الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان بها والتعظيم لها، والرغبة فيها والعبرة في معانيها"
(1)
.
وقال حافظ الحكمي: "والظاهر أن معنى حفظها وإحصائها، هو معرفتها والقيام بعبوديتها، كما أن القرآن لا ينفع حفظ ألفاظه من لا يعمل به، بل جاء في المُرَّاقِ من الدين أنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم"
(2)
.
وأختم هذه المسألة بما حرره العلّامة ابن القيم رحمه الله، حيث بيَّن أن للإحصاء ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها.
المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، وهو مرتبتان:
إحداهما: دعاء ثناء وعبادة.
والثاني: دعاء طلب ومسألة.
فلا يُثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يُسأل إلا بها
(3)
.
المسألة الثانية: هل يمكن معرفة الأسماء الحسنى، التسعة والتسعين علي وجه التعيين
؟
الصحيح أنه لم يرد في تعيينها حديث صحيح، وما ورد من تعيين لها في بعض الروايات، فهو مدرج فيها، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك صرح جمع من أهل العلم كما سيأتي.
وبيان ذلك: أن حديث التعيين جاء من ثلاثة طرق
(4)
:
(1)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (7/ 213)، وانظر: الفتح (11/ 226).
(2)
معارج القبول (1/ 77).
(3)
انظر: بدائع الفوائد (1/ 136).
(4)
انظر: فتح الباري (11/ 215)، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى (79 - 98) للدكتور محمد بن خليفة التميمي.
الطريق الأولى: أخرجها الترمذي وغيره
(1)
من طريق الوليد بن مسلم، قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور).
وهذه الطريق هي أشهر الطرق وأجودها إسنادًا، ولذا كثر كلام أهل العلم عليها، بين مصحح ومضعف، وسأبين ذلك بعد إيراد بقية الطرق.
الطريق الثانية: وقد جاءت عند ابن ماجه
(2)
من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني، قال: حدثنا أبو المنذر زهير بن محمد التميمي، حدثنا موسى بن عقبة، حدثني عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، إنه وتر يحب الوتر، من
(1)
سنن الترمذي (تحفة 9/ 482) ح (3574)، وأخرجه أيضًا: ابن حبان في صحيحه (3/ 88) ح (808)، والحاكم في مستدركه (1/ 62) ح (41)، وابن منده في كتاب التوحيد (2/ 205) ح (366)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 22) ح (6)، وفي الاعتقاد (18)، والبغوي في شرح السنة (5/ 32) ح (1257).
(2)
سنن ابن ماجه (2/ 1269) ح (3861).
حفظها دخل الجنة، وهي: الله الواحد الصمد الأول الآخر الظاهر الباطن الخالق البارئ المصور الملك الحق السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم اللطيف الخبير السميع البصير العليم العظيم البار المتعال الجليل الجميل الحي القيوم القادر القاهر العلي الحكيم القريب المجيب الغني الوهاب الودود الشكور الماجد الواجد الوالي الراشد العفو الغفور الحليم الكريم التواب الرب المجيد الولي الشهيد المبين البرهان الرؤوف الرحيم المبدئ المعيد الباعث الوارث القوي الشديد الضار النافع الباقي الواقي الخافض الرافع القابض الباسط المعز المذل المقسط الرزاق ذو القوة المتين القائم الدائم الحافظ الوكيل الفاطر السامع المعطي المحيي المميت المانع الجامع الهادي الكافي الأبد العالم الصادق النور المنير التام القديم الوتر الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد).
قال زهير
(1)
: فبلغنا من غير واحد من أهل العلم أن أولها يفتح بقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى.
قال البوصيري
(2)
: "إسناد طريق ابن ماجه ضعيف، لضعف
(1)
هو الحافظ المحدث زهير بن محمد التميمي أبو المنذر المروزي الخرساني، سكن الشام ثم الحجاز، خرَّج له أرباب الكتب الستة، لكن رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضُعِّف بسببها، توفي سنة (162). [انظر: السير (8/ 187)، والعبر (1/ 183)، وتقريب التهذيب (1/ 316)].
