الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير، إلا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة
…
"
(1)
، ثم ذكر حديث التربة.
وقال الشنقيطي
(2)
بعدما ذكر هذا التفسير: "وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال، لأن الله تعالى صرح في آيات متعددة من كتابه بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام
…
فلو لم يفسر قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} بأن معناه: في تتمة أربعة أيام، لكان المعنى أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ثمانية أيام"
(3)
.
الخلاصة:
مما تقدم يظهر جليًا مخالفة هذا الحديث لصريح القرآن من عدة وجوه:
الأول: أن القرآن صريح في أن خلق السموات والأرض وما بينهما، كان في ستة أيام، وهذا الحديث - (خلق الله التربة يوم السبت) - يتضمن استيعاب الخلق في سبعة أيام.
الثاني: أن الذي دل عليه القرآن مع السنة، وبه قال جمهور أهل العلم: أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد، وهذا الحديث يجعل ابتداء الخلق يوم السبت.
الثالث: أن القرآن أخبر أن خلق الأرض وما فيها كان في أربعة أيام، وهذا الحديث جعل خلق الأرض وما فيها في ستة أيام.
(1)
الجامع لآحكام القرآن (15/ 345).
(2)
هو العلامة محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، من علماء شنقيط، ولد وتعلم بها، وحج سنة (1367 هـ)، واستقر مدرسًا في المدينة النبوية ثم الرياض وأخيرًا في الجامعة الإسلامية بالمدينة، وكان عالمًا في جميع الفنون مبرّزًا في اللغة والتفسير، توفي رحمه الله بمكة سنة (1393 هـ)، وله عدة مؤلفات من أشهرها: أضواء البيان في تفسير القرآن. [انظر: الأعلام (6/ 45)، وعلماء نجد (6/ 371)].
(3)
أضواء البيان (7/ 117).
الرابع: أن القرآن جعل خلق السموات داخلًا في الأيام الستة، بينما هذا الحديث لم يذكر خلق السموات.
فهذه الوجوه -وهي علل المتن التي تقدم ذكرها في القول الأول- تجعل الحديث مطعونًا في صحته، لا سيما وقد أعله من جهة سنده جمع من أهل العلم، وفيهم الحفاظ والنقاد، وأئمة الجرح والتعديل، وأهل المعرفة بالعلل والأسانيد، كعلي بن المديني والبخاري ويحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي والبيهقي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير.
وأما محاولة أصحاب القول الثاني توجيه الحديث ودفع مخالفته للقرآن -وذلك بالإجابة على علل المتن- فغير مجدية، لأن أجوبتهم عن علل المتن، ليست في القوة ما يجعلها تنهض لدفع إشكال الحديث، وإزالة ما فيه من مخالفة لكتاب الله تعالى، خاصةً ما أجابوا به على عدم ذكر خلق السموات فيه.
قال القرطبي: "وتحقيق هذا أنه لم يذكر في هذا الحديث نصًا على خلق السموات، مع أنه ذكر فيه أيام الأسبوع كلها، وذكر ما خلق الله تعالى فيها، فلو خلق السموات في يوم زائد على أيام الأسبوع، لكان خلق السموات والأرض في ثمانية أيام، وذلك خلاف المنصوص عليه في القرآن، ولا صائر إليه.
وقد رُوي هذا الحديث في غير كتاب مسلم بروايات مختلفة مضطربة
…
فلا يعتمد على ما تضمنته من ترتيب المخلوقات في تلك الأيام، والذي يعتمد عليه في ذلك قوله تعالى:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] الآيات، فلينظر فيها من أراد تحقيق ذلك"
(1)
.
ومما يحسن التنبيه عليه أن أصحاب القولين -المصححين للحديث
(1)
المفهم (343).
والمضعفين له- متفقون على تنزيل الأيام الستة المذكورة في القرآن على الأيام الواردة في حديث التربة، ما عدا الألباني رحمه الله، حيث ذهب -كما تقدم- إلى أن الأيام الواردة في الحديث غير الأيام الستة المذكورة في القرآن، وقوله هذا يرده ويشكل عليه أن الحديث ورد فيه خلق الجبال والأشجار، فإذا جعلنا ما ورد في الحديث غير ما ورد في القرآن، لزم من ذلك إخراج خلق الجبال والشجر من الأيام الستة المذكورة في القرآن، وهذا مخالف لصريح القرآن، حيث جعل خلق الجبال والأقوات -وهي الشجر وكل ما يقتات الناس
(1)
- داخلًا في الأيام الستة، قال تعالى:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)} .
* * *
(1)
انظر: جامع البيان (11/ 89 - 90)، وتفسير القرآن للسمعاني (5/ 83)، وزاد المسير (7/ 244)، والجامع لأحكام القرآن (15/ 342 - 343)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 141)، وفتح القدير (4/ 507)، وأضواء البيان (7/ 118).