الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة).
الثاني عشر: قوله: (فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل -قومي- على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: (يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم فخفف عنا))، ففي هذه الرواية: رجوع النبي صلى الله عليه وسلم بعد استقرار الفرض على خمس صلوات، لطلب التخفيف، وهو مما انفرد به شريك، لأن المحفوظ -كما في الروايات الأخرى- أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الرجوع، وقال لموسى عليه السلام عندما حثه على الرجوع بعد الخمس:(قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه).
ولذا فقد أنكر الداودي هذا الرجوع فقال: "هذا الرجوع الأخير ليس بثابت، والذي في الروايات أن قال: (استحييت من ربي) "
(1)
.
وقال قوَّام السنة الأصبهاني: "الصحيح أنه لم يرجع بعد ذلك"
(2)
.
الخلاصة:
أن حديث أنس رضي الله عنه في الإسراء جاء من أربعة طرق:
1 -
طريق قتادة.
2 -
وطريق ثابت البناني.
3 -
وطريق الزهري.
4 -
وطريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر.
(1)
الفتح (13/ 486)، وانظر:(13/ 485)، والحجة في بيان المحجة (1/ 536 - 537).
(2)
الحجة في بيان المحجة (1/ 542).
وقد انتقد أهل العلم طريق شريك، لاشتماله على عدد من الإشكالات والمخالفات، والتي ليست عند غيره ممن روى الحديث عن أنس رضي الله عنه.
وقد تتبع الحافظ ابن حجر هذه الإشكالات، وحاول الإجابة على أغلبها، ثم قال بعد ذلك:"فهذه أكثر من عشرة مواضع في هذا الحديث، لم أرها مجموعة في كلام أحد ممن تقدم، وقد بينت في كل واحد إشكال من استشكله، والجواب عنه إن أمكن"
(1)
.
ويمكن تقسيم هذه الإشكالات -بناءً على ما تقدم- إلى قسمين:
القسم الأول: ما لم يتفرد به شريك، أو تفرد به، لكنه ليس بمشكل أصلًا:
فالأول: كحادثة شق الصدر، حيث وافقه قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، والزهري عن أنس عن أبي ذر، وليس في هذه الحادثة ما يُستشكل، وقد أبعد من عدَّها مخالفة.
وكذا ما جاء في روايته من أن تخفيف الصلوات كان عشرًا عشرًا، حيث وافقه قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، وحديثه في الصحيحين، بخلاف رواية الخمس فإنها من أفراد مسلم، وتقدم أن الأظهر ما جاء في رواية قتادة وشريك، والله أعلم.
وأما الثاني: وهو ما تفرد به شريك، وليس فيه ما يُستشكل: فهو قوله: (فعلا به إلى الجبار، فقال وهو مكانه
…
)، فقوله:(وهو مكانه) ليس فيها ما يُشكل، لأن الضمير فيه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر.
القسم الثاني: ما تفرد به شريك وهو مشكل فعلًا، بحيث لا يمكن القول بموجبه، لأنه خطأ ظاهر، كمخالفته غيرَه في أماكن الأنبياء، ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بعد أن استقر الفرض على خمس صلوات لطلب التخفيف، لأن المحفوظ في سائر الروايات أنه امتنع عن الرجوع حياءً من
(1)
الفتح (13/ 486).
ربه، وكذا ما ورد في روايته من أن نهر الكوثر في السماء الدنيا، والمحفوظ أنه في الجنة
…
وأغلب هذه الإشكالات قد أُجيب عنها، بمحاولة الجمع بينها وبين الروايات الأخرى، إلا أن في بعض هذه الإجابات بُعْدٌ واضح، لا يستقيم مع ظاهر الحديث.
وهذا يؤكد ما قاله الحافظ ابن حجر -ملخصًا القول في رواية شريك-: "في روايته عن أنس لحديث الإسراء مواضع شاذة"
(1)
.
وقال الألباني: "القلب لا يطمئن للاستفادة من حديثه، إلا فيما توبع عليه، وهو قليل جدًا، وقد حسَّن الحافظ بعضها، والله أعلم"
(2)
.
* * *
(1)
هدي الساري (410)، وانظر: الفتح (13/ 485).
(2)
الإسراء والمعراج له (36).