الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحبكم خليلًا)، رواه مسلم
(1)
.
وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لو كنت متخذًا في هذه الأمة خليلًا لاتخذته)
(2)
، يعني: أبا بكر. رواه البخاري
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام). متفق عليه
(4)
.
وعن أبي ذر -رضى الله عنه- قال: (إن خليلي أوصاني: أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا مجدَّع الأطراف). رواه مسلم
(5)
.
بيان وجه الإشكال
أن جميع الأحاديث المتقدمة -ما عدا الحديثين الأخيرين- تنفي أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم من أمته خليل، وفي المقابل نجد أن أبا هريرة رضي الله عنه يقول:(أوصاني خليلي)، ومثله أبو ذر رضي الله عنه حيث يقول:(إن خليلي أوصاني)، فهل يكون هذا مخالفًا لبقية الأحاديث؟ هذا ما سوف يتضح في المطالب التالية، إن شاء الله
(1)
صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (15/ 159) ح (2383).
(2)
قال ابن تيمية في منهاج السنة (7/ 375): "هذا الحديث مستفيض، بل متواتر عند أهل العلم بالحديث، فإنه قد أُخرج في الصحاح من وجوه متعددة، من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير"[وانظر: منهاج السنة (7/ 284، 505)، و (8/ 565)، ومجموع الفتاوى (4/ 401)، و (35/ 62)، وفتح الباري (7/ 23)].
(3)
صحيح البخاري: كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذًا خليلًا)(3/ 1338) ح (3458).
(4)
البخاري في موضعين: في كتاب: الصوم، باب: صيام أيام البيض (2/ 699) ح (1880)، وفي كتاب: التطوع، باب: صلاة الضحى في الحضر (1/ 395) ح (1124).
ومسلم: كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى (5/ 242) ح (721).
(5)
صحيح مسلم: كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء من غير معصية (12/ 467) ح (1837).
تعالى، وقبل الانتقال إليها، أبين معنى الخُلَّة الواردة في هذه الأحاديث:
قال أهل اللغة: الخُلالة والخَلالة والخِلالة: الصداقة والمودة.
وخالَّه مخالَّة وخلالًا: صادقه، ويُقال: خالَلَه، بفك الإدغام.
ويُقال: فلان كريم الخُلة: أي كريم الإخاء والمصادقة.
والخُلَّة: الصداقة المختصة التي ليس فيها خلل.
والخليل: المحب الذي ليس في محبته خلل
(1)
.
قال الزجاج: "الخليل: المحب الذي ليس في محبته خلل، فجائز أن يكون إبراهيم سُمِّي خليل الله لأنه أحبه الله -واصطفاه- محبة تامة كاملة"
(2)
.
وقال النحاس
(3)
عند قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]: "الذي عليه أصحاب الحديث: أنه المحب المنقطع إلى الله، الذي ليس في انقطاعه اختلال
(4)
"
(5)
.
(1)
انظر: تهذيب اللغة (6/ 301 - 304) مادة (خل)، والصحاح (4/ 1382)، ولسان العرب (11/ 216 - 218) كلاهما مادة (خلل)، والقاموس المحيط (3/ 507) مادة (الخل)، والمعجم الوسيط (1/ 252) مادة (خَلَّ).
(2)
معاني القرآن (2/ 112) بتصرف يسير.
(3)
هو العلامة إمام العربية أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي، صاحب التصانيف، ارتحل إلى بغداد وأخذ عن الزجاج وغيره، ومن مصنفاته: معاني القرآن، وإعراب القرآن، توفي بمصر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة (338). [انظر: وفيات الأعيان (1/ 117)، والسير (15/ 401)، والعبر (2/ 54)، وشذرات الذهب (2/ 346)].
(4)
هذا بالنسبة لإبراهيم عليه السلام، وأما الخلة من جانب الله تعالى فهي صفة فعلية ثابتة له جلَّ وعلا على ما يليق بجلاله وعظمته، وقد دلَّ عليها الكتاب والسنة، أما الكتاب فالآية السابقة، وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم:(فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا). [انظر: مجموع الفتاوى (5/ 80)، و (5/ 71)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 851)، وشرح العقيدة الطحاوية (167)، وصفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف (116)].
(5)
معاني القرآن له (2/ 201).
والخلة أخص من مطلق المحبة، فهي أعلى مراتبها، وأكمل درجاتها
(1)
، ولذا فإن الخلة من الله تعالى لم تحصل إلا للخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأما محبته تعالى فهي لعموم المؤمنين، وعلى هذا فلا يلزم من نفي الخلة نفي المحبة، فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر الخلة، وأثبت له المحبة والمودة فقال:(ولكن أُخوة الإسلام ومودته).
قال ابن تيمية: "والخلة أخص من مطلق المحبة، فإن الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين يحبون الله ويحبهم الله، كما قال:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] الآية، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وقد أخبر الله أنه يحب المتقين، ويحب المقسطين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بحبه لغير واحد، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال للحسن وأسامة:(اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما)
(2)
، وقال له عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة) قال: فمن الرجال؟ قال: (أبوها)
(3)
، وقال:(والله إني لأحبكم)
(4)
.
والناس في حب الله يتفاوتون ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم،
(1)
انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة 9/ 129)، والشفاء (129)، والمفهم (6/ 242)، ومدارج السالكين (3/ 31 - 32)، وزاد المعاد (3/ 65)، وروضة المحبين (65)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 850)، وشرح العقيدة الطحاوية (164)، وفتح الباري (7/ 23)، والأنوار الكاشفة للمعلمي (170)، وتيسير الكريم الرحمن (2/ 178).
(2)
أخرجه البخاري (3/ 1366) ح (3528) من حديث أسامة بن زيد، وليس فيه:(وأحب من يحبهما).
(3)
متفق عليه: البخاري: (3/ 1339) ح (3462)، ومسلم:(15/ 162) ح (2384).
(4)
أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه: أحمد (21/ 436) ح (14043)، وابن حبان (10/ 172) ح (4329)، والحاكم (4/ 90) ح (6976)، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
إلى أدنى الناس درجة، مثل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وما بين هذين الحدَّين من الدرجات لا يحصيه إلا رب الأرض والسموات"
(1)
.
وقال ابن رجب: "قوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا) يدل على أن مقام الخلة أفضل من مقام المحبة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أبا بكر، وقد نفى عنه الخلة، والله تعالى يحب أنبياءه ورسله كلهم، ولم يخص بالخلة غير محمد وإبراهيم صلى الله عليهما"
(2)
.
* * *
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 567)، وانظر:(10/ 67)، والفتاوى الكبرى (2/ 394).
(2)
فتح الباري (3/ 381)، وانظر: القول المفيد (1/ 425).