المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لعقبك يعني لذريتك من بعدك ، فهنا دخلت في الميراث، - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: لعقبك يعني لذريتك من بعدك ، فهنا دخلت في الميراث،

لعقبك يعني لذريتك من بعدك ، فهنا دخلت في الميراث، فإذا قال له: هي لك ولعقبك أدخلت أولاده فيها؛ خرجت من ملكه مطلقاً وصارت للآخر.

وأما إذا قال له: هي لك مدة حياتك ولم يذكر العقب؛ فتبقى في ملك الأول، وللثاني أن يستعملها ما دام حيّاً، فإذا مات رجعت إلى ملك الأول أو إلى ورثة الأول.

هذا هو التفصيل الذي دل عليه حديث جابر الأخير وهو الأصح إن شاء الله.

والرقبى كالعمرى في أحكامها تماماً. والله أعلم.

قال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قالوا: إذا قال: هي لك حياتك ولعقبك، فإنها لمَن أُعمِرها، لا ترجع إلى الأول، وإذا لم يقل: لعقبك؛ فهي راجعة إلى الأول إذا مات المُعمَر، وهو قول مالك بن أنس، والشافعي.

وروي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة لأهلها» ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا: إذا مات المُعمَر فهي لورثته، وإن لم تُجعَل لِعقِبه. وهو قول سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق. والله أعلم

وقال رحمه الله في الرُّقبَى: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن الرقبى جائزة مثل العمرى، وهو قول أحمد، وإسحاق.

وفرق بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم بين العمرى والرقبى، فأجازوا العمرى، ولم يُجيزوا الرقبى.

وتفسير الرقبى أن يقول: هذا الشيء لك ما عشت، فإن مُتَّ قبلي فهي راجعة إليَّ.

وقال أحمد وإسحاق: الرقبى مثل العمرى، وهي لمن أُعطيها، ولا ترجع إلى الأول.

‌كتاب الأَيمَان

الأَيمَان: جمع يمين، أصلها في اللغة: اليد، وأُطلقت على الحَلْف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل واحد بيمين صاحبه.

أما شرعاً: فاليمين هو توكيد الشيء بذكر اسمٍ أو صفة لله تبارك وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله: (والحَلْفُ إنما يكونُ باسمِ اللهِ تَعالى أو صِفةٍ له، ويَحرُمُ بغيرِ ذلك)

يقال: الحَلْف والحَلِف، هما لغتان عند العرب.

والحَلْف إنما يكون باسم الله تعالى أو صفة له ويحرم بغير ذلك.

ص: 473

اتفق العلماء على أن من حلف فقال: بالله أو تالله أو والله فحنث، أن عليه كفارة، أي أن هذه الأيمان بالحروف الثلاثة الباء والتاء والواو؛ أيمان معقودة، وإذا حلف باسمٍ من أسماء الله تعالى كـ (والله أو والرحمن) فعليه الكفارة إذا حنث، نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (1).

فاليمين ينعقد بأسماء الله تبارك وتعالى وبصفاته كـ (وعزة الله أو ورحمة الله)، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَن كان حَالفاً فليحلفْ باللهِ أو لِيصْمُتْ» (2) ولا ينعقد اليمين بغير ذلك.

الحلف بالله يكون بأسمائه وصفاته كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة.

وحروف القَسَم في لغة العرب: الواو والتاء والباء.

ومن أيمان النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده» ، هذا اليمين كان يكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم.

«ومقلب القلوب» ، و «والله» ، و «ورب الكعبة» ، و «والذي نفس محمد بيده» ، هذه كلها أيمان حلف بها النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يجوز الحلف بغير الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (3) متفق عليه،

وقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله» (4) متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم «لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم» (5) أخرجه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من حلف فقال في حلفه: باللات والعزى، فليقل لا إله إلا الله» (6) متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من حلف بغير الله فقد أشرك» (7) أخرجه أبو داود من حديث

ابن عمر رضي الله عنهما.

الطواغي، هي الطواغيت جمع طاغوت، قال الإمام مالك: كل ما عبد من دون الله. انتهى أي وهو راضٍ.

قال العلماء: الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله، أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله، فلا يضاهى به غيره.

(1) الإجماع (ص 114)، وانظر مراتب الإجماع لابن حزم (ص 159).

