الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه)، قال: فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام، متفق عليه
(1)
.
بيان وجه الإشكال
في رواية شريك عن أنس لحديث الإسراء عدة مخالفات، خالف فيها شريك غيره من الرواة، وقد تنبه لهذا أهل العلم، فنقدوا روايته، وبيَّنوا ما فيها من مخالفات وأخطاء، ليست عند غيره ممن روى الحديث عن أنس رضي الله عنه، كقتادة والزهري وثابت البناني.
وقد ساق مسلم في صحيحه طرفًا من حديث شريك ثم قال: "قدم فيه شيئًا وأخر، وزاد ونقص"
(2)
.
وقال البيهقي: "ذكر شريك بن عبد الله بن أبي نمر في روايته هذه ما يُستدل به على أنه لم يحفظ الحديث كما ينبغي: من نسيانه ما حفظه غيره، ومن مخالفته في مقامات الأنبياء -الذين رآهم في السماء- مَن هو أحفظ منه"
(3)
.
وقال عبد الحق الإشبيلي
(4)
: "وقد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه
(1)
البخاري: كتاب: التوحيد، باب: قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (6/ 2730) ح (7079)، وأخرجه مختصرًا في كتاب: المناقب، باب: كان النبي تنام عينه ولا ينام قلبه (3/ 1308) ح (3377).
ومسلم: كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم (2/ 575) ح (162) ساق طرفًا منه ثم قال: "وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني، وقدم فيه شيئًا وأخر وزاد ونقص".
(2)
صحيح مسلم (2/ 575).
(3)
الأسماء والصفات (2/ 357).
(4)
هو الإمام الحافظ البارع المجود العلامة أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن =
بألفاظ غير معروفة، وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين، والأئمة المشهورين، كمثل ابن شهاب وثابت البناني وقتادة، فلم يأتِ أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث، والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعوَّل عليها
(1)
"
(2)
.
وقال القاضي عياض: "وقد جاء في مسلم من رواية شريك في هذا الحديث اضطراب وأوهام، أنكرها عليه العلماء، وقد نبه مسلم على ذلك"
(3)
.
وقال ابن القيم: "وقد غلَّط الحفَّاظ شريكًا في ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه ثم قال: فقدم وأخر وزاد ونقص، ولم يسرد الحديث فأجاد رحمه الله"
(4)
.
وقال الذهبي عن شريك: "في حديث الإسراء من طريقه: ألفاظ لم يُتابع عليها"
(5)
.
وقال أيضًا عن حديث شريك: "هذا من غرائب الصحيح"
(6)
.
= عبد الله بن الحسين الأزدي الأندلسي الإشبيلي، المعروف في زمانه بابن الخرَّاط، كان فقيهًا عالمًا بالحديث وعلله، عارفًا بالرجال، مشاركًا في الأدب وقول الشعر، موصوفًا بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة، له مؤلفات من أشهرها: الجمع بين الصحيحين، توفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة (581). [انظر: السير (21/ 198)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1350)، والعبر (3/ 82)، وشذرات الذهب (4/ 271)].
(1)
يعني: طريق قتادة وثابت والزهري.
(2)
الجمع بين الصحيحين (1/ 127)، وانظر: شرح النووي على مسلم (2/ 568)، والفتح (13/ 484).
(3)
إكمال المعلم (1/ 497).
(4)
زاد المعاد (3/ 42).
(5)
السير (6/ 160).
(6)
ميزان الاعتدال (3/ 372).
وقال ابن كثير: "شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث، وساء حفظه ولم يضبطه"
(1)
.
وقال ابن رجب عن حديث شريك: "فيه ألفاظ استُنكرت على شريك، وتفرد بها"
(2)
.
وقال ابن حجر عن شريك: "هو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وتفرد فيه بأشياء لم يُتابع عليها"
(3)
.
وقال أيضًا: "خالف فيه شريك أصحاب أنس في إسناده ومتنه"
(4)
.
ولكثرة ما استُشكل في حديث شريك -حيث عُدَّ فيه أكثر من عشر إشكالات- فقد اتبعت طريقةً تتناسب مع كثرتها، وذلك أنني عندما أورد الإشكال المعين، أذكر كل ما يتعلق به، بما في ذلك الترجيح إن أمكن، ثم أنتقل إلى الإشكال الآخر، وهكذا
…
وقبل الانتقال إلى هذه الإشكالات يحسن التنبيه على أمرين:
الأول: أن حديث الإسراء مما أجمع عليه المسلمون
(5)
، وقد نصَّ عدد من أهل العلم على تواتر أحاديث الإسراء والمعراج، كالبغوي
(6)
، والقرطبي
(7)
، وابن تيمية، وابن القيم
(8)
، وغيرهم.
