المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق - أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعا ودراسة

[سليمان بن محمد الدبيخي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف المشكل وبيان الفرق بينه وبين المختلف

- ‌أولًا: تعريف المشكل في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ -المشكل في اللغة:

- ‌ب - مشكل الحديث في اصطلاح المحدثين

- ‌ثانيًا: تعريف مختلف الحديث في اللغة والاصطلاح:

- ‌أ- فالمختلف في اللغة:

- ‌ب - مختلف الحديث اصطلاحًا:

- ‌ثالثًا: الفرق بين مشكل الحديث ومختلف الحديث:

- ‌المبحث الثاني: التعريف بأشهر المؤلفات في مشكل الحديث

- ‌1 - كتاب (اختلاف الحديث) للإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

- ‌2 - كتاب (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة رحمه الله تعالى:

- ‌3 - كتاب (مشكل الآثار)(5)للطحاوي رحمه الله تعالى:

- ‌4 - تأويل الأحاديث المشكلة(3)لأبي الحسن الطبري

- ‌5).5 -كتاب (مشكل الحديث وبيانه) لابن فورك(6)رحمه الله تعالى:

- ‌6 - كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي

- ‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق

- ‌المبحث الرابع: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه

- ‌فأولًا: معنى المحكم والمتشابه في اللغة وفي الاصطلاح:

- ‌المحكم في اللغة:

- ‌وأما المتشابه في اللغة:

- ‌ثانيًا: علاقة المشكل بالمتشابه:

- ‌ثالثًا: عمل السلف بهذه القاعدة:

- ‌رابعًا: الوضوح والإشكال في النصوص من الأمور النسبية:

- ‌خامسًا: هل صفات الله تعالى من قبيل المتشابه

- ‌سادسًا: أسباب استشكال النصوص، أو الاشتباه فيها:

- ‌المبحث الخامس: ترجمة موجزة للبخاري ومسلم عليهما رحمة الله

- ‌أولًا: الإمام البخاري رحمه الله تعالى:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ثانيًا: الإمام مسلم رحمه الله تعالى

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث السادس: مكانة الصحيحين عند الأمة

- ‌مآخذ بعض أهل العلم على هذين الكتابين:

- ‌الباب الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب الإيمان بالله تعالى

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في الأسماء والصفات

- ‌التمهيدبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: (خلق الله آدم على صورته)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌وبيان فساده من وجوه:

- ‌المطلب الرابع: في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)

- ‌المبحث الثاني: (وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المسألة الأولي: في معنى الإحصاء الوارد في الحديث:

- ‌المسألة الثانية: هل يمكن معرفة الأسماء الحسنى، التسعة والتسعين علي وجه التعيين

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الرابع: (فإن الله لا يمل حتى تملوا)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: (مرضت فلم تعدني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث السادس: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌والفرق بين الصبر والحلم:

- ‌المبحث السابع: (ما ترددت عن شيء أنا فاعله

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مسألة: في بيان معنى قوله في الحديث السابق: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)

- ‌المبحث الثامن: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث التاسع: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث العاشر: (الرحم شجنة من الرحمن)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الحادي عشر: (فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌الفصل الثانى: الأحاديث المتوهم إشكالها في القدر

- ‌المبحث الأول: (حج آدم موسى)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: (خلق الله التربة يوم السبت)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث الثالث: (لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثاني: الأحاديث المتوهم إشكالها في باب النبوة

- ‌المبحث الأول: (نحن أحق بالشك من إبراهيم)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثاني: ما جاء في سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌ومن أدلة السنة على حقيقة السحر وأثره:

- ‌مناقشة أدلة النافين لحقيقة السحر، وتأثر النبي صلى الله عليه وسلم به:

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في إرسال الشهب على الشياطين

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الرابع: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل) مع قول أبي هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: حديث شريك في الإسراء

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌الخلاصة:

- ‌المبحث السادس: لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث السابع: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي) مع قوله: (لا يزال هذا الأمر في قريش