(2)

أخرجه البخاري (2679)، ومسلم (1646).

(3)

أخرجه البخاري (6646)، ومسلم (1646) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه البخاري (3836)، ومسلم (1646) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه مسلم (1648) من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.

(6)

أخرجه البخاري (6650)، ومسلم (1647) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

أخرجه أحمد (4904)، وأبوداود (3251)، والترمذي (1535) من حديث سعد بن عبيدة عن ابن عمر، ولم يسمعه منه سمعه بواسطة محمد الكندي، بين ذلك البيهقي في سننه، والكندي مجهول. فالحديث ضعيف. والله أعلم

ص: 474

هذا هو السبب الذي نهي عن الحلف بغير الله لأجله.

والحلف بغير الله جاء في الحديث ابن عمر أنه شركٌ ويشير إلى هذا المعنى الحديث الذي قبله، وهومحمول على التغليظ، كما قال الترمذي رحمه الله بعد أن ذكر الحديث قال: هذا على وجه التغليظ، ونقل هذا الكلام أيضاً ابن المنذر في كتابه الأوسط عن ابن المبارك وغيره، وقالوا: هو كفرٌ دون كفر، أي أنه من الشرك الأصغر لا من الشرك الأكبر إلا إذا كان الحالف معظِّماً للمحلوف به كتعظيمه لله، عندها يكون شركاً أكبر، وذكر ابن المنذر تأويلات أخرى انظرها في الأوسط (1) له.

ثم قال المؤلف رحمه الله: ومَن حلفَ فقال: «إن شاء الله» فقد استثنى، ولا حِنْثَ عليه)

لا حِنْث عليه أي لا يُعتبر غير بارٍ بيمينه، ولا ناقضاً لها؛ لأنه علقها بمشيئة الله، فلا تلزمه كفارة ولا إثم عليه.

معنى كلام المؤلف: مَنْ حلف على شيء وقال: إن شاء الله؛ فكأنه لم يحلف.

إن قال مثلاً: والله لأدخلنَّ دار فلان إن شاء الله، فإن دخل دار فلان فلا يعتبر حانثاً، ولا شيء عليه؛ لأنه استثنى قال: إن شاء الله.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف فاستثنى؛ فإن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حَنِثٍ» (2)، فلا يكون حانثاً بذلك.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود عليه السلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل إن شاء الله، فلم يقل. فطاف بهنَّ فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان» ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان ذلك درَكاً لحاجته» (3).

قال ابن المنذر رحمه الله: وحدثني علي عن أبي عبيد، بعد أن ذكر أحاديث توافق هذه الأخبار؛ قال: وبهذا كله كان يأخذ سفيان الثوري، وأهل العراق، ومالك، وأهل الحجاز، والأوزاعي، وأهل الشام، والليث بن سعد، وأهل مصر، وعليه جماعات العلماء من أهل

(1) الأوسط (12/ 147 - طبعة الفلاح).

(2)

أخرجه أحمد (5093)، وأبوداود (3262)، والترمذي (1531)، والنسائي (3793)، وابن ماجه (2105) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والصحيح في الحديث الوقف، ورفعه خطأ، بين ذلك الترمذي والبيهقي في سننه، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال فيه البخاري: خطأ والصواب أنه حديث سليمان الآتي، ذكر ذلك عنه الترمذي (1532). والله أعلم

(3)

أخرجه البخاري (6720)، ومسلم (1654) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 475

الآثار وأهل الرأي؛ أن قوله إن شاء الله استثناء في يمينه، وأن لا يكون مع اتصالها باليمين حنث في شيء منها إذا كان يريد به الثناء في الرجوع عما حلف عليه.

قال أبو بكر- أي ابن المنذر نفسه-: وكذلك قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. انتهى

معنى الاتصال؛ أن يكون الاستثناء متصلاً بالكلام، يعني تقول: والله لا أدخل دار فلانٍ إن شاء الله، لا تفصل إن شاء الله عن بقية الكلام بفاصل زمني، فلا تقل مثلاً: والله لا أدخل دار فلان ثم بعد ساعة أو ساعتين تقول: إن شاء الله، هذا في صحته خلاف، والمتصل نقل البعض الإجماع على صحته. والله أعلم

قال المؤلف رحمه الله: (ومن حلفَ على شيءٍ فرأى غيره خيراً منه؛ فليأتِ الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه)

من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه، من قال مثلاً: والله لا أتصدق على فلان، ورأى أن الصدقة عليه خير له من عدم الصدقة عليه، فيكفِّر عن يمينه ويتصدق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا حلفتَ على يمينٍ فرأيتَ غيرها خيراً منها؛ فكفِّر عن يمينك وأتِ الذي هو خير» (1) متفق عليه.