(2)
هو شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم البوصيري الكناني الشافعي، من حفاظ الحديث، سكن القاهرة ولازم العراقي على كبر فسمع منه الكثير، ولازم ابن حجر وكتب عنه بعض كتبه، له تصانيف حسنة منها: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، وزوائد سنن البيهقي الكبرى على الكتب الستة، توفي رحمه الله سنة أربعين وثمانمائة (840). [انظر: حسن المحاضرة (1/ 310)، وشذرات الذهب (7/ 233)، وذيل تذكرة الحفاظ (379)، والأعلام (1/ 104)].
عبد الملك بن محمد الصنعاني"
(1)
.
قلت: وعبد الملك هذا قال فيه ابن حبان: "لا يجوز الاحتجاج بروايته"
(2)
.
وقال الذهبي: "ليس بحجة"
(3)
.
وقال ابن حجر: "ليّن الحديث"
(4)
.
فالحديث من هذا الطريق لا يصح.
ونص على ضعف هذه الطريق -أيضًا- شيخ الإسلام ابن تيمية
(5)
، والألباني
(6)
، عليهما رحمة الله.
الطريق الثالثة: أخرجها الحاكم وغيره
(7)
من طريق عبد العزيز بن الحصين قال: حدثنا أيوب السختياني وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة: الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبدئ المعيد النور الأول الآخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الكافي الباقي الوكيل المجيد المغيث الدائم المتعال ذو الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين
(1)
مصباح الزجاجة (3/ 208).
(2)
نقل ذلك عنه ابن حجر فى تهذيب التهذيب (6/ 368).
(3)
الكاشف (2/ 188).
(4)
تقريب التهذيب (1/ 619).
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (22/ 482)، و (8/ 97).
(6)
انظر: ضعيف سنن ابن ماجه (314) ح (776).
(7)
المستدرك (1/ 63) ح (42)، وأخرجه أيضًا: البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 32) ح (10)، وفي الاعتقاد (19).
الباعث المجيب المحيي المميت الجميل الصادق الحفيظ الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر المالك القدير الهادي الشاكر الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق الكفيل الجليل الكريم).
قال الحاكم: وعبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ثقة وإن لم يخرجاه.
فتعقبه الذهبي بقوله: بل ضعفوه.
قال البيهقي: "تفرد بهذه الرواية عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، وهو ضعيف الحديث عند أهل النقل، ضعفه يحيى بن معين، ومحمد بن إسماعيل البخاري"
(1)
.
وقال فيه الإمام مسلم: "ذاهب الحديث"
(2)
.
وقال النسائي: "متروك الحديث"
(3)
.
وقال ابن حجر: "متفق على ضعفه"
(4)
.
فالحديث من هذا الطريق -أيضًا- لا يصح.
هذه هي طرق الحديث -الذي ورد فيه تعيين الأسماء التسعة والتسعين- التي تم الوقوف عليها، وكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة:
أما الطريق الثانية والثالثة فقد تقدم بيان ضعفهما.
(1)
الأسماء والصفات (1/ 33)، وانظر: الضعفاء الصغير للبخاري (459) الترجمة (225) مطبوع ضمن كتاب: المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(2)
الكنى والأسماء (1/ 400).
(3)
الضعفاء والمتروكون (157) الترجمة (391) مطبوع ضمن كتاب المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(4)
التلخيص الحبير (4/ 319)، وانظر للاستزادة من أقوال الحفاظ فيه: تاريخ بغداد (10/ 438)، وميزان الاعتدال (4/ 362).
وأما الطريق الأولى -طريق الوليد بن مسلم- فهي أشهر هذه الطرق وأهمها، ولذا كثر الكلام حولها، حيث ذهب إلى تصحيحها الحاكم
(1)
وابن حبان
(2)
وأبو عبد الله القرطبي
(3)
وحسنها النووي
(4)
، ومال إلى تصحيحها الشوكاني
(5)
.
والحق أن هذه الطريق ضعيفة أيضًا، والأسماء فيها مدرجة من بعض الرواة، وفيما يلي بيان أوجه ضعفها:
1 -
الاضطراب في السند، كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر
(6)
رحمه الله.
