الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب)، رواه البخاري
(1)
.
بيان وجه الإشكال
لما كان طلوع الشمس من مغربها مؤذنًا بإغلاق باب التوبة وعدم قبول الإيمان، فلا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، كان هذا الحديث -وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها) - مشكلًا لأن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر الزمان يدعو الناس إلى الإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو القتل، وهذا يدل على أن الإيمان في زمنه نافع ومقبول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لَيُوْشِكَنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَمًا مقسطًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) متفق عليه
(2)
.
فلو كان طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات لم يحصل هذا في زمن عيسى عليه السلام لأن الإيمان غير نافع حينئذ، وباب التوبة مغلق، كما تقدم.
قال الحَلِيْمي
(3)
: "فأما أول الآيات: ظهور الدجال، ثم نزول عيسى
(1)
هو جزء من حديث رواه البخاري في عدة مواضع: فرواه في كتاب: الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (3/ 1211) ح (3151)، وفي كتاب: فضائل الصحابة، باب: كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه (3/ 1432) ح (3723)، وفي كتاب: التفسير، باب: قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} (4/ 1628) ح (4210)، وأخرجه معلقًا في كتاب: الفتن، باب: خروج النار (6/ 2605).
(2)
البخاري: (2/ 774) ح (2109)، ومسلم (2/ 548) ح (155).
(3)
هو العلامة أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي، صاحب وجوه حسان في المذهب، كان من أذكياء زمانه ومن فرسان النظر، له يد طولى في العلم والأدب أخذ عن الحاكم وغيره توفي رحمه الله سنة (403 هـ)، =
صلوات الله عليه، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ويبين ذلك أن الكفار في وقت عيسى عليه السلام يفنون، لأن منهم من يُقتل، ومنهم من يسلم، وتضع الحرب أوزارها، فيُستغنى عن القتال على الدين، بذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أمام عيسى عليه السلام، ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدًا بإسلام من يسلم منهم"
(1)
.
وبنحو هذا القول قال القرطبي
(2)
.
وقال ابن كثير: ينزل عيسى عليه السلام فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل الجزية، ولكن من أسلم قبل منه إسلامه وإلا قتل، وكذلك حكم سائر كفار الأرض يومئذ
(3)
.
وقال السفاريني: "في حديث مسلم أن أول الآيات: طلوع الشمس من مغربها، وقد استُشكل بأنه لو كان كذلك لم ينفع الكفار إيمانهم بعد نزول عيسى عليه السلام، ولا الفساق توبتهم، لانغلاق باب التوبة، وقد جاء النص بأنه ينفعهم ذلك جزمًا، وإلا لما صار الدين واحدًا، ولا كان في نزوله كبير فائدة".
(4)
.
وإضافة إلى ما تقدم فإن هذا الحديث مشكل من وجه آخر، وهو أنه
= وله تصانيف عديدة أشهرها: المنهاج في شعب الإيمان. [انظر: وفيات الأعيان (2/ 116)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1030)، والعبر (2/ 205)، وشذرات الذهب (3/ 167)].
(1)
المنهاج في شعب الإيمان (1/ 428)، وانظر: عون المعبود (11/ 286)، وتحفة الأحوذي (6/ 416).
(2)
انظر: التذكرة (2/ 588).
(3)
انظر: النهاية في الفتن (193).
(4)
لوامع الأنوار (2/ 141)، وانظر: بهجة الناظرين وآيات المستدلين لمرعي بن يوسف الكرمي (395) تحقيق خليل إبراهيم أحمد، رسالة دكتوراة -غير مطبوعة- في الجامعة الإسلامية.
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب).
وثمة إشكال آخر وهو أنه جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الآيات التي تكون قبل قيام الساعة فقال في آخرها: (وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم)
(1)
، فهذا الحديث في ظاهره يعارض الحديث المتقدم، وسيأتي الجواب عنه في نهاية المطلب الثالث إن شاء الله تعالى.
* * *
(1)
صحيح مسلم: كتاب: الفتن، باب: في الآيات التي تكون قبل الساعة (18/ 243) ح (2901).