وله أن يكفِّر قبل الحنث وبعده، يعني إذا قال: والله لا أتصدق على فلان، هل يكفِّر عن يمينه قبل أن يتصدق عليه أم يكفِّر عن يمينه بعد أن يتصدق عليه؟

قلنا: وله أن يكفِّر قبل الحنث وبعده، أي له أن يتصدق على الرجل قبل أن يكفِّر عن يمينه، وله أن يكفِّر عن يمينه ثم يتصدق عليه، هذا قول جمهور علماء الإسلام.

وأفتى أربعة عشر صحابياً بتقديم التكفير، أي بجواز تقديم التكفير، هذا الذي حصل فيه الخلاف، تأخير التكفير لا إشكال فيه، لكن الخلاف حصل في تقديم التكفير، فجمهور العلماء وأربعة عشر صحابياً أفتوا بجواز تقديم التكفير على الحنث، وقال به سائر فقهاء الأمصار، وخالف في ذلك أهل الرأي، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب الكفارة قبل الحنث وبعده (2)، وذكر أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على جواز التكفير بعد الحنث وقبل الحنث.

والإمام البخاري رحمه الله يكثر في تبويباته من رده على أهل الرأي، قد نبه الحافظ ابن حجر على أكثر من موضع من ذلك، يعني يبوِّب أبواباً يرد بها أقوال أهل الرأي، رد عليهم

(1) أخرجه البخاري (7146)، ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري أول حديث في هذا الباب برقم (6721).

ص: 476

أقوالهم لأنها مخالفة للسنة، وأقوالهم أحياناً كثيرة تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعض أهل الحديث يعقدون أبواباً خاصة في الرد عليهم، كالإمام البخاري رحمه الله وابن أبي شيبة أيضاً في المصنف له كتاب كامل في الرد على أهل الرأي، ولذلك تجد اليوم أهل الأهواء الذين يسعون إلى التخلص من قيود الشريعة يميلون إلى مذهب أهل الرأي وكذلك تفعل بعض الدول مع أن أصل مذهبهم مالكي أو شافعي.

قال المؤلف رحمه الله: (ومَن أُكره على اليمينِ فهي غيرُ لازمةٍ، ولا يأثمُ بالحِنثِ فيها)

الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل/106]، فما فُعِل بالإكراه إثمه مرفوع عن هذه الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (1).

ففي حال الإكراه يكون الإثم مرفوعاً عن الشخص، ولا ينعقد يمينه إذا كان مكرهاً عليه، فلا يأثم بفعل ما حلف عليه ولا تلزمه كفارة.

قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح الزاد: قوله: «الثاني: أن يحلف مختاراً» أي: الشرط الثاني لوجوب الكفارة أن يحلف مختاراً، يعني مريداً للحلف، وضد المختار المكره.

قال المؤلف - الكلام لابن عثيمين والمؤلف صاحب الزاد-: «فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه» فلو أن رجلاً مجرماً عثر عليه إنسان فأمسك به، وقال: سأرفع أمرك لولي الأمر، فقال له المجرم: إذا رفعت بي سأقتلك، ثم قال المجرم: أَقْسِمْ بالله أنك لا تخبر بي، وإلا قتلتك، فأقسمَ بالله أن لا يخبر به، فهذه اليمين لا كفارة فيها؛ لأنه حلف مكرهاً، وعلى هذا فلو أخبر ولاةَ الأمور بصنيع هذا المجرم فليس عليه إثم، وليس عليه كفارة؛ لأنه حلف مكرهاً، والدليل من القرآن ومن السنة:

أما من القرآن فقال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]. فإذا كانت كلمة الكفر قد صدرت من مُكرَهٍ فلا أثر لها، فما سواها مثلها.