وكذا الاختلاف في المتن، حيث وقع الاختلاف بين روايات هذه الطريق، في سرد الأسماء، وذلك بالزيادة والنقص، والتقديم والتأخير.
فالرواية المشهورة عن الوليد بن مسلم، والتي عوَّل عليها غالب من شرح الأسماء الحسنى، وهي التي أخرجها الترمذي
(7)
قد خالفتها عدة روايات عن الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد:
فجاء عند الطبراني: (القائم الدائم) بدل (القابض الباسط)،
(1)
انظر: المستدرك (1/ 62 - 63).
(2)
انظر: صحيح ابن حبان (3/ 88).
(3)
انظر: الجامع لأحكام القرآن (7/ 325). والقرطبي هو: الإمام المفسر محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي القرطبي، كان إمامًا علمًا من الغواصين على معاني الحديث، حسن التصنيف جيد النقل، توفي رحمه الله بمصر سنة (671 هـ) له مؤلفات عدة أشهرها التفسير المسمى: الجامع لأحكام القرآن، وكتاب التذكرة. [انظر: نفح الطيب (2/ 210)، وشذرات الذهب (5/ 335)، والأعلام (5/ 322)].
(4)
انظر: الأذكار (151).
(5)
انظر: تحفة الذاكرين (54).
(6)
انظر: الفتح (11/ 215).
(7)
تقدم ذكرها ص (208).
و (الشديد) بدل (الرشيد)، و (الأعلى، المحيط، مالك يوم الدين) بدل (الودود، المجيد، الحكيم).
وجاء عند ابن حبان: (الرافع) بدل (المانع).
وجاء عند ابن خزيمة في صحيحه: (الحاكم) بدل (الحكيم)، و (القريب) بدل (الرقيب)، و (المولى) بدل (الوالي)، و (الأحد) بدل (المغني).
ووقع في رواية البيهقي وابن منده: (المغيث) بدل (المقيت).
ووقع في رواية الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد -كما عند أبي نعيم في جزئه
(1)
- مخالفة لهذه الرواية في أربعة وعشرين اسمًا، مع مخالفتها لها في الترتيب:
فليس في رواية زهير: (الفتاح، القهار، الحكم، العدل، الحسيب، الجليل، المحصي، المقتدر، المقدم، المؤخر، البر، المنتقم، المغني، النافع، الصبور، البديع، القدوس، الغفار، الحفيظ، الكبير، الواسع، الماجد، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام).
وذكر بدلها: (الرب، الفرد، الكافي، الدائم، القاهر، المبين، الصادق، الجميل، البادئ، القديم، البارّ، الوفي، البرهان، الشديد، الواقي، القدير، الحافظ، العادل، المعطي، العالم، الأحد، الأبد، الوتر، ذو القوة)
(2)
.
قال الحافظ ابن حجر مبينًا السبب في عدم إخراج البخاري ومسلم لهذه الرواية التي فيها سرد الأسماء: "وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط، بل الاختلاف، والاضطراب، وتدليسه، واحتمال الإدراج"
(3)
.
(1)
انظر: جزء فيه طريق حديث (إن لله تسعة وتسعين اسمًا) لأبي نعيم الأصبهاني (107) ح (18).
(2)
انظر: فتح الباري (11/ 216)، وأسماء الله الحسنى لابن حجر (47).
(3)
الفتح (11/ 215).
2 -
تدليس الوليد بن مسلم، وتدليسه من شر أنواع التدليس، وهو تدليس التسوية
(1)
.
قال الدارقطني: الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن ضعفاء عن شيوخ أدركهم الأوزاعي، كنافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء مثل عبد الله بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم، ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري
(2)
.
وقال أبو مسهر
(3)
: "الوليد مدلس، وربما دلس عن الكذابين"
(4)
.
وقال ابن حجر: "الوليد بن مسلم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية"
(5)
.
