الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال
لم يختلف أهل العلم -كما تقدم- في وجوب تقديم القرشي في الإمامة العظمى، كما هو مقتضى الأحاديث المتقدمة، وذلك بالشرط المذكور في الحديث، وهو: إقامة الدين، وحينئذٍ ينحصر الخلاف في توجيه الأحاديث التي قد يفهم منها جواز إمامة العبد، وقد اختلف أهل العلم في توجيهها على عدة أقوال:
القول الأول: أن المراد بها: أن الإمام الأعظم إذا استَعْمَل العبدَ على إمارة بلد مثلًا، وجبت طاعته، وليس فيها أن العبد الحبشي يكون هو الإمام الأعظم.
وإلى هذا ذهب الخطابي والمهلب وابن الجوزي واختاره ابن رجب
(1)
والشنقيطي
(2)
.
قال الخطابي عند حديث: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة): "هذا فى الأمراء والعمال، دون الخلفاء والأئمة، فإن الحبشة لا تُولى الخلافة، ولا يستخلف إلا قرشي، لما جاء من الحديث فيه"
(3)
.
وقال المهلب: "قوله عليه السلام: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي) لا يوجب أن يكون المستعمِل للعبد إلا إمام قرشي، لما تقدم
(1)
انظر: فتح الباري (6/ 179)، وجامع العلوم والحكم (2/ 119).
(2)
انظر: أضواء البيان (1/ 56).
(3)
أعلام الحديث (4/ 2334)، وانظر: معالم السنن (4/ 278).
أنه لا تجوز الإمامة إلا في قريش"
(1)
.
وقال ابن الجوزي عند الحديث المتقدم: "اعلم أن هذا إنما هو في العمال والأمراء دون الأئمة والخلفاء، فإن الخلافة لقريش، لا مدخل فيها للحبشة، لقوله عليه السلام: (لا يزال هذا الأمر فى قريش)، وإنما للأئمة تولية من يرون، فتجب طاعة ولاتهم"
(2)
.
القول الثانى: أن هذا من باب ضرب المثل، للمبالغة في الأمر بالطاعة، وإن كان لا يُتصور شرعًا أن يلى العبد ذلك، وقد يُضرب المثل بما لا يقع في الوجود، كقوله صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجدًا، ولو كمَفْحَص
(3)
قطاة، بنى الله له بيتًا في الجنة)
(4)
، فإن قدر مفحص القطاة لا يصلح لمسجد.
ذكر هذا الخطابي
(5)
، وابن رجب
(6)
، وغيرهما
(7)
، واختاره القرطبي
(8)
.
قال الشنقيطي: "ويشبه هذا الوجه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ
(1)
نقل ذلك عنه ابن بطال في شرح صحيح البخاري (8/ 215)، وانظر: الفتح (13/ 122).
(2)
كشف المشكل (3/ 292)، وانظر: الفتح (2/ 187).
(3)
أي: موضعها الذي تجثم وتبيض فيه، وسمي مَفْحَصًا، لأنها لا تجثم حتى تفحص عنه التراب، وتصير إلى موضع مستوٍ، والفحص: الطلب والبحث. [انظر: المجموع المغيث (2/ 598)، والنهاية (3/ 415)].
(4)
أخرجه من حديث أبي ذر رضي الله عنه: ابن حبان في صحيحه (4/ 490، 491) ح (1610، 1611)، وأبو داود الطيالسي في مسنده، موقوفًا (1/ 369) ح (463)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (تحفة 1/ 454) ح (442).
(5)
انظر: معالم السنن (4/ 278).
(6)
انظر: فتح الباري (6/ 179)، وجامع العلوم والحكم (2/ 120).
(7)
انظر: الفتح (13/ 122)، وإرشاد الساري (15/ 92)، وأضواء البيان (1/ 56).
(8)
انظر: المفهم (4/ 34).
فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)} [الزخرف: 81] على أحد التفسيرات"
(1)
.
القول الثالث: أن المراد بذلك العبد المتغلِّب لا المختار، فإنه في هذه الحالة تجب طاعته بالمعروف، وإن كان عبدًا حبشيًا، درءًا للفتنة
(2)
.
القول الرابع: أن إطلاق لفظ العبد في الأحاديث المتقدمة، نظرًا لاتصافه بذلك سابقًا، مع أنه وقت التولية حر، ونظيره: إطلاق لفظ اليتم على البالغ باعتبار اتصافه به سابقًا، كما في قوله تعالى:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]
(3)
.
وهذا القول احتمله الحافظ ابن حجر
(4)
والقسطلاني
(5)
.
* * *
(1)
أضواء البيان (1/ 56).
(2)
انظر: الفتح (2/ 187)، والإمامة العظمى للدكتور عبد الله الدميجي (242).
(3)
انظر: أضواء البيان (1/ 56).
(4)
انظر: الفتح (13/ 122).
(5)
انظر: إرشاد الساري (15/ 92).