المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون) - أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعا ودراسة

[سليمان بن محمد الدبيخي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف المشكل وبيان الفرق بينه وبين المختلف

- ‌أولًا: تعريف المشكل في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ -المشكل في اللغة:

- ‌ب - مشكل الحديث في اصطلاح المحدثين

- ‌ثانيًا: تعريف مختلف الحديث في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ- فالمختلف في اللغة:

- ‌ب - مختلف الحديث اصطلاحًا:

- ‌ثالثًا: الفرق بين مشكل الحديث ومختلف الحديث:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأشهر المؤلفات في مشكل الحديث

- ‌1 - كتاب (اختلاف الحديث) للإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

- ‌2 - كتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة رحمه الله تعالى:

- ‌3 - كتاب (مشكل الآثار)(5)للطحاوي رحمه الله تعالى:

- ‌4 - تأويل الأحاديث المشكلة(3)لأبي الحسن الطبري

- ‌5).5 -كتاب (مشكل الحديث وبيانه) لابن فورك(6)رحمه الله تعالى:

- ‌6 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي

- ‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق

- ‌المبحث الرابع: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه

- ‌فأولًا: معنى المحكم والمتشابه في اللغة وفي الاصطلاح:

- ‌المحكم في اللغة:

- ‌وأما المتشابه في اللغة:

- ‌ثانيًا: علاقة المشكل بالمتشابه:

- ‌ثالثًا: عمل السلف بهذه القاعدة:

- ‌رابعًا: الوضوح والإشكال في النصوص من الأمور النسبية:

- ‌خامسًا: هل صفات الله تعالى من قبيل المتشابه

- ‌سادسًا: أسباب استشكال النصوص، أو الاشتباه فيها:

- ‌المبحث الخامس: ترجمة موجزة للبخاري ومسلم عليهما رحمة الله

- ‌أولًا: الإمام البخاري رحمه الله تعالى:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ثانيًا: الإمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث السادس: مكانة الصحيحين عند الأمة

- ‌مآخذ بعض أهل العلم على هذين الكتابين:

- ‌الباب الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في الأسماء والصفات

- ‌التمهيدبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: (خلق الله آدم على صورته)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌وبيان فساده من وجوه:

- ‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)

- ‌المبحث الثاني: (وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المسألة الأولي: في معنى الإحصاء الوارد في الحديث:

- ‌المسألة الثانية: هل يمكن معرفة الأسماء الحسنى، التسعة والتسعين علي وجه التعيين

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الرابع: (فإن الله لا يمل حتى تملوا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: (مرضت فلم تعدني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث السادس: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌والفرق بين الصبر والحلم:

- ‌المبحث السابع: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مسألة: في بيان معنى قوله في الحديث السابق: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)

- ‌المبحث الثامن: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث التاسع: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث العاشر: (الرحم شجنة من الرحمن)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الحادي عشر: (فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌الفصل الثانى: الأحاديث المتوهم إشكالها في القدر

- ‌المبحث الأول: (حج آدم موسى)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: (خلق الله التربة يوم السبت)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الثالث: (لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثاني: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب النبوة

- ‌المبحث الأول: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: ما جاء في سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌ومن أدلة السنة على حقيقة السحر وأثره:

- ‌مناقشة أدلة النافين لحقيقة السحر، وتأثر النبي صلى الله عليه وسلم به:

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في إرسال الشهب على الشياطين

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الرابع: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل) مع قول أبي هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: حديث شريك في الإسراء

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث السادس: لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث السابع: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي) مع قوله: (لا يزال هذا الأمر في قريش

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثالث: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة والمعاد

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة

- ‌المبحث الأول: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين. . .)، مع قوله: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثاني: (إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في طواف الدجال بالبيت، مع ما ورد من أنه لا يدخل مكة ولا المدينة

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (لا تقوم الساعة حتى. . . يتقارب الزمان)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الخامس: (إذا ولدت الأمة ربها)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الفصل الثاني: الأحايث المتوهم إشكالها في المعاد

- ‌المبحث الأول: أحاديث الميزان، في ما الذي يوزن

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الاشكال

- ‌بيان وجه الاشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌إشكال وجوابه:

- ‌المبحث الثاني: (إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصوَّرون)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثالث: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌واستدل الجمهور على هذا القول بأدلة كثيرة، منها:

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (وإن ناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث السادس: ما جاء في سماع الأموات

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثانى: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ت

- ‌ج

- ‌ث

- ‌ ح

- ‌ د

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌س

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ ص

- ‌ ض

- ‌ع

- ‌ط

- ‌ظ

- ‌غ

- ‌ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ن

- ‌هـ

- ‌ؤ

الفصل: ‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)

‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)

جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن ناسًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هل تُضَارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ ) قالوا: لا يا رسول الله، قال:(هل تُضَارُّون في الشمس ليس دونها سحاب؟ ) قالوا: لا يا رسول الله، قال: (فإنكم ترونه كذلك، يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب الصراط

).

قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يَرُدُّ عليه من حديثه شيئًا، حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل:(ومثله معه)، قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: (ذلك لك ومثله معه)، قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ذلك لك وعشرة أمثاله)، قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولًا الجنة

(1)

.

(1)

متفق عليه: البخاري في مواضع: في كتاب الرقاق، باب: الصراط جسر جهنم =

ص: 165

وجاء معناه -أيضًا- في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناسًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نعم قال: هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوًا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوًا ليس فيها سحاب؟ ) قالوا: لا يا رسول الله (قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كلما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبقَ إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغُبَّرِ أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم أَلَا تَرِدُون، فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا، قال: فيشار إليهم أَلَا تَرِدُون، فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبقَ إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول:

= (5/ 2403) ح (6204)، وفي كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} (6/ 2704) ح (7000)، وفي كتاب صفة الصلاة، باب: فضل السجود (1/ 277) ح (773) لكن ليس فيه لفظ الصورة، ومسلم -واللفظ له- في كتاب الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية (3/ 21) ح (182).

ص: 166

هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة

(1)

، فقال: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم

)

(2)

.

وفي رواية للبخاري: (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة

)

(3)

.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما هذا الخبر -في الجملة- فهو متواتر عند أهل العلم بالحديث، ورواته -من التابعين وأتباعهم- من أجل الأمة قدرًا في العلم والدين، وهو معروف عن عدد من الصحابة"

(4)

.

وقال أيضًا: "هذان الحديثان من أصح الأحاديث"

(5)

.

وقال عن الحديث الأول: "فهذا الحديث من أصح حديث على وجه الأرض"

(6)

.

هذه الأحاديث تدل دلالةً واضحة على إثبات الصورة لله تعالى -كما

(1)

قوله: (وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة) ليس في البخاري.

(2)

متفق عليه: البخاري في مواضع: في كتاب التفسير، باب:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (4/ 1671) ح (4305)، وفي كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} (6/ 2706) ح (7001).

ومسلم واللفظ له: كتاب الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية (3/ 30) ح (183).

(3)

صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} (6/ 2706) ح (7001).

(4)

بيان تلبيس الجهمية، القسم السابع، تحقيق د/ محمد البريدي (1/ 73).

(5)

مجموع الفتاوى (6/ 432).

(6)

مجموع الفتاوى (6/ 493).

ص: 167

تقدم في المطلب الثالث -والغرض من سياقها هنا هو بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون) وأنه على ظاهره، فهو يدل على أنهم رأوه رؤية متقدمة على هذه الرؤية في غير هذه الصورة، وقد جاء هذا المفهوم صريحًا في رواية البخاري:(فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة).

كما تدل هذه الأحاديث على أن الله تعالى هو نفسه الذي يتحول من صورة إلى صورة، كما هو صريح رواية مسلم:(وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة).

وتدل -أيضًا- على أن رؤية المؤمنين لربهم تتكرر في ذلك الموقف

(1)

، وأن الله تعالى أتاهم ثلاث مرات في صور متغايرة:

(1)

كما أنهم يرونه بعد ذلك في الجنة -على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة- لكن هذه الرؤية تختلف عن رؤيته تعالى في الموقف، لأن رؤية الجنة رؤية لذة ونعيم فهي أعلى مراتب نعيم الجنة، وغاية مطلوب المؤمنين، بخلاف رؤيته في عرصات القيامة فإنها ليست من النعيم والثواب. [انظر: التوحيد لابن خزيمة (2/ 420)، وبيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (1/ 122)، ومجموع الفتاوى (6/ 485)].