وقال ابن الوزير: "الوليد مدلس مكثر من التدليس حتى عن الكذابين، ونعني تدليس التسوية، فلا ينفع قوله: حدثنا ولا سمعت، لأن معنى تدليس التسوية: أنه قد سمع من شيخه شعيب، ثم أسقط شيخَ شعيب الذي بينه وبين أبي الزناد، فيحتمل أن يكون في الإسناد ساقط ضعيف، بل كذاب، فكيف يُحسَّن الحديث مع هذا؟
(1)
وهو نوع من أنواع تدليس الإسناد، وصورته: أن يروي الراوي حديثًا عن شيخ ثقة، وذلك الثقة يرويه عن ضعيف عن ثقة، ويكون الثقتان قد لقي أحدهما الآخر، فيأتي المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيُسقط الضعيف الذي في السند، ويجعل الإسناد عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيُسوِّي الإسناد كله ثقات. [انظر: فتح المغيث (1/ 226 - 227)، وتدريب الراوي (1/ 257)، وتيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان (81)].
(2)
انظر: الضعفاء والمتروكون (415)، وتهذيب الكمال للمزي (31/ 97).
(3)
هو عالم أهل الشام عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغساني الدمشقي، إمام فاضل ثقة فقيه، حديثه في الكتب الستة، وكان ممن امتحنه المأمون وسجنه في فتنة القول بخلق القرآن، وتوفي في السجن سنة ثمان عشرة ومائتين (218). [انظر: تاريخ بغداد (11/ 72)، والسير (10/ 228)، وتذكرة الحفاظ (1/ 380)، وتقريب التهذيب (1/ 552)، وشذرات الذهب (2/ 44)].
(4)
نقل ذلك عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (7/ 142).
(5)
تقريب التهذيب (2/ 289).
وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عيينة، عن أبي الزناد، بغير ذكر الأسماء.
ورواه البخاري والنسائي من حديث شعيب، بغير ذكرها.
ورواه البخاري عن أبي اليمان الحكم بن نافع، والنسائي عن علي بن عياش، كلاهما عن شعيب، بغير ذكر الأسماء"
(1)
.
قلت: ورُوي هذا الحديث عن الوليد بن مسلم، لكن من طريق أخرى، كما عند الدارمي في النقض على المريسي
(2)
بدون ذكر الأسماء
(3)
.
3 -
الإدراج، حيث ذهب جمع من أهل العلم إلى أن سرد الأسماء ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مدرج في الحديث، أدرجه الوليد بن مسلم عن بعض شيوخه.
وقد جاء في بعض الروايات ما يؤكد ذلك، وإليك البيان:
1 -
جاء عند أبي نعيم من طريق الوليد بن مسلم، قال: حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لله تسعة وتسعون اسمًا، مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة).
قال زهير: "فبلغنا عن غير واحد من أهل العلم أن أولها: أن يفتتح بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير
…
"
(4)
، ثم سرد الأسماء.
فهذه الرواية تابع فيها الوليدُ بن مسلم، عبدَ الملك بن محمد -كما تقدم في الطريق الثانية- فكلاهما روى حديث سرد الأسماء عن زهير بن محمد، واتفقا في بقية السند، وبين الروايتين اختلافات كثيرة، أهمها هنا:
(1)
العواصم والقواصم (7/ 202).
(2)
(1/ 180).
(3)
انظر: الفتح (11/ 215).
(4)
جزء فيه طريق حديث: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا) لأبي نعيم الأصبهاني (107) ح (18).
أن كلام زهير جاء في رواية عبد الملك متأخرًا عن سرد الأسماء، غير صريح في الإدراج، بخلاف رواية الوليد -كما هنا- فإن كلام زهير جاء متقدمًا على سرد الأسماء، وصريحًا في الإدراج كما ترى
(1)
.
2 -
ساق الدارمي هذا الحديث بسنده، عن هشام بن عمار الدمشقي عن الوليد بن مسلم، بدون ذكر الأسماء.
ثم قال الدارمي: "قال هشام: وحدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز، مثل ذلك، وقال: كلها في القرآن: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم
…
"
(2)
، ثم سرد الأسماء.
فهذه الرواية تشعر بأن سرد الأسماء من قول سعيد بن عبد العزيز، أدرجه الوليد بن مسلم في متن الحديث.
وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: "الحديث الذي في عدد الأسماء الحسنى
…
ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا ذكره الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أو عن بعض شيوخه"
(3)
.
وقال أيضًا: "وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين -أي رواية الترمذي وابن ماجه- ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كل منهما من كلام بعض السلف، فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين، كما جاء مفسرًا في بعض طرق حديثه، ولهذا اختلفت أعيانهما عنه، فروي عنه في إحدى الروايات من الأسماء بدل ما يذكر في الرواية الأخرى"
(4)
.
وقال أيضًا: "إن التسعة والتسعين اسمًا لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه
(1)
انظر: أسماء الله الحسنى لابن حجر (46).
(2)
النقض على المريسي (1/ 181 - 182).
(3)
مجموع الفتاوى (8/ 96).
(4)
مجموع الفتاوى (6/ 379).
الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث"
(1)
.
وقد تتابعت أقوال أهل العلم في تقرير ذلك، وإليك بعض النقول عنهم:
قال البيهقي: "ويحتمل أن يكون التفسير وقع من بعض الرواة"
(2)
.
وقال البغوي
(3)
: "يحتمل أن يكون ذكر هذه الأسامي من بعض الرواة"
(4)
.
وقال ابن عطية: "في سرد الأسماء نظر، فإن بعضها ليس في القرآن ولا في الحديث الصحيح"
(5)
.
وقال ابن العربي: "يحتمل أن يكون ذلك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ذلك من غيره، وهو الظاهر عندي"
(6)
.
وقال ابن حزم: "وجاءت أحاديث في إحصاء التسعة والتسعين اسمًا، مضطربة، لا يصح منها شيء أصلًا"
(7)
.
(1)
مجموع الفتاوى (22/ 482)).
(2)
الأسماء والصفات (1/ 33).
(3)
هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء الشافعي، المحدث المفسر، صاحب التصانيف، وعالم أهل خراسان، كان بحرًا في العلوم زاهدًا قانعًا، توفي رحمه الله سنة (516 هـ) له مؤلفات عديدة من أهمها وأشهرها: معالم التنزيل في التفسير، وشرح السنة. [انظر: وفيات الأعيان (2/ 115)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1257)، والعبر (2/ 406)، وشذرات الذهب (4/ 48)].
(4)
شرح السنة (5/ 35).
(5)
نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح (11/ 215).
(6)
عارضة الأحوذي (7/ 33).
(7)
المحلى (6/ 282).
وقال الداودي
(1)
: "لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّن الأسماء المذكورة"
(2)
.
وقال ابن القيم: "والصحيح أنه -أي العد- ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم"
(3)
.
وقال ابن كثير: "والذي عوَّل عليه جماعة من الحفاظ، أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه"
(4)
.
وقال ابن حجر: "ورواية الوليد تشعر بأن التعيين مدرج"
(5)
.
وقال أيضًا: "والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة"
(6)
.
وقال الصنعاني
(7)
: "اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة"
(8)
.
(1)
هو الإمام العلامة القدوة أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن معاذ الداوودي البوشنجي شيخ خراسان علمًا وفضلًا وجلالة وسندًا وكان عابدًا محققًا درَّس وأفتى ووعظ، توفي رحمه الله سنة (467 هـ). [انظر: السير (18/ 222)، والعبر (2/ 322)، وشذرات الذهب (3/ 326)].
(2)
نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح (11/ 217).
(3)
مدارج السالكين (3/ 433).
(4)
تفسير ابن كثير (2/ 425).
(5)
فتح الباري (11/ 216)، وانظر:(11/ 217).
(6)
بلوغ المرام (284).
(7)
هو العلامة المجتهد محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الكحلاني ثم الصنعاني، المعروف بالأمير الصنعاني، من بيت الإمامة في اليمن فهو من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، برع في جميع العلوم وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وأُصيب بمحن كثيرة من الجهلاء والعوام، توفي رحمه الله سنة (1182 هـ)، وله مؤلفات كثيرة منها: سبل السلام شرح بلوغ المرام، وتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد. [انظر: البدر الطالع (2/ 133)، والأعلام (6/ 38)].
(8)
سبل السلام (4/ 208).