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم فى هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الباب الثالث: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة والمعاد

- ‌الفصل الأول: الأحاديث المتوهم إشكالها في أشراط الساعة

- ‌المبحث الأول: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين. . .)، مع قوله: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثاني: (إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الثالث: ما جاء في طواف الدجال بالبيت، مع ما ورد من أنه لا يدخل مكة ولا المدينة

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (لا تقوم الساعة حتى. . . يتقارب الزمان)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المبحث الخامس: (إذا ولدت الأمة ربها)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الفصل الثاني: الأحايث المتوهم إشكالها في المعاد

- ‌المبحث الأول: أحاديث الميزان، في ما الذي يوزن

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الاشكال

- ‌بيان وجه الاشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌إشكال وجوابه:

- ‌المبحث الثاني: (إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصوَّرون)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌مناقشة الأقوال المرجوحة:

- ‌المبحث الثالث: (طوبى له عصفور من عصافير الجنة)

- ‌المطلب الأول: سياق الحديث المتوهم إشكاله و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌واستدل الجمهور على هذا القول بأدلة كثيرة، منها:

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الرابع: (وإن ناسًا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث الخامس: شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها و‌‌بيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌المبحث السادس: ما جاء في سماع الأموات

- ‌المطلب الأول: سياق الأحاديث المتوهم إشكالها وبيان وجه الإشكال

- ‌بيان وجه الإشكال

- ‌المطلب الثانى: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال

- ‌المطلب الثالث: الترجيح

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ت

- ‌ج

- ‌ث

- ‌ ح

- ‌ د

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌س

- ‌ز

- ‌ش

- ‌ ص

- ‌ ض

- ‌ع

- ‌ط

- ‌ظ

- ‌غ

- ‌ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌م

- ‌ن

- ‌هـ

- ‌ؤ

الفصل: ‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق

‌المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق

لما كان المقصود بالخطاب والكلام إفهام السامع مراد المتكلم من كلامه، وأن يبين له ما في نفسه من المعاني، وأن يدله على ذلك بأقرب الطرق

(1)

، كان ذلك موقوفًا على أمرين:

- بيان المتكلم.

- وتمكن السامع من الفهم.

فإن لم يحصل البيان من المتكلم، أو حصل له ولم يتمكن السامع من الفهم، لم يحصل مراد المتكلم، وإذا بيَّن المتكلم مراده بالألفاظ الدالة على مراده، ولم يعلم السامع معنى تلك الألفاظ، لم يحصل البيان، فلا بد من تمكن السامع من الفهم، وحصول الإفهام من المتكلم

(2)

.

ومعرفة مراد المتكلم من كلامه، من أهم الأمور وأنفعها، فإنه إذا عُرف ذلك، كان هذا هو ظاهر كلامه وحقيقته.

قال ابن القيم

(3)

: "إذا فهم السامع مقصود المتكلم فقد فهم حقيقة كلامه"

(4)

.

(1)

هذا بناءً على الأصل، وإلا فقد يكون المتكلم مريدًا التعمية والتلبيس على السامع، وهو أمر يتنزه عنه الشارع، خاصةً في مَعْرِضِ البيان والدعوة والتوجيه والإرشاد.

(2)

انظر: الصواعق المرسلة (1/ 310)، ومختصر الصواعق (1/ 51).

(3)

هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي، الفقيه المجتهد المفسر النحوي الأصولي، الشهير بابن القيم، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية وأخذ عنه واستفاد منه كثيرًا، وقد امتحن وأوذي مرات، توفي رحمه الله سنة (751 هـ)، وله مصنفات عديدة منها: زاد المعاد، ومفتاح دار السعادة، والصواعق المرسلة وغيرها. [انظر: شذرات الذهب (6/ 168)، والأعلام (6/ 56)، ومعجم المؤلفين (3/ 164)].

(4)

مختصر الصواعق (2/ 313).