قال ابن تيمية: "وأحاديث المعراج، وصعوده إلى ما فوق السماوات، وفرض الرب عليه الصلوات الخمس حينئذ، ورؤيته لما رآه من الآيات،
(1)
تفسير القرآن العظيم (3/ 7).
(2)
فتح الباري (2/ 311).
(3)
الفتح (11/ 341)، وانظر:(13/ 480).
(4)
هدي الساري (383).
(5)
انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 41)، والأنوار الكاشفة للمعلمي (121).
(6)
انظر: معالم التنزيل (3/ 92).
(7)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (10/ 205).
(8)
انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (98).
والجنة والنار، والملائكة والأنبياء في السموات، والبيت المعمور، وسدرة المنتهى، وغير ذلك: معروف متواتر في الأحاديث"
(1)
.
مع العلم أن الإسراء ثابت بنص كتاب الله تعالى، كما قال جلَّ وعلا:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].
وبعض أهل العلم يرى أن المعراج كذلك، أي: ثابت بكتاب الله تعالى، كما في الآيات في أوائل سورة النجم، وقد أشار إليه -أيضًا- في الآية السابقة بقوله:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} ، فإن هذا يوافق قوله تعالى في سورة النجم:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18]، فإن المراد بها ما رآه في معراجه مما لم يره أحد من الناس، كرؤية جبريل، وسدرة المنتهى، وغير ذلك
(2)
.
والأمر الثاني: تحرير القول في شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وذلك بذكر أقوال الأئمة فيه، كما يلي:
قال عنه ابن سعد
(3)
: ثقة كثير الحديث.
وقال أبو داود
(4)
: ثقة.
(1)
الجواب الصحيح (6/ 168)، وانظر:(6/ 165).
(2)
انظر: الجواب الصحيح (6/ 165 - 166)، والشفاء (106)، ومعارج القبول (2/ 312).
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري البصري، كاتب الواقدي وصاحب الطبقات، كان حافظًا علامةً حجة، طلب العلم في صغره ولحق بالكبار، وكان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب، توفي في بغداد سنة ثلاثين ومائتين (230). [انظر: وفيات الأعيان (4/ 160)، والسير (10/ 664)، وتذكرة الحفاظ (2/ 425)، والتقريب (2/ 79)].
(4)
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني، صاحب السنن، إمام حافظ محدث ثقة، وكان مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، =
وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس.
وقالا مرة: ليس بالقوي.
وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه.
وقال ابن عدي
(1)
: إذا روى عنه ثقة فلا بأس بروايته
(2)
.
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ
(3)
.
وخلاصة الأمر في شريك ما قاله ابن حجر: "صدوق يخطئ"
(4)
.
وقال أيضًا بعد ذكره لأقوال الأئمة فيه: "قلت: احتج به الجماعة، إلا أن في روايته عن أنس لحديث الإسراء مواضع شاذة"
(5)
.
* * *
= وكتابه يدل على ذلك، وكان من نجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدَّة وسأله عن دقائق المسائل في الفروع والأصول، توفي رحمه الله سنة (275). [انظر: تاريخ بغداد (9/ 56)، ووفيات الأعيان (2/ 337)، والسير (13/ 203)، والتقريب (1/ 382)].
(1)
هو الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن مبارك بن القطان الجرجاني، كان ثقة متقنًا ناقدًا، أكثر الترحال في طلب العلم، فرحل إلى الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان والجبال، وطال عمره وعلا سنده، توفي رحمه الله سنة (365 هـ) له مصنفات أشهرها: الكامل في ضعفاء الرجال. [انظر: تذكرة الحفاظ (3/ 940)، والسير (16/ 154)، والعبر (2/ 121)، وشذرات الذهب (3/ 51)].
(2)
انظر: الكامل (4/ 1321)، وميزان الاعتدال (2/ 269)، والسير (6/ 159)، وتهذيب التهذيب (4/ 308)، وهدي الساري (409 - 410).
(3)
انظر: الثقات (4/ 360).
(4)
تقريب التهذيب (1/ 418).
(5)
هدي الساري (410)، وانظر: الفتح (13/ 485).