أما من السنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، وعلى هذا فإن حنث في يمينه في هذه الحال، فلا إثم عليه ولا كفارة. انتهى.

قال المؤلف رحمه الله: (واليمينُ الغَمُوسُ هي التي يَعلَمُ الحالِفُ كَذِبَها)

(1) تقدم تخريجه.

ص: 477

هذا تعريف لليمين الغموس، عرَّف المؤلف اليمين الغموس فقال: هي التي يعلم الحالف كذبها، أي يحلف الحالف كذباً وهو يعرف أنه كذاب في حلفه هذا، يحلف على أمر ماضٍ، فيقول حصل كذا، وهو لم يحصل فيكون كاذباً.

وسميت هذه اليمين بالغموس لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم.

هذه اليمين لا تكفَّر ، لا كفارة فيها؛ إذ هي أعظم من أن يكفِّرها ما يكفِّر اليمين.

ولا دليل على كونها تكفَّر.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن حلفَ على يمينٍ يَقتطِعُ بها مالَ امرِئٍ مسلمٍ، هو عليها فاجرٌ لقيَ اللهَ وهو عليه غَضبَانُ» (1) متفق عليه.

وفي صحيح البخاري (2) عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» ، فعدَّها النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر.

وفي رواية (3): قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» ، فهذه الأحاديث ذكرت اليمين الغموس وبينت أنها من الكبائر وورد فيها وعيد، ولا يجتمع كونها كبيرة وفيها وعيد وتكفر، ولم يأت حديث صحيح يدل على أن فيها كفارة، وليست هي كاليمين الأخرى. والله أعلم.

قال ابن المنذر في الأوسط (4) بعد ذكر إسناده: عن رفيع أبي العالية، أن ابن مسعود كان يقول: كُنّا نَعُدُّ مِن الذنب الذي لا كفارة له، اليمين الغموس: أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذباً يقتطعه.

وقال سعيد بن المسيب: يمين الصبر من الكبائر. وقال الحسن البصري: إذا حلف على أمر كاذباً متعمداً فليس كفارة هو أعظم من ذلك. وكذلك قال حماد الكوفي، وأبو مالك، وإبراهيم النخعي.

هذا قول مالك بن أنس، ومن تبعه من أهل المدينة، وبه قال الأوزاعي، ومن وافقه من أهل الشام، وكذلك قال سفيان الثوري، وأهل العراق، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وأبو عبيد، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي من أهل الكوفة.

قال أبو بكر: وبه نقول والدلائل تكثر لمن قال هذا القول، أحدها: هذه الأخبار التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» . وقوله: «حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار» . وقوله: «حرم الله عليه الجنة وأدخله النار» مع سائر ألفاظ الأخبار التي ذكرناها في هذا الكتاب، وسائر الأخبار التي هي مذكورة بغير هذا الكتاب، وغير جائز أن يجيز النبي صلى الله عليه وسلم أن من حلف بهذه اليمين التي ذكرناها يلقى الله وهو عليه غضبان، مع سائر الوعيد الذي هو مذكور في هذه الأخبار، ويكون أَمرَه في كفارة اليمين بالإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة فإن لم يجد فالصيام،

(1) أخرجه البخاري (2356)، ومسلم (138) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري (6675) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(3)

عند البخاري (6920) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(4)

الأوسط (12/ 138).

ص: 478

ويكون قوله: {ذلك كفرة أيمانكم إذا حلفتم} كفارة لما هو مذكور في الأخبار من الوعيد؛ هذا يستحيل، والكفارة إنما جعلت في الأيمان التي يكون الرجل فيها حانثاً بعد عقد اليمين، فيفعل ما حلف أن لا يفعله أو يترك ما أوجب على نفسه باليمين أنه فاعله

إلى أن قال: قال إبراهيم النخعي: الأيمان أربع: يمينان يُكفَّران، ويمينان لا يكفران: قول الرجل: والله ما فعلت وقد فعل، ووالله لقد فعلت وما فعل، ليس في هذا كفارة إن كان تعمد شيئاً؛ فهو كذب؛ فليستغفر الله، وإن كان يرى أنه كما قال: فهو لغو يكفر، وقول الرجل: والله لا أفعل فيفعل، ووالله لأفعلن فلا يفعل؛ فهذا فيه كفارة .... انتهى ثم نقل خلاف الشافعي في اليمين الغموس وأنها تكفر عنده. والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا مُؤَاخَذةَ باللَّغوِ)

لغو اليمين اختلف فيه أهل العلم، فبعضهم قال: هو أن يقول المرء: لا والله، وبلى والله.