وهل الرؤية في عرصات القيامة عامةً، فيراه أهل الموقف كلهم بما في ذلك الكفار؟ في هذا اختلف أهل العلم على ثلاثة أقوال:

الأول: أن الكفار لا يرون ربهم بحال لا المظهر للكفر ولا المسر له، وهذا قول أكثر العلماء المتأخرين وعليه يدل عموم كلام المتقدمين، وعليه جمهور أصحاب الإمام أحمد وغيرهم.

والثاني: أنه يراه من أظهر التوحيد من مؤمني هذه الأمة ومنافقيها، وغبرات من أهل الكتاب، وذلك في عرصة القيامة، ثم يحتجب عن المنافقين فلا يرونه بعد ذلك، وهذا قول أبي بكر بن خزيمة من أهل السنة، وذكر نحوه القاضي أبو يعلى.

والثالث: أن جميع الخلائق يرون ربهم في عرصات القيامة بما في ذلك الكفار، وذلك في أول الأمر، وتكون رؤية الكفار لربهم رؤية تعريف وتعذيب -كاللص إذا رأى السلطان- ثم يحتجب الله عنهم ليعظم عذابهم ويشتد عقابهم، ثم يراه =

ص: 168

الأولى: وهي التي عرفوه فيها، ويدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم في الروايات المتقدمة: (

التي رأوه فيها أول مرة)، وكذا قوله:(فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون)، فإن هذه المعرفة تدل على رؤية متقدمة على هذه الرؤية في غير هذه الصورة.

= المسلمون بمن معهم من المنافقين، ثم بعد ذلك يتميز المؤمنون، وهم الذين يرونه رؤية تنعم، وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما رحمة الله. [انظر: هذه الأقوال وأدلتها في: مجموع الفتاوى (6/ 487)، وما بعدها، و (6/ 466)، وبيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (1/ 122 - 123)، و (1/ 109)، وما بعدها، وحادي الأرواح (363 - 364)، والتوحيد لابن خزيمة (2/ 429 - 433)].

وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -وهو ممن يرجح القول الثالث- إلى أمور تجب مراعاتها في هذه المسألة وهي:

1 -

أن الرؤية أنواع متباينة تباينًا عظيمًا لا يكاد ينضبط طرفاها، وبناءً عليه، فإن هذا النوع من الرؤية الذي هو عام للخلائق كلهم، قد يكون ضعيفًا، فلا يكون من جنس الرؤية التي يختص بها المؤمنون.

2 -

أنه ليس لأحد أن يطلق القول: بأن الكفار يرون ربهم من غير تقييد، وذلك لأمرين:

أحدهما: أن الرؤية المطلقة قد صار يفهم منها الكرامة والثواب، وفي إطلاقها على الكفار إيهام وإيحاش، وليس لأحد أن يطلق لفظًا يوهم خلاف الحق، إلا أن يكون مأثورًا عن السلف، وهذا اللفظ ليس مأثورًا.

والثاني: أن الحكم إذا كان عامًا، وفي تخصيص بعضه باللفظ خروج عن القول الجميل فإنه يمنع من التخصيص، فإن الله خالق كل شيء ومريد لكل حادث، ومع هذا يمنع الإنسان أن يخص ما يستقذر من المخلوقات، وما يستقبحه الشرع من الحوادث، بأن يقول على الانفراد: يا خالق الكلاب، ويا مريدًا للزنا، ونحو ذلك. [انظر: مجموع الفتاوى (6/ 503 - 504)].

3 -

أن الخلاف في هذه المسألة لا يوجب نزاعًا أو فرقة أو مقاطعةً، لأنها مسألة خفيفة، فليست هي من المهمات التي ينبغي كثرة الحديث عنها، ومفاتحة عوام المسلمين فيها، مما قد يوجب تفرق القلوب وتشتت الأهواء، بخلاف اعتقاد رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، فإن هذا فرض واجب لازم كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة. [انظر: مجموع الفتاوى (6/ 458، 502، 504)].

ص: 169

الثانية: وهي التي جاءهم فيها في غير صورته التي رأوه فيها أول مرة

(1)

، وهي المرادة بقوله صلى الله عليه وسلم:(فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون)، وقد أنكروا هذه الصورة لأنها مغايرة للصورة الأولى، فهي أدنى منها كما في رواية:(أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها)، وقد فعل الله تعالى ذلك امتحانًا لهم، فلما أنكروه عرَّفهم نفسه بالآية التي يعرفون، وهي الساق، فإنه لما كشفه خَرُّوا له سجدًا.

