المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الترجيح - أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعا ودراسة

[سليمان بن محمد الدبيخي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف المشكل وبيان الفرق بينه وبين المختلف

- ‌أولًا: تعريف المشكل في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ -المشكل في اللغة:

- ‌ب - مشكل الحديث في اصطلاح المحدثين

- ‌ثانيًا: تعريف مختلف الحديث في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ- فالمختلف في اللغة:

- ‌ب - مختلف الحديث اصطلاحًا:

- ‌ثالثًا: الفرق بين مشكل الحديث ومختلف الحديث:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأشهر المؤلفات في مشكل الحديث

- ‌1 - كتاب (اختلاف الحديث) للإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

- ‌2 - كتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة رحمه الله تعالى:

- ‌3 - كتاب (مشكل الآثار)(5)للطحاوي رحمه الله تعالى:

- ‌4 - تأويل الأحاديث المشكلة(3)لأبي الحسن الطبري

- ‌5).5 -كتاب (مشكل الحديث وبيانه) لابن فورك(6)رحمه الله تعالى:

- ‌6 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي

- ‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق

- ‌المبحث الرابع: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه

- ‌فأولًا: معنى المحكم والمتشابه في اللغة وفي الاصطلاح:

- ‌المحكم في اللغة:

- ‌وأما المتشابه في اللغة:

- ‌ثانيًا: علاقة المشكل بالمتشابه:

- ‌ثالثًا: عمل السلف بهذه القاعدة:

- ‌رابعًا: الوضوح والإشكال في النصوص من الأمور النسبية:

- ‌خامسًا: هل صفات الله تعالى من قبيل المتشابه

- ‌سادسًا: أسباب استشكال النصوص، أو الاشتباه فيها:

- ‌المبحث الخامس: ترجمة موجزة للبخاري ومسلم عليهما رحمة الله

- ‌أولًا: الإمام البخاري رحمه الله تعالى:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ثانيًا: الإمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث السادس: مكانة الصحيحين عند الأمة

- ‌مآخذ بعض أهل العلم على هذين الكتابين:

- ‌الباب الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في الأسماء والصفات

- ‌التمهيدبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: (خلق الله آدم على صورته)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌وبيان فساده من وجوه:

- ‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)

- ‌المبحث الثاني: (وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المسألة الأولي: في معنى الإحصاء الوارد في الحديث:

- ‌المسألة الثانية: هل يمكن معرفة الأسماء الحسنى، التسعة والتسعين علي وجه التعيين

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الرابع: (فإن الله لا يمل حتى تملوا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: (مرضت فلم تعدني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث السادس: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌والفرق بين الصبر والحلم:

- ‌المبحث السابع: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مسألة: في بيان معنى قوله في الحديث السابق: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)

- ‌المبحث الثامن: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث التاسع: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث العاشر: (الرحم شجنة من الرحمن)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الحادي عشر: (فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌الفصل الثانى: الأحاديث المتوهم إشكالها في القدر

- ‌المبحث الأول: (حج آدم موسى)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: (خلق الله التربة يوم السبت)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الثالث: (لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثاني: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب النبوة

- ‌المبحث الأول: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: ما جاء في سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌ومن أدلة السنة على حقيقة السحر وأثره:

- ‌مناقشة أدلة النافين لحقيقة السحر، وتأثر النبي صلى الله عليه وسلم به:

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في إرسال الشهب على الشياطين

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الرابع: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل) مع قول أبي هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: حديث شريك في الإسراء

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث السادس: لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث السابع: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي) مع قوله: (لا يزال هذا الأمر في قريش

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثالث: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة والمعاد

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة

- ‌المبحث الأول: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين. . .)، مع قوله: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثاني: (إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في طواف الدجال بالبيت، مع ما ورد من أنه لا يدخل مكة ولا المدينة

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (لا تقوم الساعة حتى. . . يتقارب الزمان)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الخامس: (إذا ولدت الأمة ربها)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الفصل الثاني: الأحايث المتوهم إشكالها في المعاد

- ‌المبحث الأول: أحاديث الميزان، في ما الذي يوزن

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الاشكال

- ‌بيان وجه الاشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌إشكال وجوابه:

- ‌المبحث الثاني: (إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصوَّرون)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثالث: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌واستدل الجمهور على هذا القول بأدلة كثيرة، منها:

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (وإن ناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث السادس: ما جاء في سماع الأموات

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثانى: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ت

- ‌ج

- ‌ث

- ‌ ح

- ‌ د

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌س

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ ص

- ‌ ض

- ‌ع

- ‌ط

- ‌ظ

- ‌غ

- ‌ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ن

- ‌هـ

- ‌ؤ

الفصل: ‌المطلب الثالث: الترجيح

‌المطلب الثالث: الترجيح

لا ريب أن المسلك الأول هو المسلك الجاري على قواعد أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وذلك بحمل الحديث على ظاهره، وإثبات التردد صفة لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.

