الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال
اختلف أهل العلم في الجواب على هذا الحديث على أقوال، أهمها:
القول الأول: أن هذا خاص بأبي طالب، ولذلك عدوه في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وأما سائر الكفار فإن حسناتهم وخيراتهم لا تنفعهم شيئًا يوم القيامة، بسبب كفرهم.
وإلى هذا ذهب البيهقي وابن كثير
(1)
وغيرهما
(2)
.
قال البيهقي: ووجهه عندي أن الشفاعة في الكفار إنما امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد، وهو عام في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه
(3)
.
وقال: ويصح لمن ذهب هذا المذهب في خيرات الكافر أن يقول: إن ما خُصَّ به أبو طالب من التخفيف إنما هو لأجل النبي صلى الله عليه وسلم، تطييبًا لقلبه وثوابًا له في نفسه لا لأبي طالب، لأن حسناته صارت بموته على الكفر هباءً منثورًا، وقد ورد أن ثواب الكافر على إحسانه إنما يكون في الدنيا
(4)
.
(1)
انظر: النهاية (2/ 37).
(2)
انظر: المنهاج للحليمي (1/ 390)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (2/ 61)، والتذكرة (2/ 15)، وفتاوى نور على الدرب، من أجوبة سماحة الشيخ ابن باز (1/ 117)، والقول المفيد (1/ 334).
(3)
انظر: البعث والنشور (61)، والجامع لشعب الإيمان (2/ 61، 66)، والفتح (11/ 431).
(4)
انظر: الجامع لشعب الإيمان (2/ 66)، والبعث (61)، والمنهاج للحليمي (1/ 390).
واستدل أصحاب هذا القول على أن سائر الكفار لا تنفعهم حسناتهم في الآخرة بعدة أدلة
(1)
، منها:
1 -
قوله تعالى عن الكفار: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} [المدثر: 48].
2 -
وقوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23].
3 -
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال:(لا إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، رواه مسلم
(2)
.
4 -
حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)، رواه مسلم
(3)
.
القول الثاني: أن هذا التخفيف ليس خاصًا في أبي طالب، وإنما هو عام في سائر الكفار، فجزاء خيراتهم تخفيف العذاب عنهم، وعلى هذا يكون معنى المنفعة في الآية غير معنى المنفعة في الحديث: فالمراد بها في الآية: الإخراج من النار، والمراد بها في الحديث: التخفيف من العذاب
(4)
.
(1)
انظر: الجامع لشعب الإيمان (2/ 61 - 62)، والتذكرة (2/ 15)، والنهاية لابن كثير (2/ 37)، والفتح (11/ 431).
(2)
صحيح مسلم (3/ 87) ح (214).
(3)
صحيح مسلم (17/ 155) ح (2808).
(4)
انظر: المنهاج للحليمي (1/ 390)، والجامع لشعب الإيمان (2/ 59)، والمعلم (1/ 207)، و (3/ 198)، وإكمال المعلم (8/ 341)، وشرح النووي على مسلم (3/ 87)، والنهاية في الفتن (2/ 37)، ومجموع الفتاوى (1/ 144)، والفتح (11/ 431).
وإلى هذا ذهب القرطبي وجوَّزه البيهقي
(1)
، وهو ظاهر قول ابن أبي العز
(2)
.
قال القرطبي: "خيرات الكافر توزن ويجزى بها، إلا أن إلله تعالى حرم عليه الجنة، فجزاؤه أن يخفف عنه، بدليل حديث أبي طالب"
(3)
.
واستدل هؤلاء بما يلي
(4)
:
1 -
قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)} [الأنبياء: 47]، فقالوا: إن الآية تشمل الكافر حيث لم يفصل الله تعالى بين نفس ونفس.
2 -
حديث أبي طالب، حيث نفعه إحسانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عنه، فكان كل ذي خيرات وإحسان من الكفار مثله في هذا.
3 -
ما رواه البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير أنه قال: "ثُويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أُريه بعض أهله بشرِّ حيبة
(5)
، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم غير أني سُقيت في هذه
(6)
بعتاقتي ثويبة"
(7)
.
وأجابوا عن أدلة القول الأول من الآيات والأحاديث، بأن المراد: أنه لا يكون لحسنات الكافر موقع التخلص من النار والإدخال في الجنة،
(1)
انظر: البعث والنشور (62).
(2)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (289).
(3)
التذكرة (2/ 15).
(4)
انظر: المنهاج (1/ 390)، والجامع لشعب الإيمان (2/ 59)، والبعث (63)، والتذكرة (2/ 15).
(5)
"أي: سوء حال" الفتح (9/ 145).
(6)
جاء في بعض الروايات: "وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع" انظر: الفتح (9/ 145).
(7)
صحيح البخاري (5/ 1961) ح (4813).
وأما التخفيف من العذاب فإنه ممكن، لهذه الأدلة
(1)
.
القول الثالث: إنكار الحديث في تخفيف العذاب على أبي طالب، وعدم القول بثبوته. وإلى هذا ذهب الحليمي
(2)
.
* * *
(1)
انظر: المنهاج (1/ 190)، والجامع لشعب الإيمان (2/ 64)، والمفهم (1/ 460)، والتذكرة (2/ 15).
(2)
انظر: المنهاج (1/ 390)، والجامع لشعب الإيمان (2/ 66).