الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق، وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه، ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتُوافق النصوص بعضها بعضًا، ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره"
(1)
، قال الله تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
وقال ابن كثير: "فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه، وحكَّم محكمه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس"
(2)
.
رابعًا: الوضوح والإشكال في النصوص من الأمور النسبية:
وصف الله تعالى القرآن بأنه نور مبين، وبيان للناس وفرقان، وأنه تبيان لكل شيء وهدىً ورحمةً، وشفاءً لما في الصدور، كما وصف نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه يهدي إلى صراط مستقيم، وأنه رحمةً للعالمين، وحجةً على الخلق أجمعين، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل من حيث الواقع، بحيث لا يمكن لأحد من الأمة معرفة معناه، وإنما الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي، يختلف به الناس بحسب ما عندهم من العلم والفهم، فما يكون مشكلًا عند شخص قد لا يكون كذلك
= له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد، رحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام، وسمع من سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح ومن في طبقتهما، وروى عنه البخاري ومسلم، عاد في آخر حياته إلى خراسان فاستوطن نيسابور وبها توفي سنة (238 هـ) وقيل: غير ذلك. [انظر: تاريخ بغداد (6/ 343)، ووفيات الأعيان (1/ 205)، والسير (11/ 358)، وتقريب التهذيب (1/ 78)، وشذرات الذهب (2/ 89)].
(1)
أعلام الموقعين (2/ 294)، وانظر: جامع البيان (3/ 186)، والجامع لأحكام القرآن (4/ 10)، ومجموع الفتاوى (17/ 306 - 307).
(2)
تفسير القرآن العظيم (1/ 517).
عند آخر، بل يكون عنده واضحًا جليًا
(1)
، وأما أن يكون في النصوص الشرعية ما لا يمكن لأحد من الأمة معرفة معناه فهذا غير موجود، حتى ما لا ندرك حقيقته وكيفيته فإننا نعرف معناه، ونفهم المراد بلفظه، كصفات الله تعالى وحقيقة ما في البرزخ والجنة والنار.
قال النووي: "يَبْعُدُ أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته"
(2)
.
وقال ابن تيمية: "والمقصود هنا: أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلامًا لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ
…
فإن معنى الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه وفهمه وتدبره، وهذا مما يجب القطع به"
(3)
.
وقال: "ويبين ذلك أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال: هذه من المتشابه الذي لا يُعلم معناه، ولا قال قَطُّ أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه"
(4)
.
وقال أيضًا: "وبالجملة: فالدلائل الكثيرة توجب القطع ببطلان قول من يقول: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره، نعم، قد
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (17/ 307)، وشرح الشيخ ابن عثيمين على لمعة الاعتقاد (33).
(2)
شرح النووي على مسلم (16/ 459).
(3)
مجموع الفتاوى (17/ 390).
(4)
المرجع السابق (13/ 285)، وانظر: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (98، 100).