كلمة تجري على اللسان لا ينوي بها اليمين ولا يعقد قلبه عليها. هذا قول.

القول الثاني: أن يعقد الحالف اليمين ظاناً صدق نفسه ثم يتبيَّن أن الأمر بخلافه.

فيحلف على أمرٍ ويظن أن هذا الأمر كما هو حلف عليه، ثم عندما تظهر حقيقة الأمر يظهر له أنه مخطئ في ظنه. بعض أهل العلم فسر لغو اليمين بهذا المعنى، ومنهم الإمام مالك رحمه الله.

ولا يبعد أن يكون كلا المعنيين مراداً.

ولغو اليمين لا يؤاخذ عليه الشخص وليس فيه كفارة؛ لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة/89]، فلغو اليمين لا يعتبر شيئاً، وليس فيه كفارة.

قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط: ذكر اللغو في اليمين

اختلف أهل العلم في اللغو في اليمين، فقالت طائفة: هو قول المرء: لا والله، وبلى والله، روي هذا القول عن ابن عباس وعائشة .... قال أبو بكر: روي هذا القول عن عطاء، والحسن، والقاسم بن محمد، وعكرمة، والشعبي، وبه قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وكذلك قال الشافعي، الربيع أخبرني عنه.

وقالت طائفة: لغو اليمين هو: أن يحلف على الشيء يرى أنه كما حلف عليه ثم لا يكون كذلك، روي هذا القول عن ابن عباس وغيره .... روي ذلك عن الحسن ومجاهد، وقتادة، والنخعي، والكلبي وسليمان بن يسار، وبه قال مالك، أبو مصعب عنه، وهو قول الأوزاعي وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي ..... انتهى.

وذكر أقوالاً أخرى، ثم قال: قال أبو بكر- يعني نفسه-: وأكثر أهل العلم على أن لا كفارة في اليمينين اللتين بدأنا بذكرهما وهو: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، غير معتقد بذلك

ص: 479

يميناً، والأخرى: حَلْف الرجل على الشيء يرى أنه حلف عليه، ثم لا يكون كذلك .... انتهى باختصار.

قال المؤلف رحمه الله: (ومِن حَقِّ المسلمِ على المسلمِ إبْرارُ قَسمِهِ)

إبرار القسم هو أن يعمل بما حلف عليه صاحبه، فتبرّ قسمه، كأن يقول لك صاحبك: والله لتأكلن، فيستحب لك الأكل لكي لا يحنث في يمينه.

فهو سنة مستحبة إذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك، فإن كان شيء من هذا لا يَبر قسمه، لا يلزمه أن يبر قسمه إذا حصلت مفسدة من ورائه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكرٍ الصديق لما عبَّرأبو بكر الصديق الرؤيا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أصبت بعضاً وأخطأت بعضا» ، قال أبو بكر: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تقسم» (1). فلم يخبره بذلك، فلم يبر قسمه، لوجود مفسدة من وراء ذلك، ذكر معنى ما ذكرناه النووي في شرح مسلم.

ودليل استحباب إبرار القسم قول البراء رضي الله عنه: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبعٍ ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس

» (2).

قال المؤلف رحمه الله: (وكَفَّارةُ اليمينِ هي ما ذَكرَهُ اللهُ في كِتابِهِ العزيزِ)

يعني من لزمه كفارة يمين فعليه الكفارة التي ذكرها الله في كتابه، كفارة اليمين الواجبة عليه هي التي ذكرها الله في القرآن.

قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة/89].

هذه الآية بينت لنا كفارة اليمين كيف تكون، فقال: فكفارته إطعام عشرة مساكين. هنا المسكين أُفرد بالذكر، نحن ذكرنا في كتاب الزكاة أن الفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا، وإذا افترقتا اجتمعتا، هنا حصل الافتراق فيكون الفقير والمسكين بمعنى واحد وهو من لا يملك كفايته.

فمن لا يملك كفايته يكون ممن يصح يستحق الكفارة.

