الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إشكال وجوابه:
استُشكل وزن الأعمال من حيث إنها أعراض فكيف توزن، والوزن إنما يكون للأجسام؟
(1)
.
وقد أجاب بعضهم عن هذا الإشكال: بأن الله تعالى يقلب الأعراض يوم القيامة أجسامًا ثم توزن
(2)
.
قال ابن كثير: "قوله: (والحمد لله تملأ الميزان) فيه دلالة على أن العمل نفسه وإن كان عرضًا قد قام بالفاعل، يحيله الله يوم القيامة فيجعله ذاتًا يوضع في الميزان"
(3)
.
وقال ابن أبي العز: "فلا يلتفت إلى قول ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزنَ الأجسامُ، فإن الله يقلب الأعراض أجسامًا"
(4)
.
وقال ابن حجر نقلًا عن الطيبي: "والحق عند أهل السنة أن الأعمال حينئذٍ تجسد أو تجعل في أجسام، فتصير أعمال الطائعين في صورة حسنة، وأعمال المسيئين في صورة قبيحة ثم توزن"
(5)
.
وأيدوا قولهم هذا بأنه قد جاء في السنة ما يدل على أن الله تعالى يقلب الأعراض أجسامًا يوم القيامة، ومن ذلك:
(1)
انظر: المنهاج للحليمي (1/ 393)، وشرح العقيدة الطحاوية (612)، وشرح العقيدة الواسطية للعثيمين (2/ 140).
(2)
انظر: معالم التنزيل (2/ 149)، والجامع لأحكام القرآن (7/ 165)، والكافية الشافية لابن القيم بشرح ابن عيسى (2/ 539)، وتفسير القرآن العظيم (2/ 324)، وجامع العلوم والحكم (2/ 16)، والفتح (1/ 73)، وبهجة الناظرين (529)، ولوامع الأنوار (2/ 187)، ومعارج القبول (2/ 183 - 184).
(3)
النهاية (2/ 26).
(4)
شرح العقيدة الطحاوية (612).
(5)
الفتح (13/ 539).
ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيَشْرَئِبُّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)} [مريم: 39])
(1)
.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كانهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)، رواه مسلم
(2)
.
ولا ريب أن تجسيد الأعمال يوم القيامة ثم وزنها أمر محتمل، لكن لا ينبغي الجزم به لعدم الدليل عليه
(3)
، فكيفية وزن الأعمال يوم القيامة من أمور الغيب، والذي يجب فيها: أن نقف عند حدود ما ورد به النص، فنؤمن بها كما جاءت، ولا نكلف أنفسنا عناء الخوض في كيفيتها وأمورها التفصيلية إلا على ضوء ما ورد به الشرع، والله أعلم.
قال ابن تيمية: "وأما كيفية تلك الموازين فهو بمنزلة كيفية سائر ما أُخبرنا به من الغيب"
(4)
.
وقال ابن أبي العز: "فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال،
(1)
صحيح البخاري (4/ 1760) ح (4453)، وصحيح مسلم (17/ 190) ح (2849).
(2)
صحيح مسلم (6/ 337) ح (804).
(3)
انظر: الحياة الآخرة للدكتور غالب العواجي (3/ 1140).
(4)
مجموع الفتاوى (4/ 302).
وثبت أن الميزان له كفتان
(1)
، والله أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات، فعلينا الإيمان بالغيب، كما أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان"
(2)
.
* * *
(1)
كما في حديث البطاقة: (فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (613).