ومن أوَّل الحديث معتقدًا تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، فقد أساء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي وصفه بذلك، وهو أعلم الناس بربه، كما أنه ليس أحد أفصح لسانًا ولا أحسن بيانًا ولا أنصح للأمة منه، عليه الصلاة والسلام، فيجب أن يصان كلامه عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة

(1)

.

فإذا كان تردد المخلوق معناه: "التوقف عن الجزم بأحد الطرفين"

(2)

، فإن هذا المعنى لا يدل عليه الحديث، لأن الحديث صريح في الجزم بأحد الطرفين، حيث قال:(وما ترددت في شيء أنا فاعله) أي: سأفعله ولا بد، لأنه تعالى قد قضى على عباده بالموت، فقال:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، يؤيد ذلك أنه قد جاء في بعض طرق الحديث، بعد قوله:(يكره الموت، وأكره مساءته) زيادة: (ولا بد له منه)

(3)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (18/ 129).

(2)

قطر الولي (488).

(3)

جاءت هذه الزيادة في طريق أنس رضي الله عنه. وأشار الحافظ في الفتح (11/ 346) إلى أنها جاءت من طريق: "ابن مخلد عن ابن كرامة" يريد محمد بن مخلد -، [انظر: ترجمته في تهذيب الكمال (26/ 97)]- وهو في إسناد أنس رضي الله عنه، كما في حلية الأولياء (8/ 318)، وهو غير خالد بن مخلد الذي روى عنه ابن كرامة هذا =

ص: 263

فتردد الله تعالى ليس منشأه عدم الجزم بأحد الطرفين، أو عدم العلم بعواقب الأمور، وإنما هو تردد مفسر في الحديث نفسه، حيث قال:(يكره الموت، وأكره مساءته) فهذا هو حقيقة تردده سبحانه، وهو كون الفعل مرادًا لله تعالى من وجه، ومكروهًا له من وجه، فهو يريد الموت لعبده، لأنه قد قضى به عليه، ولا بد له منه، ومع ذلك فهو يكرهه لأنه يكره ما يكرهه عبده، ولذلك قال:(وأنا أكره مساءته).

وهذا المعنى للتردد يحصل من المخلوق أيضًا، فالمريض مثلًا يريد الدواء الكريه لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، المتمثلة في كونه كريهًا، سواء في طعمه أو رائحته أو غير ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الواحد منا يتردد تارةً لعدم العلم بالعواقب، وتارةً لما في الفعلين من المصالح والمفاسد فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ويكرهه لما فيه من المفسدة لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه كما قيل:

الشيب كره وكره أن أفارقه

فأعجب لشيء على البغضاء محبوب

(1)

وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح:(حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره)

(2)

،

= الحديث في البخاري، وعزا ابن تيمية الحديث بهذه الزيادة إلى البخاري في أكثر من موضع، [انظر: مجموع الفتاوى (2/ 371، 390، 225)، و (17/ 134)] وكذا ابن القيم في الجواب الكافي (315) لكن هذه الزيادة ليست في رواية البخاري، فلعلهما أرادا أصل الحديث، والله أعلم.

(1)

هذا البيت لبشار بن برد، انظر: ديوانه (440) لكن فيه اختلاف يسير عما ذكره ابن تيمية، فهو في ديوانه هكذا:

الشيب كره وكره أن يفارقني

أَعجِب بشيء على البغضاء مودود

(2)

متفق عليه، من حديث أبي هريرة: البخاري (5/ 2375) ح (6122)، ومسلم واللفظ له (17/ 171) ح (2822).

ص: 264

وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث فإنه قال: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبًا للحق، محبًا له، يتقرب إليه أولًا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه، والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادًا للحق من وجه، مكروهًا له من وجه، وهذا حقيقة التردد وهو: أن يكون الشيء الواحد مرادًا من وجه، مكروهًا من وجه، وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته

والمقصود هنا: التنبيه على أن الشيء المعين يكون محبوبًا من وجه، مكروهًا من وجه، وأن هذا حقيقة التردد، وكما أن هذا في الأفعال فهو في الأشخاص، والله أعلم"

(1)

.

وأما المسلك الثاني فيكفي في بيان بطلانه، أنه صرف للحديث عن ظاهره من غير قرينة توجب ذلك.