وأما الثالثة: فهي التي تحول فيها من الصورة السابقة إلى الصورة التي رأوه فيها أول مرة، وذلك حال سجودهم كما في رواية مسلم:(فيرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة)، وهي المرادة بقوله صلى الله عليه وسلم -في حديث أبي هريرة-: (فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون

).

وقد ذهب بعض أهل العلم والحديث كأبي عاصم النبيل

(2)

، والدارمي

(3)

، عليهما رحمة الله إلى تأويل هذا الحديث وصرفه عن ظاهره:

(1)

وجاء عند ابن خزيمة (1/ 215 - 216) ح (123) ما يدل على أن هذه الرؤية تكون مرتين متتاليتين.

(2)

هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم، الإمام الحافظ، شيخ المحدثين الأثبات، كان واسع العلم، ولم يُرَ في يده كتاب قط، حدَّث عن جماعة من التابعين، وحدث عنه خلق كثير، منهم البخاري رحمه الله، وهو أجل شيوخه وأكبرهم، توفي رحمه الله سنة اثنتي عشرة ومائتين (212)، وقيل غير ذلك. [انظر: السير (9/ 480)، والعبر (1/ 285)، وتذكرة الحفاظ (1/ 366)، وتقريب التهذيب (1/ 444)، وشذرات الذهب (2/ 28)].

(3)

هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني، الحافظ الإمام الحجة صاحب التصانيف، أكثر من الترحال والتطواف في طلب الحديث، أخذ علم الحديث وعلله على علي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وفاق أهل زمانه وكان لهاجًا بالسنة بصيرًا بالمناظرة جذعًا في أعين المبتدعة، توفي رحمه الله سنة (280 هـ) له مصنفات منها: النقض على المريسي، وكتاب الرد على الجهمية. [انظر: تذكرة الحفاظ (2/ 621)، والسير (13/ 319)، وشذرات الذهب (2/ 176)] ..

ص: 170

فقد حُكي عن أبي عاصم أنه قال: "ذلك تغيّر يقع في عيون الرائين، كنحو ما يتخيل إلى الإنسان الشيء بخلاف ما هو به، فيتوهم الشيء على الحقيقة"

(1)

.

وقال الدارمي في رده على المريسي حين أنكر هذا الحديث واعترض عليه -مدعيًا أنه يتضمن شك المؤمنين في معبودهم؛ لأنهم يقولون: (نعوذ بالله منك)، وذلك إذا أتاهم في صورة غير صورته التي يعرفون-: "ويلك إن هذا ليس بشك وارتياب منهم، ولو أن الله تجلى لهم أول مرة في صورته التي عرفهم صفاتها في الدنيا، لاعترفوا بما عرفوا، ولم ينفروا، ولكنه يري نفسه في أعينهم، لقدرته ولطف ربوبيته في صورة غير ما عرفهم الله صفاتها في الدنيا، ليمتحن بذلك إيمانهم ثانية في الآخرة كما امتحن في الدنيا، ليثبتهم أنهم لا يعترفون بالعبودية في الدنيا والآخرة إلا للمعبود الذي عرفوه في الدنيا بصفاته التي أخبرهم بها في كتابه، واستشعرتها قلوبهم حتى ماتوا على ذلك، فإذا مثل في أعينهم غير ما عرفوا من الصفة نفروا وأنكروا، إيمانًا منهم بصفة ربوبيته التي امتحن قلوبهم في الدنيا، فلما رأى أنهم لا يعرفون إلا التي امتحن الله قلوبهم، تجلى لهم في الصورة التي عرفهم في الدنيا فآمنوا به وصدقوا، وماتوا، ونشروا عليه

(2)

، من غير أن يتحول الله من صورة إلى صورة، ولكن يمثل ذلك في أعينهم بقدرته، فليس هذا أيها المريسي بشك منهم في معبودهم، بل هو زيادة يقين وإيمان به مرتين

ويلك إن الله لا تتغير صورته ولا تتبدل، ولكن يمثل في أعينهم يومئذ، أولم تقرأ كتاب الله:{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: 44]، وهو

(1)

إبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى (1/ 153)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (1/ 191).

(2)

في النسخة التى اعتمدها المحقق أصلًا: "وبشروا عليه"، وما أثبته أوضح، وهو موجود في بقية النسخ كما ذكر المحقق.