ص: 49

وأعظم من يُحتاج إلى معرفة مراده، هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن على هذه المعرفة ينبني الاعتقاد والعمل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه"

(1)

.

وقال أيضًا: "معرفة مراد الرسول، ومراد الصحابة، هو أصل العلم وينبوع الهدى"

(2)

.

والقاعدة عند أهل السنة والجماعة في نصوص الكتاب والسنة: أنهم يُجْرُوْنَهَا على ظاهرها، معتقدين أنه هو الحق الذي يوافق مراد الله تعالى، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، لا سيما ما ليس للرأي فيه مجال، كنصوص الصفات

(3)

والمعاد وغيرها من أمور الغيب

(4)

.

قال الشافعي رحمه الله: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم"

(5)

.

ومما يُوَضِّحُ هذا ويبينه، أنه من المعلوم بالضرورة أن الشارع متصف بكمال العلم، وصدق الحديث، وقوة الفصاحة وحسن البيان، وقصد الهدى والبيان والإرشاد

(6)

، وقد تكلم باللسان المفهوم لدى المخاطبين، فوجب قبول كلامه وفهمه على ظاهره.

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 116)، وانظر:(7/ 114 - 115).

(2)

مجموع الفتاوى (5/ 413).

(3)

يلاحظ ارتباط هذه القاعدة كثيرًا بنصوص الصفات في كلام أهل العلم، وذلك لتعرضها للتحريف والتأويل الباطل أكثر من غيرها، وإلا فهي واجبة في جميع نصوص الكتاب والسنة.

(4)

انظر: القواعد المثلى (33)، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان بن علي حسن (1/ 391)، وما بعدها.

(5)

مجموع الفتاوى (6/ 354)، وانظر:(4/ 2).

(6)

انظر: الصواعق (1/ 310، 320)، وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد العثيمين (1/ 131).

ص: 50

و"لو أراد الله ورسوله من كلامه خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب، لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه، بل بما يدل على نقيض مراده، وأراد منه فهم النفي بما يدل على غاية الإثبات

"

(1)

.

ولا ريب أن هذا ينافي قصد البيان والهدى والإرشاد الذي اتصف به الله تعالى واتصف به رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يقول عن نفسه:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، ويقول:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 26].

ويقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، ويقول أيضًا:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].

وعلى هذا، فالواجب حمل نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها، واعتقاد أنه حق، فمن رام غير هذا مؤْثرًا تحريفات المبطلين وتأويلات الجاهلين، على بيان رب العالمين، الذي قال عن نفسه:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، وبيان رسوله الصادق الأمين، الذي قال له ربه:{وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63]، فقد خاب وخسر وضل عن الصراط المستقيم والطريق القويم، كما أن سلوكه هذا السبيل يلزم منه أحد محاذير ثلاثة، لا بد منها أو من بعضها، وهي:

القدح في علم المتكلم بها -وهو الرسول صلى الله عليه وسلم أو في بيانه، أو في نصحه

(2)

، فيكون هؤلاء المحرفون المبطلون أعظم منه علمًا، وأشد نصحًا، وأفصح لسانًا، وأحسن بيانًا وتعبيرًا عن الحق "وهذا مما يَعْلَم بطلانه

(1)

الصواعق (1/ 310 - 311).

(2)

انظر تقرير ذلك: في الصواعق المرسلة (1/ 324 - 325) من كلام الشيخ عبد الله بن تيمية. وانظر أيضًا: (1/ 314 - 316) ففيه نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما يلزم الصارف للنصوص عن ظاهرها من اللوازم الباطلة.

ص: 51

بالضرورة أولياؤه وأعداؤه، وموافقوه ومخالفوه، فإن مخالفيه لم يشكوا في أنه أفصح الخلق، وأقدرهم على حسن التعبير بما يطابق المعنى، ويخلصه من اللبس والإشكال

وقد وصف الله رسله بكمال النصح والبيان، فقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، وأخبر عن رسله بأنهم أنصح الناس لأممهم، فمع النصح والبيان والمعرفة التامة"

(1)

، يمتنع غاية الامتناع أن يريدوا بكلامهم خلاف ظاهره وحقيقته، وعدم البيان.

وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة وكذا العقل على وجوب إجراء نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها، وأنه هو الحق الذي يوافق مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم:

فمن أدلة الكتاب:

- قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقوله:{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]، وقوله:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15].

فوصف الله تعالى كتابه بأوضح البيان وأحسن التفسير، وأنه هدىً ورحمة ونور، وهذا يقتضي أن يكون ظاهره مطابقًا لمراده، وإلَّا لم يكن كذلك.

- وقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 193 - 195]، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)} [يوسف: 2].

"وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي، إلَّا أن يمنع منه دليل شرعي"

(2)

.

(1)

الصواعق المرسلة (1/ 325) من كلام الشيخ عبد الله بن تيمية.

(2)

القواعد المثلى للشيخ محمد العثيمين (33)، وانظر: تقريب التدمرية له (55).

ص: 52

- وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} [البقرة: 159].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فقد لعن كاتمه -يعني: العلم- وأخبر أنه بينه للناس في الكتاب، فكيف يكون قد بينه للناس وهو قد كتم الحق وأخفاه، وأظهر خلاف ما أبطن؟ فلو سكت عن بيان الحق كان كاتمًا، ومن نسب الأنبياء إلى الكذب والكتمان مع كونه يقول: إنهم أنبياء، فهو من أشر المنافقين وأخبثهم، وأبينهم تناقضًا"

(1)

.

- وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17].

قال ابن القيم: "تيسيره للذكر يتضمن أنواعًا من التيسير:

إحداها: تيسير ألفاظه للحفظ.

الثاني: تيسير معانيه للفهم.

الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال.

ومعلوم أنه لو كان بألفاظ لا يفهمها المُخَاطَبُ، لم يكن ميسرًا له، بل كان معسرًا عليه، فهكذا إذا أُريد من المُخَاطَبِ أن يفهم من ألفاظه ما لا يدل عليه من المعاني، أو يدل على خلافه، فهذا من أشد التعسير، وهو منافٍ للتيسير"

(2)

.

ومن أدلة السنة على أن الأصل في النصوص حملها على ظاهرها:

- قوله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث العِرْبَاضِ بن سارية رضي الله عنه:(تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلَّا هالك)

(3)

.

(1)

مجموع الفتاوى (13/ 265).

(2)

الصواعق (1/ 331 - 332).

(3)

أخرجه ابن ماجه (1/ 16) ح (43)، وأحمد (28/ 367) ح (17142)، والحاكم (1/ 176) ح (331)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 26) ح (48)، وصححه الألباني في تخريجه للسنة.

ص: 53

والبيضاء: الحجة الظاهرة القوية التي لا لبس فيها ولا اشتباه

(1)

.

- وقوله أيضًا عليه الصلاة والسلام، كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:(قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون؟ ) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس:(أللهم اشهد، أللهم اشهد) ثلاث مرات

(2)

.

فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه تركنا على المحجة البيضاء الواضحة البينة، التي لا لَبْسَ فيها ولا اشتباه، ظاهرها وباطنها سواء.

والصحابة رضوان الله عليهم قد شهدوا له بأنه قد بلَّغ وأدَّى ونصح، وهذا يعني: أن ظاهر كلامه مطابق لمراده، لأن هذا مقتضى البلاغ، وحسن الأداء، وكمال النصح.

"وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين، فوجب قبوله على ظاهره، وإلَّا لاختلفت الآراء، وتفرقت الأمة"

(3)

.

وقد تواردت عبارات أهل العلم على بيان هذه القاعدة والتأكيد عليها، ومن ذلك:

قول الشافعي رحمه الله: "كل كلام كان عامًا ظاهرًا في سنة رسول الله فهو على ظهوره وعمومه، حتى يُعْلَمَ حديث ثابت عن رسول الله -بأبي هو وأمي- يدل على أنه إنما أُريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض"

(4)

.