ثم إن ما بنوا عليه مذهبهم هذا وهو كون التردد بمعنى: التوقف عن

(1)

مجموع الفتاوى (18/ 129 - 135)، وانظر:(10/ 58)، وفتح الباري لابن رجب (2/ 356).

ص: 265

الجزم بأحد الطرفين، لعدم العلم بالعاقبة، تقدم بيان أنه غير لازم من معناه، إذ قد يكون التردد لكون الشيء المعين مرادًا من وجه، ومكروهًا من وجه آخر، وهذا هو حقيقة تردده سبحانه -كما تقدم- فهو يريد الموت لكونه قضى به على الخلق كلهم، ويكرهه لكراهة عبده له، مع أنه سبحانه قد قطع بأحد الأمرين، وهو الموت، وهو سبحانه يعلم عاقبة كل منهما، فهو يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

ومع بطلان هذا المسلك من أساسه، فإن ما ذكر فيه من تأويلات، بعيدة جدًا عن ظاهر الحديث، وقد تتبع بعضها الشوكاني رحمه الله في كتابه (قطر الولي) وبيَّن بطلانها:

1 -

أما التأويل الأول -وهو ما ذهب إليه الخطابي وغيره- وهو حمل التردد على معنى كون العبد يمرض حتى يشرف على الهلاك، فيدعو الله تعالى فيشفيه.

فقد قال عنه الشوكاني: "ما أبرد هذا التأويل وأسمجه وأقل فائدته، فإن صدور الشفاء من الله عز وجل لذلك الذي أصابه الداء فشفاه منه، ليس من التردد في شيء، بل هو أمر واحد وجزم لا تردد فيه قط.

وكذلك إنزال المرض به جزم لا تردد فيه، فهما قضاء بعد قضاء، وقدر بعد قدر، وإن كانا باعتبار شخص واحد، فهما مختلفان متغايران لم يتحدا ذاتًا ولا وقتًا ولا زمانًا، ولا صفةً، بل قضى الله على عبده بالمرض ثم شفاه منه.

فأي مدخل للتردد، أو لما يشابه التردد، أو لما يصح أن يُؤول به التردد في مثل هذا"

(1)

.

2 -

وأما التأويل الثاني للخطابي -أيضًا- وهو حمل التردد على ترديد الملائكة في قبض روح المؤمن، كما حصل في قصة موسى وملك الموت عليه السلام.

(1)

قطر الولي (489).

ص: 266

فقد قال الشوكاني عنه: "جعل التردد الذي معناه: التوقف عن الجزم بأحد الطرفين بمعنى: الترديد الذي هو الرد مرةً بعد مرةً، وهما مختلفان مفهومًا وصدقًا، فحاصله: إخراج التردد عن معناه اللغوي إلى معنى لا يلاقيه ولا يلابسه بوجه من الوجوه، فليس هذا من التأويل في شيء"

(1)

.

3 -

وأما التأويل الثالث -وهو ما احتمله ابن الجوزي وغيره- وهو حمل التردد على معنى: أن يكون للمؤمن تركيب معين، يحتمل عمرًا معينًا -كخمسين سنةً مثلًا- هو أنقص من عمره وأجله المكتوب له -كأن يكون سبعين سنةً مثلًا- فإذا بلغ قدر هذا التركيب ومرض، دعا الله تعالى بالعافية، فشفاه وبلغه أجله المكتوب له.

فقد قال الشوكاني عنه: "هذا التأويل لم يأتِ بفائدة قط، فإن العمر الذي هو السبعون لا بد أن يبلغه العبد على اعتقاد هذا القائل، سواء كان التركيب محتملًا لذلك أم لا، وسواء مرض عند انتهاء عمره إلى خمسين أولم يمرض، وسواء دعا الله بالعافية أولم يدعُ، فإنه لا بد أن يبلغ السبعين، وغاية ما هناك أن الله رحمه ولطف به، فشفاه من مرضه الذي عرض له وهو في خمسين سنةً، فأي شيء هذا وما الجامع بينه وبين التردد المذكور في الحديث"

(2)

.

4 -

وأما ما ذهب إليه الشوكاني من أن معنى التردد: انتظار ما يأتي به العبد، مما يقتضي تأخير أجله، من دعاءٍ أو صدقة أو صلة رحم، فإن أتى به فَسَح له في عمره، وأخر له في أجله، وإلا مات بأجله الأول.

فإنه غير وجيه لأن التردد الوارد في الحديث ليس فيه ما يشعر بالانتظار، بل فيه عزم وجزم بإرادة الموت للعبد، ولذلك قال:(ما ترددت في شيء أنا فاعله).

(1)

قطر الولي (490).

(2)

قطر الولي (492).

ص: 267