحيح الحديث، ومقصودهم صحيح، لكن طريقهم في رد قول القدرية وتفسير الحديث ضعيفة"
(2)
.
وقال ابن كثير: "احتج به قوم من الجبرية
(3)
، وهو ظاهر لهم بادئ الرأي"
(4)
.
= بعد ذلك ظهرت المعتزلة فتبنت هذه البدعة ونشرتها، وإن كانت لم تأخذ هذه البدعة بكاملها لأنها آمنت بعلم الله المتقدم وكتابته السابقة. [انظر: مسلم بشرح النووي (1/ 269، 259)، والفرق بين الفرق (25)، ومجموع الفتاوى (8/ 429، 450)، ولوامع الأنوار (1/ 300 - 301)].
(1)
هو أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري، شيخ المعتزلة وكبيرهم، وأبو شيخ المعتزلة أبي هاشم، له في مذهب الاعتزال مقالات مشهورة، وقد أخذ عنه أبو الحسن الأشعري علم الكلام، ثم خالفه ونابذه وتسنن، وللجبائي مصنفات عديدة في الاعتزال منها: الأصول، والتعديل والتجويز، والأسماء والصفات، توفي بالبصرة سنة (303). [انظر: وفيات الأعيان (4/ 97)، والسير (14/ 183)، والعبر (1/ 445)، وشذرات الذهب (2/ 241)].
(2)
درء التعارض (8/ 418).
(3)
الجبرية: سُموا بذلك نسبة إلى الجبر، وهو نفي الفعل حقيقة عن العبد، وإضافته إلى الرب، فالجبرية تعتقد أن الفاعل حقيقة هو الله تعالى، والناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة، ودارت الرحى، وزالت الشمس، دون أن يكون لها مشيئة أو اختيار، وهكذا الخلق، فإن الله تعالى هو الذي جبرهم على الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، فهم كالريشة في مهب الريح، مجبورون على أفعالهم، لا قدرة لهم ولا اختيار، والذي يمثل هذا المذهب غلاة المرجئة كالجهمية ومن نحا نحوهم من الصوفية وغيرهم، وهم أصناف: فمنهم الجبرية الخالصة، وهم الذين لا يثبتون للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، ومنهم الجبرية الذين يثبتون للعبد قدرة غير مؤثرة أصلًا [انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 338)، والملل والنحل (1/ 85)، والفرق بين الفرق (194، 297 - 298)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (103)، والبرهان للسكسكي (42 - 43)].
(4)
البداية والنهاية (1/ 78)، وانظر ما نقله ابن حجر عن ابن عبد البر في: فتح الباري (11/ 509).