(1)

انظر: لسان العرب (7/ 124) مادة (بيض)، والمعجم الوسيط (1/ 79).

(2)

أخرجه مسلم (8/ 420) ح (1218).

(3)

القواعد المثلى (33).

(4)

الرسالة (341).

ص: 54

وقال قِوَامُ السنة الأصبهاني

(1)

وهو يتحدث عن الصفات: "الكلام في صفات الله عز وجل، ما جاء منها في كتاب الله، أو روي بالأسانيد الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمذهب السلف رحمة الله عليهم أجمعين: إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها

(2)

(3)

.

وقال ابن تيمية: "لم يكن أحد منهم -أي: الصحابة- يعتقد في خبره وأمره -يعني الرسول صلى الله عليه وسلم- ما يناقض ظاهر ما بَيَّنَهُ لهم ودلهم عليه، وأرشدهم إليه، ولهذا لم يكن في الصحابة من تأول شيئًا من نصوصه على خلاف ما دل عليه، لا في ما أخبر به الله عن أسمائه وصفاته، ولا فيما أخبر به عما بعد الموت"

(4)

.

وقال الذهبي عن نصوص الكتاب والسنة: "المراد بظاهرها، أي: لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له"

(5)

.

وأقوال أهل العلم في تقرير هذا المعنى كثيرة، وسيأتي ذكر شيء منها عند الحديث عن الصفات

(6)

.

(1)

هو الحافظ الكبير شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي التيمي الأصبهاني الشافعي، الملقب بقوام السنة، كان إمامًا في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارفًا بالمتون والأسانيد، وكان قدوة أهل السنة في زمانه، أُصمت في صفر سنة (534 هـ) ثم فُلج بعد مدة، وتوفي رحمه الله سنة (535 هـ) له مصنفات منها: الترغيب والترهيب، وكتاب دلائل النبوة وغيرها. [انظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1277)، والسير (20/ 80)، والعبر (2/ 446)، وشذرات الذهب (4/ 105)].

(2)

أي: نفي العلم بالكيفية.

(3)

الحجة في بيان المحجة (1/ 188).

(4)

مجموع الفتاوى (13/ 252).

(5)

العلو (254).

(6)

انظر: ص (104 - 106).

ص: 55

وأختم هذا المبحث بالتأكيد على أمرين هامين:

الأول: أن المراد بظاهر

(1)

النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنىً في سياق، ومعنىً آخر في سياق آخر

(2)

.

قال ابن القيم رحمه الله: "السياق يرشد إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} [الدخان: 49]، كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير؟ "

(3)

.

ولهذا فقد يُنْقَلُ عن أحد الأئمة ما ظاهره التأويل، وهو في الحقيقة ليس تأويلًا، لأنه نحى هذا المنحى لقرينة تدل عليه، أو لكون السياق يقتضيه، فيكون بهذا موافقًا لمراد الله تعالى أو مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون بذلك مخالفًا لمذهب السلف، ولا خارجًا عن قاعدة إجراء النصوص على ظاهرها، لأن المقصود هو فَهْمُ مراد المتكلم من كلامه -كما تقدم- فإذا فُهِمَ كان هذا هو ظاهر كلامه، ولم يكن تأويلًا، وإن صح تسميته تأويلًا، فهو تأويل صحيح لقيام الأدلة عليه، وموافقته النصوص الشرعية.

(1)

الظاهر هنا غير الظاهر في اصطلاح الأصوليين، والذي يكون في مقابلة النص، وهو ما احتمل أمرين، وهو في أحدهما أظهر. [انظر: الواضح في أصول الفقه لابن عقيل (1/ 33 - 34)، وروضة الناظر لابن قدامة (2/ 29 - 30)، والقاموس المبين في اصطلاحات الأصوليين للدكتور محمود حامد عثمان (200)].