فكفارته إطعام عشرة مساكين، ولا بد أن يكون هؤلاء المساكين عشرة، لا ينفع أن تطعم واحداً عشر مرات، لا بد أن يكونوا عشرة؛ لأن الله سبحانه وتعالى نصَّ على العشر.

(1) أخرجه البخاري (7046)، ومسلم (2269) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (1239)، ومسلم (2066) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

ص: 480

والإطعام يكون بأن تعطيهم طعاماً لا تعطيهم نقوداً، النقود لا تنفع، الله سبحانه وتعالى ذكر الطعام وكانت النقود موجودة عندهم، فلو كانت النقود تجزئ عن الطعام لذكرها الله سبحانه وتعالى، لكن بما أنه ذكر الطعام فنقتصر على الطعام.

وهذا الطعام قال الله سبحانه وتعالى فيه: من أوسط ما تطعمون أهليكم، أي من أعدله أي لا الدنيء الزهيد ولا الغالي الثمن، المتوسط، يعني في حالنا اليوم كثير من الناس عندنا هنا يأكلون في الغالب - الطعام المتوسط عند كثير من الناس - الأرز والدجاج مثلاً، فمثل هذا الذي غالب طعامه من الأرز والدجاج إذا أراد أن يطعم طعاماً متوسطاً يطعم مداً من الأرز أو نقول صحن مطبوخ مشبع مع ربع دجاجة يكون بذلك قد أطعم شخصاً، فيطعم عشرة أشخاص على هذا النحو، ولا يشترط أن يكون مطبوخاً كما يَشترط البعض، فابن جرير الطبري رحمه الله تكلم على هذه المسألة عند تفسيره لهذه الآية، وذكر أن الكفارات التي ذكرها الله سبحانه وتعالى وجاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها شيء اشتُرط فيه الطبخ، فلذلك هذه تُلحق بتلك الكفارات فالطبخ ليس شرطاً فيها، إن طبختَ جزاك الله خيراً أفضل، لكن لا يعتبر هذا شرطاً.

أما الكسوة فأصح الأقوال في ذلك أن ثوباً ساتراً للعورة يكفي، اليوم كثير من الناس يرتدي البنطال والقميص القصير فالكسوة تكون بالبنطال والقميص تكون كسوة كاملة، البعض قال: إذا كان جزءاً من هذا يكفي لكن الصحيح أن هذه لا تعتبر كسوة كاملة، الكسوة أن يعطيه ما يستره، وهذا يحتاج أقل شيء اليوم بالنسبة لنا البنطال والقميص القصير هذا يعتبر كسوة.

(أو تحرير رقبة)، (أو) للتخيير، فعندك الآن إما الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة.

الرقبة: عتق عبد أو أمة، الرقبة هنا: عتق عبد أو أمة، وهذا في الغالب غير موجود اليوم إلا أنه داخل من ضمن الخيارات فإطعام أو كسوة أو تحرير رقبة، أنت مخيَّر بين هذه الثلاث، ولا يلزمك الترتيب إلا مع الصيام، يلزمك الترتيب بين هذه الثلاث وبين الصيام فعندنا ترتيب وتخيير، التخيير بين هذه الثلاث التي ذكرناها الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة أنت مخير بين هذه الثلاث.

أما الترتيب ففي حال عدم القدرة على واحدة من هذه الثلاث تتحول إلى الصيام؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {فمن لم يجد} يعني عندك ترتيب الأول إما أن تجد أو لا تجد، فإن وجدت فأنت مكلف بواحدة من الثلاث ولا بد، ولا يجوز الصيام وأنت قادر على واحدة منها، أما إذا لم تجد فتنتقل إلى الصيام.

قال تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} ، صيام ثلاثة أيام هذا في حال عدم إيجاد الثلاثة الأولى، قال ابن المنذر في الأوسط: أجمع أهل العلم على أن الحالف الواجد الإطعام أو الكسوة أو الرقبة؛ لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه.

وهل الصيام يجب أن يكون متتابعاً أم لا؟ خلاف بين أهل العلم، الذين قالوا بالتتابع احتجوا بقراءة شاذة لابن مسعود لا يعتمد عليها، فالقراءات المعتمدة المتواترة ليس فيها تقييد

ص: 481