الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي
(1)
:
ألف ابن الجوزي هذا الكتاب لشرح ما استُشكِل من حديث الصحيحين، معتمدًا فيهما على كتاب (الجمع بين الصحيحين) للحميدي، والذي رتبه مؤلفه على المسانيد، ممَّا جعل ابن الجوزي يسلك سبيله في هذا الترتيب، فجاء كتاب ابن الجوزي مرتبًا على المسانيد، لا على الأبواب الفقهية، وهذا ما جعل الاستفادة منه صعبة وشاقة.
وقد أشار في مقدمة كتابه إلى السبب المباشر الذي حرَّك همته لتأليف هذا الكتاب، وهو أن سائلًا سأله ذلك، قال:"فأنعمت له، وظننت الأمر سهلًا، فإذا نيل سُهَيْلٍ أسهل"، لكن هذا الأمر لم يكن ليثني إرادته أو يوهن من عزيمته، يقول: "فلما رأيت طرق شرحه شاسعة، شمرت عن ساق الجَدِّ، مستعينًا بالله عز وجل
…
"
(2)
.
كما أشار إلى أنه سيُعنى بكشف الإشكال المعنوي، لكون الحاجة إليه أمس، والعناية به أجدر وأحق، خاصةً وأن الحميدي قد ألف كتابًا في شرح غريب مفردات أحاديث الصحيحين فسدَّ هذه الثغرة
(3)
.
(1)
هو الإمام العلامة الحافظ المفسر، عالم العراق وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم: أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله، ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أكثر من التصنيف في أنواع العلوم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والتاريخ وغيرها، توفي رحمه الله سنة (597 هـ)، ومن مصنفاته: كشف المشكل من حديث الصحيحين، وزاد المسير في علم التفسير، وتلبيس إبليس. [انظر: وفيات الأعيان (3/ 116)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1342)، وشذرات الذهب (4/ 329)].
(2)
كشف المشكل (1/ 6).
(3)
انظر: كشف المشكل (1/ 6)، وكتاب الإمام الحميدي مطبوع متداول، وعنوانه:"تفسير غريب ما في الصحيحين".
ومما تميز به هذا الكتاب عن الكتب السابقة أنه خاص بالصحيحين، فلم يُدْخِلْ فيه حديثًا ليس فيهما أو في أحدهما.
كما تميز بأنه لم يقتصر على فنٍّ معين، بل تنوعت مسائله وأحاديثه لتشمل فنونًا متعددة، وقد نال الفقه منها بحظ وافر.
وامتاز أيضًا بشرح الألفاظ الغريبة، مع العناية بضبط اللفظة، وذكر تصاريفها واشتقاقاتها، وبيان دلالتها مع الاستشهاد على ذلك من أقوال أئمة اللغة، وأشعار العرب
(1)
.
كما امتاز أيضًا باحتوائه على جملة كبيرة من المسائل الفقهية، مع عرضٍ لأقوال الفقهاء فيها ناسبًا كلَّ قول إلى قائله غالبًا
(2)
.
وأما المآخذ على هذا الكتاب فهي كما يلي:
1 -
أنه لم يستوعب جميع المشكل، خاصة ما يتعلق منه بالعقيدة، حيث لم يذكر منه إلا شيئًا قليلًا بالنسبة لما ترك، وقد يكون رأيه فيه مرجوحًا، لا سيَّما إذا كان الإشكال متعلقًا بأسماء الله تعالى وصفاته، وفي المقابل قد يذكر فيه ما ليس بمشكل، ولذا قام بعض العلماء باختصار الكتاب، وقال:"رأيته يذكر فيه شيئًا من الأحاديث غير مشكل، أو مشكلًا ولا يأتي فيه بشيء شافٍ"
(3)
.
2 -
أنه اضطرب في صفات الله تعالى بين النفي والإثبات، وخاصة الصفات الخبرية فإنه كثيرًا ما يؤولها
(4)
.
3 -
أنه لم يخصه في المشكل، ولذا فإنه قد يورد الحديث لا لإشكال
(1)
انظر: مقدمة الكتاب (1/ 16).
(2)
انظر: مقدمة الكتاب (24 - 26).
(3)
انظر: كشف الظنون (2/ 1495).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 169)، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (1/ 414)، وابن الجوزي بين التأويل والتفويض للدكتور أحمد عطية الزهراني (154 - 155)، ومقدمة كتاب كشف المشكل للدكتور علي البواب (1/ 12، 47).
فيه -كما تقدم-، وإنما ليستخرج منه فائدة معينة
(1)
، وقد يذكر الحديث ليوضح فيه معنى كلمةٍ غريبة فقط، ومن أمثلة ذلك:
قال في مسند عبادة بن الصامت: "وفي الحديث الثاني: (من تعارَّ من الليل) يعني استيقظ"
(2)
.
وفي مسند أُبي بن كعب قال: "وفي الحديث الرابع: (لو اشتريت حمارًا تركبه في الرمضاء) يعني: الحر"
(3)
.
وقال في مسند أبي سعيد الخدري: "وفي الحديث الثاني عشر: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة) المدى الغاية"
(4)
.
ففي هذه الأحاديث لم يذكر فيها غير ما نقلت، ومثلها كثير
(5)
.
4 -
جرأته رحمه الله في ردِّ الروايات -إذا خالفت مذهبه ومعتقده-، واتهامه المحدثين بالغلط في الرواية أو التصرف، أو النقل بالمعنى، دون استناد إلى دليل أو برهان، وإليك مثالًا على ذلك:
قال بعد تأويله لصفة القدم لله عز وجل: "فإن قيل: كيف يصح هذا التأويل وسيأتي في حديث أبي هريرة: (يضع فيها رجله)؟ فالجواب: أن هذا من تحريف بعض الرواة، لأنه ظنَّ أن القدم هي الرجل، فروى بالمعنى الذي يظنه"
(6)
.
ولعل هذا نابع من تلك القاعدة التي ذكرها أثناء اتهامه بعض الرواة بأنهم عبَّروا بالمعنى، ولم يفهموا المقصود، مما أوقع الإشكال في كثير من
(1)
انظر: مقدمة الكتاب (1/ 15 - 16).
(2)
كشف المشكل (2/ 81).
(3)
كشف المشكل (2/ 70).
(4)
كشف المشكل (3/ 161).
(5)
انظر: مقدمة الكتاب للدكتور علي البواب (1/ 18).
(6)
كشف المشكل (3/ 245)، وانظر: مقدمة الكتاب (1/ 47 - 48).
الأحاديث، حيث قال:"فمتى سمعت حديثًا فيه نوع خلل فانسُب ذلك إلى الرواة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم منزَّه عن ذلك"
(1)
.
قلت: لا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن الخلل في حديثه، ولكن لماذا لا يتهم الإنسان رأيه وفهمه واجتهاده قبل اتهام النقلة العدول الثقاة، أهل الضبط والإتقان والتحري والتثبت؟ ! فإن الإنسان كثيرًا ما يؤتى من قبل رأيه وفهمه واجتهاده، فيستشكل ما ليس بمشكل، كما وقع لابن الجوزي هنا في صفة القدم والرجل، والله تعالى أعلم.
* * *
(1)
كشف المشكل (3/ 70).