(2)

انظر: القواعد المثلى (36)، وتقريب التدمرية (55) كلاهما للشيخ محمد العثيمين، ونقض الدارمي على المريسي (1/ 344)، والتحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية للشيخ فالح آل مهدي (176).

(3)

بدائع الفوائد (4/ 222)، وانظر: ص (184 - 187) من هذا البحث ففيها ذكر هذه القاعدة، مع توضيحها بالأمثلة.

ص: 56

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص، وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد، ولا فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك، وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول، وما خالفه فهو المردود"

(1)

.

والثاني: لمَّا حدث في عرف المتأخرين القول بنفي الظاهر عن كثير من نصوص الكتاب والسنة -خاصةً ما يتعلق منها بالصفات- صار لفظ (الظاهر) فيه إجمالًا واشتراكًا، فهو في لسان السلف -وهو ما تقدم بيانه- غيره في عرف المتأخرين، مما يقتضي التفصيل فيه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلفظة (الظاهر) قد صارت مشتركة، فإن الظاهر في الفطر السليمة، واللسان العربي، والدين القيم، ولسان السلف، غير الظاهر في عرف كثير من المتأخرين"

(2)

.

وقال أيضًا موضحًا ذلك فيما يتعلق بالصفات: "لفظ (الظاهر) فيه إجمال واشتراك، فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أن هذا غير مراد.

ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرًا، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفرًا وباطلًا، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر وضلال.

والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين:

تارةً يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ، حتى يجعلوه محتاجًا إلى تأويل يخالف الظاهر، ولا يكون كذلك.

وتارةً يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ، لاعتقادهم أنه باطل"

(3)

.

(1)

الصواعق المرسلة (1/ 187)، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية (256).

(2)

مجموع الفتاوى (33/ 175).

(3)

التدمرية (69).

ص: 57

وقال الذهبي: "قد صار الظاهر اليوم ظاهرين: أحدهما حق والثاني باطل:

فالحق أن يقول: إنه سميع بصير مريد متكلم حي عليم، كل شيء هالك إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلم موسى تكليمًا، واتخذ إبراهيم خليلًا، وأمثال ذلك، فنُمِرُّهُ على ما جاء، ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويل يخالف ذلك.

والظاهر الآخر، وهو الباطل والضلال: أن تعتقد قياس الغائب على الشاهد، وتمثل الباري بخلقه -تعالى الله عن ذلك- بل صفاته كذاته، فلا عِدْل له، ولا ضد له، ولا نظير له، ولا مثل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته"

(1)

.

وقال ابن أبي العز

(2)

: "يجب أن يعلم أن المعنى الفاسد الكفري ليس هو ظاهر النص ولا مقتضاه، وأن من فهم ذلك منه، فهو لقصور فَهْمِهِ، ونقص علمه"

(3)

.

وعلى هذا، فإن من قال: إن ظاهر النصوص غير مراد، فقد أخطأ على كل تقدير، لأنه إن فهم من ظاهرها معنىً فاسدًا فقد أخطأ في فَهْمِهِ، وأصاب في قوله:(غير مراد) وإن فهم من ظاهرها معنى صحيحًا، فقد أصاب في فهمه، وأخطأ في قوله:(غير مراد)

(4)

.

(1)

سير أعلام النبلاء (19/ 449).

(2)

هو علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي الدمشقي، الفقيه الماهر، درس وأفتى، وتولى القضاء بدمشق ثم بالديار المصرية ثم بدمشق، وامتحن بسبب اعتراضه على قصيدة لابن أيبك الدمشقي، توفي رحمه الله سنة (792 هـ) له مؤلفات منها: شرح العقيدة الطحاوية، وكتاب الاتباع [انظر: شذرات الذهب (6/ 326)، والأعلام (4/ 313)، ومعجم المؤلفين (2/ 480)].

(3)

شرح العقيدة الطحاوية (256).

(4)

انظر: تقريب التدمرية (57).

ص: 58