ص: 171

الفعال لما يشاء، كما مثل جبريل عليه السلام مع عظم صورته وجلالة خلقه في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة دحية الكلبي، وكما مثله لمريم بشرًا سويًا، وهو ملك كريم في صورة الملائكة، وكما شبه في أعين اليهود أن قالوا:{إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ} ، فقال:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] "

(1)

.

ولا ريب أن هذا تأويل باطل مخالف لظاهر هذه النصوص، ويتضح بطلانه من عدة وجوه:

الوجه الأول: أن في حديث أبي سعيد المتقدم (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة)، وفي لفظ:(في أدنى صورة من التي رأوه فيها)، وهذا يفسر قوله في حديث أبي هريرة (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)، ويبين أن تلك المعرفة كانت لرؤية منهم في صورة غير الصورة التي أنكروه فيها.

وما ذهب إليه الدارمي من جعل صورته التي يعرفون، هي التي عرَّفهم صفاتها في الدنيا، فغير صحيح، لأنه أخبر أنها الصورة التي رأوه فيها أول مرة، لا أنهم عرفوها بالنعت في الدنيا، ولفظ الرؤية صريح في ذلك.

الوجه الثاني: أنهم لا يعرفون في الدنيا لله صورة معينة، ولم يروه في الدنيا في صورة، فإن ما وصف الله تعالى به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يوجب لهم صورة يعرفونها، وقد قال الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

ولو كانوا أرادوا الصفات المخبر بها في الدنيا لذكروا ذلك، فعلم أنهم لم يطيقوا وصف الصورة التي رأوه فيها أول مرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في سدرة المنتهى:(فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرَتْ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها)، رواه مسلم

(2)

.

(1)

نقض الإمام أبي سعيد على المريسي الجهمي العنيد (1/ 386 - 391).

(2)

من حديث أنس رضي الله عنه، صحيح مسلم (2/ 567) ح (162).

ص: 172

فالله أعظم من أن يستطيع أحد أن ينعت صورته، وهو سبحانه وصف نفسه لعباده بقدر ما تحتمله أفهامهم، ومعلوم أن قدرتهم على معرفة الجنة بالصفات -التي ذكرها الله ورسوله- أيسر، ومع هذا فقد قال صلى الله عليه وسلم:(قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، متفق عليه

(1)

. فالخالق أولى أن يكونوا لا يطيقون معرفة صفاته كلها.

الوجه الثالث: أن في حديث أبي سعيد -المتقدم-: (فيرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة)، وهذا نص صحيح صريح في أن الذي يتحول هو الله نفسه، لا أنه تغير في عيون الرائين، كما في هذا التأويل.

وقول الدارمي: "من غير أن يتحول من صورة إلى صورة، ولكن يمثل ذلك في أعينهم" مخالف لهذا النص.

الوجه الرابع: أنه في عدة أحاديث، كحديث أبي سعيد قال:(هل بينكم وبينه علامة؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساقه فيسجدون له).

وهذا يبين أنهم لم يعرفوه بالصفة التي وصف لهم في الدنيا، بل بآية وعلامة عرفوها بالموقف.

الوجه الخامس: أن تمثيل الدارمي بقوله: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157] لا يناسب تشبيهه بمجيء جبريل في صورة دحية والبشر، وذلك أن اليهود غلطوا في الذي رأوه، فلم يكن هو المسيح ولكن ألقي شبهه عليه، والذي رأته مريم، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو جبريل نفسه ولكن في صورة آدمي، فكيف يقاس ما رُئي هو نفسه في صورة على ما لم يُر هو، وإنما ألقى شبهه على غيره.

الوجه السادس: أن هذا المعنى -وهو التمثيل- إذا قصد كان مقيدًا

(1)

البخاري (3/ 1185) ح (3072)، ومسلم (17/ 171) ح (2824).

ص: 173

بالرائي لا بالمرئي مثل قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا} [الأنفال: 44]، فقيد ذلك بأعين الرائين، ويقال: كان هذا في عين فلان رجلًا فظهر امرأةً، وكان كبيرًا فظهر صغيرًا، ونحو ذلك، ولا يقال: جاء فلان في صورة كذا، ثم تحول في صورة كذا، ويكون التصوير في عين الرائي فقط، هذا لا يقال في مثل هذا أصلًا

(1)

.

* * *

(1)

انظر: بيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (1/ 198 - 202)، وإبطال التأويلات لأبي يعلى (1/ 153).

ص: 174