الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحكم الأمر: أتقنه، والحكيم: المتقن للأمور
(1)
، فيقال لمن يحسن الصناعات ويتقنها: حكيم
(2)
.
والذكر الحكيم: الحاكم لكم وعليكم، وهو المحكم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب
(3)
.
وعليه، فالإحكام في اللغة: هو الفصل بين الشيئين، فصلًا يمنع اختلاطهما وتداخلهما.
وهو أيضًا: إتقان الشيء وإحسانه.
وكل واحد من المعنيين يعضد الآخر
(4)
.
وأما المتشابه في اللغة:
فقد قال ابن فارس: "الشين والياء والهاء، أصل واحد يدل على تشابه الشىء وتشاكله لونًا ووصفًا، يقال: شِبْه وشَبَه وشبيه
…
والمُشَبِّهات من الأمور: المشكلات، واشتبه الأمران إذا أشكلا"
(5)
.
"والشُّبْهَةُ: الالتباس، وأمور مشتبهة ومشَبِّهَةٌ: مشكلة يشبه بعضها بعضًا"
(6)
.
"والشِّبْهُ والشَّبَهُ والشبيه: المثل، والجمع: أشباه، وأشبه الشيءُ الشيء: ماثله"
(7)
.
(1)
انظر: لسان العرب (12/ 143)، والصحاح (4/ 1544)، والقاموس المحيط (1415)، والمعجم الوسيط (1/ 190) كلها مادة (حكم).
(2)
انظر: لسان العرب (12/ 140) مادة (حكم).
(3)
انظر: لسان العرب (12/ 141) مادة (حكم).
(4)
انظر: التدمرية (102)، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (2/ 472).
(5)
معجم مقاييس اللغة (3/ 243)، وانظر: تهذيب اللغة (6/ 59)، ولسان العرب (13/ 503) كلها مادة (شبه).
(6)
لسان العرب (13/ 504) مادة (شبه).
(7)
لسان العرب (13/ 503) مادة (شبه).
وعليه، فالمتشابه في اللغة هو: مشابهة الشيء لغيره، وهو يكون لقدر مشترك بينهما، مع وجود الفاصل بينهما، وهو القدر المميِّز
(1)
.
وهو أيضًا: المشكل والملتبس، وقد يكون الإشكال والالتباس لأجل المشابهة.
وأما المحكم والمتشابه في الاصطلاح: فهو يختلف باختلاف إطلاقاته، فهناك المحكم والمتشابه العام، وهناك المحكم والمتشابه الخاص
(2)
، وذلك باعتبار ورود هذين اللفظين في كتاب الله تعالى:
فحيث ورد وصف القرآن كله بأنه محكم، كما في قوله تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} [هود: 1]، فالمراد به أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه، فلا اختلاف فيه ولا اضطراب، من إحكام الشيء وهو إتقانه، "فإحكام الكلام: إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغَيِّ في أوامره"
(3)
، وهذا ما يعرف بالإحكام العام.
وحيث ورد وصف القرآن بأنه كله متشابه، كما في قوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]، فالمراد به ما هو ضد الاختلاف المنفي في قوله تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وهو ما يعرف بالتشابه العام، ومعناه: "تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدِّق بعضه بعضًا، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن لوازمه، إذا لم يكن هناك نسخ.
وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك، بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته
…
(1)
انظر: التدمرية (97، 105).
(2)
انظر: الصواعق المرسلة (2/ 212).
(3)
التدمرية (103).
وهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضًا، لا يناقض بعضه بعضًا، بخلاف الإحكام الخاص، فإنه ضد التشابه الخاص"
(1)
.
وأما الإحكام الخاص والتشابه الخاص، فهو الوارد في آية آل عمران، وهي قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7].
فالمحكم بمعناه الخاص هو: ما كان معناه واضحًا جليًا لا خفاء فيه.
وأما المتشابه بمعناه الخاص فهو: ما لم يتضح معناه، لدقته وغموضه، بحيث يُحتاج في فهم المراد منه إلى تفكر وتأمل، وعلى هذا فهو نسبي إضافي بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض
(2)
(3)
.
(1)
التدمرية (104 - 105)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/ 10)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 521).
(2)
انظر: التدمرية (105)، ومجموع الفتاوى (13/ 143 - 144)، و (17/ 385)، والجامع لأحكام القرآن (4/ 10 - 11)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 517)، والمفردات للراغب الأصفهاني (251، 443)، وفتح الباري (8/ 210 - 211)، وفتح القدير (1/ 314)، وشرح الشيخ ابن عثيمين على لمعة الاعتقاد (85)، وأنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم للدكتور مساعد الطيار (108).
(3)
وهذا بناءً على قراءة الوصل في آية آل عمران، وعدم الوقف على لفظ الجلالة:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} فيكون الراسخون في العلم ممن يعلم تأويله، وهو ما ذهب إليه بعض السلف وكثير من المفسرين والأصوليين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يكون معنى التأويل في الآية: التفسير، ولا يَرِدُ على هذا القول أن الله ذم المتبعين للمتشابه، لأن الذم متوجه لمن اتبعه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كما هو صريح الآية، أما من كان قصده الاسترشاد والاستفهام لإزالة ما عرض له من الشبهة، فهذا غير مذموم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا عرض لأحدهم شبهة أو إشكال في آية أو حديث سأل عنه. =