الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: مكانة الصحيحين عند الأمة
لقد حظي الصحيحان باهتمام بالغ وعناية فائقة من أهل العلم لم تحصل لغيرهما من كتب السنة، كما هو واضح من كثرة المؤلفات التي ألفت عليهما من شروحات ومستخرجات ومستدركات، وتعاليق وملخصات
…
ولا عجب من ذلك فهما أول الكتب المؤلفة في الصحيح المجرد، كما أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، ولذلك فقد تلقتهما الأمة بالرضى والقبول، وتواردت أقوال أهل العلم في الثناء عليهما وإعظام شأنهما وبيان منزلتهما، وإليك بعض أقوالهم في ذلك:
قال ابن الصلاح: "أول من صنف الصحيح: البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري
…
وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز"
(1)
.
وقال النووي: "أول مُصَنَّف في الصحيح المجرد: صحيح البخاري ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن"
(2)
.
وقال أيضًا: "اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان: البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول"
(3)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ومسلم"
(4)
.
(1)
مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (19 - 20).
(2)
التقريب مطبوع مع شرحه تدريب الرواي (1/ 70، 73).
(3)
مسلم بشرح النووي (1/ 120).
(4)
مجموع الفتاوى (20/ 321).
وقال أيضًا: "ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن وما جمع بينهما"
(1)
.
وقال ابن كثير عن هذين الكتابين: "هما أصح كتب الحديث"
(2)
.
وقال ابن أبي العز: "الصحيحان اللذان جمعهما البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفة، هذا الذي عليه أئمة الإسلام"
(3)
.
وقال السخاوي: "وبالجملة فكتاباهما أصح كتب الحديث"
(4)
.
وقال العيني
(5)
: "اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم"
(6)
.
ومما يزيدهما جلالة وقدرًا في نفوس الأمة ما تميَّز به البخاري ومسلم عليهما رحمة الله من الحفظ والإتقان، والحرص على الدقة والتحري، والاجتهاد في التثبت والتوثق:
- فالبخاري قد انتقى أحاديث كتابه انتقاءً دقيقًا من بين عددٍ كبير من الأحاديث، حيث يقول: "أخرجت هذا الكتاب -يعني: الصحيح- من زُهَاءِ
(1)
المرجع السابق (18/ 74).
(2)
اختصار علوم الحديث مطبوع مع شرحه الباعث الحثيث (23).
(3)
الاتباع (46).
(4)
فتح المغيث (1/ 44).
(5)
هو العلامة محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمد بدر الدين العيني الحنفي، مؤرخٌ علَّامة من كبار المحدثين، أصله ومولده ونشأته في عينتاب (وإليها نسبته) أقام مدة في حلب ومصر ودمشق والقدس، وولي في القاهرة الحسبة وقضاء الحنفية ونظر السجون، ثم صُرف في آخر حياته عن وظائفه وعكف على التصنيف والتدريس إلى أن توفي في القاهرة سنة (855 هـ) له مؤلفات من أشهرها: عمدة القاري في شرح صحيح البخاري. [انظر: الضوء اللامع (10/ 131)، وشذرات الذهب (7/ 286)، والأعلام (7/ 163)].
(6)
عمدة القاري (1/ 5).
ستمائة ألف حديث"
(1)
.
ومثله مسلم حيث قال: "صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة"
(2)
.
- والبخاري أيضًا قد استغرق وقتًا طويلًا في تصنيف صحيحه، مما يدل على شدة تحريه وتأنيه، وعدم عجلته، قال رحمه الله:"صنفت كتابي (الصحيح) لستَ عشرةَ سنةً"
(3)
.
ومثله مسلم حيث قال تلميذه أحمد بن سلمة
(4)
: "كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمسَ عشرةَ سنةً"
(5)
.
- كما أن البخاري قد التزم الصحة فيما يخرجه من الأحاديث، واشترط في ذلك أرقى وأعلى شروط الصحة.
قال رحمه الله: "ما أدخلت في كتابي (الجامع) إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول"
(6)
.
وأما شرطاه اللذان تميز بهما فهما:
1 -
أن يكون الراوي قد عاصر شيخه.
(1)
تاريخ بغداد (2/ 9)، وانظر:(2/ 14)، وتهذيب الكمال (24/ 442، 448، 449).
(2)
تاريخ بغداد (13/ 102).
(3)
تاريخ بغداد (2/ 14)، وانظر: تهذيب الكمال (24/ 448).
(4)
هو أحمد بن سلمة بن عبد الله أبو الفضل البزاز المَعدَّل النيسابوري، أحد الحفاظ المتقنين، رفيق مسلم في الرحلة إلى بلخ وإلى البصرة سمع من قتيبة بن سعيد وابن راهويه وطبقتهما، وحدَّث عنه أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهما، توفي رحمه الله سنة (286 هـ). [انظر: تاريخ بغداد (4/ 408)، وتذكرة الحفاظ (2/ 637)، والسير (13/ 373)، وشذرات الذهب (2/ 192)].
(5)
سير أعلام النبلاء (12/ 566).
(6)
تاريخ بغداد (2/ 9)، وانظر: مقدمة ابن الصلاح (22).
2 -
أن يثبت سماع الراوي من شيخه
(1)
.
ومثله مسلم، حيث قال:"ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه"
(2)
.
إلا أنه رحمه الله تعالى نزل في شرطه عن البخاري، فلم يشترط إلا المعاصرة مع إمكان اللقيا
(3)
.
لكنه تميَّز عن البخاري بميزة فريدة، وهي أنه يجمع طرق الحديث في مكان واحد، ولا يكررها -غالبًا- ولا يقطعها ولا يفرقها بين الكتب والأبواب، بخلاف البخاري رحمه الله تعالى فإنه يقطع الحديث الواحد حسب مواضيعه، فيضعه في موضعين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، مما يُشَكِّلُ صعوبةً كبيرةً في الحصول على كامل الحديث.
قال النووي: "وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولًا، من حيث إنه جعل لكل حديث موضعًا واحدًا يليق به، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها، وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها، ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه، بخلاف البخاري فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة، وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به، وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه، فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث، فقد رأيت جماعة من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا، فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مَظَانِّهَا السابقة إلى الفهم"
(4)
.
(1)
انظر: اختصار علوم الحديث، مطبوع مع شرحه الباعث الحثيث (23).
(2)
مسلم بشرح النووي (4/ 365).
(3)
انظر: مسلم بشرح النووي (1/ 244 - 245).
(4)
مسلم بشرح النووي (1/ 121).