الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه كلها أفعال تُفعل ويُسنُّ فعلها في بداية حال الميت، إما عند الاحتضار أو بعد الموت وقبل البدء بالتغسيل، ثم بعد ذلك يُبدء بالتغسيل.
قال المؤلف رحمه الله:
(فصلٌ: غسل الميت)
قال رحمه الله: (ويجبُ غَسْلُ الميِّتِ على الأحياء)
وجوبه مأخوذ من أمره صلى الله عليه وسلم في المُحرِم الذي وقصته ناقته - أي كسرته فمات -، قال:«اغسلوه بماء وسدر» (1).
وقال في ابنته زينب: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر من ذلك» (2).
فأمره هنا بالغسل يدل على الوجوب، لكن الوجوب هنا وجوب كفائي، فالمراد هو إيقاع الفعل فإذا وقع من البعض سقط عن الباقين، ووجوب غسله مجمع عليه كما قال النووي وغيره (3).
قال المؤلف رحمه الله: (والقريبُ أولى بالقريبِ إذا كان من جنسه)
أي الذكر أولى بالذكر من أقربائه، والأنثى أولى بالأنثى من قريباتها، هذا معنى كلام المؤلف رحمه الله فهو يشير إلى أن الأولى في تغسيل الميت هم أقرباؤه.
ودعوى الأولوية هنا تحتاج إلى دليل، ولا نعلم دليلاً صحيحاً يدل على ما ذكره المؤلف رحمه الله، وإنما هو الاستحسان فقط، وحديث ضعيف أخرجه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ليليه أقربكم إن كان يُعلم، فإن لم يكن يُعلم فمن ترون عنده حظّاً من ورعٍ وأمانة» (4).
(1) سبق تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري (1253)، ومسلم (939) عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها.
(3)
«المجموع شرح المهذب» (5/ 128).
(4)
أخرجه أحمد في «مسنده» (24881)، والطبراني في «الأوسط» (3575)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (6658)، وفي «شعب الإيمان» (8828) عن عائشة.
لكنه ضعيف كما ذكرنا ففي سنده جابر الجعفي، وهو معروف بالضعف.
قال رحمه الله: (وأحد الزوجين بالأخر)
يريد المؤلف هنا أن أحد الزوجين أولى بتغسيل الزوج الآخر، فالمرأة أولى بتغسيل زوجها والزوج أولى بتغسيل زوجته من غيرهم، هذا ما يذكره المؤلف رحمه الله.
أما الجواز فنعم - وهو جواز أن تغسل المرأة زوجها والزوج زوجته -، فإن علياً رضي الله عنه هو الذي غسّل فاطمة (1)، وصحّ عن عائشة أنها قالت:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه» (2).
فهذا يدل على الجواز.
لكن الأولوية أمر زائد عن الجواز، وهذا يحتاج إلى دليل خاص، ولا نعرفه، فلا يوجد دليل صحيح يدل على هذه الأولوية، وقد مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الكثير وما كان صلى الله عليه وسلم يحث على ذلك ولا يرشد إلى أنّ الزوج أولى بتغسيل زوجته أو أنّ الزوجة أولى بتغسيل زوجها.
قال المؤلف رحمه الله: (ويكون الغسل ثلاثاً أو خمساً أو أكثر بماء وسدر)
أما السدر فهو ورق شجر النبق، يُدق ويُخلط مع الماء، فيعمل عمل الصابون إلا أنه أفضل من الصابون.
أما كون الميت يُغسَّل ثلاثاً فأكثر، فهذا لحديث أم عطية، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال:«اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، فإذا فرغتن فآذنني» ، فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه فقال:«أشعرنها إياه» - تعني إزاره (3).
فهذا الحديث يدل على أن أقل الغَسْلِ ثلاث مرات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالثلاث، فيدل على سنية هذا الأمر، والزيادة إذا احتاج الميت لذلك، أي إذا احتاج جسد الميت إلى غسل أكثر من ثلاث فيُغسَّل، ولكن يحافظ المُغَسِّلُ على الوتر فإذا احتاج إلى أربع غسلات غسّله خمس وإذا احتاج إلى ست غسلات غسّله سبع، وهكذا.
(1) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (4769)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (6661) عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها.
(2)
أخرجه أحمد في «مسنده» (26306)، وأبو داود (3141) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
سبق تخريجه.
قال المؤلف: (وفي الآخرة كافور)
لحديث أم عطية المتقدم فقد قال عليه السلام: «
…
واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور».
والكافور نبت طيب الرائحة، من خواصه أنه يُصلِّب الجسد.
ويجوز أيُّ طيبٍ في هذا الموضع، إلا أن الكافور أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إليه وفيه خواص زائدة عن الطيب.
قال رحمه الله: (وتُقدّم الميامن)
أي جهة اليمين، فيبدأ بغسل الجهة اليمنى، لحديث أم عطية في رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» وهذه الزيادة متفق عليها (1). ومعنى ذلك أن يبدأ بغسل أعضاء الوضوء والجهة اليمنى، ثم الجهة اليسرى بعد ذلك.
وكان ابن سيرين- وهو راوي الحديث عن أم عطية - يبدأ بمواضع الوضوء، ثم بالميامن.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يُغَسَّلُ الشهيدُ)
المراد بالشهيد هو قتيل المعركة الذي يقتله الكفار، هذا هو الشهيد الذي تتعلق به الأحكام المذكورة الآن وفيما سيأتي من مسائل الجنائز، فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الشهيد (2).
لكن أمر النيات لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وما لنا إلا الظاهر، فمن قاتل من المسلمين في صفوف المسلمين ضد الكفار وقتله الكفار فيعتبر شهيداً في الحكم، ويُعطى أحكام الشهداء، فلا يُغسَّل ولا يُكفَّن ولا يُصلى عليه كما سيأتي، فقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بشهداء أحد (3).
فهذا يدل على أن الشهيد لا يُغسَّل، وهذا مذهب جمهور علماء الإسلام.
(1) أخرجه البخاري (167)، ومسلم (939) عن أم عطية رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري (123)، ومسلم (1904) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أبو داود (3135)، والحاكم (1/ 520) وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.