المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يعني يَحرُم على الشريك أن يبيع حتى يُؤذِن شريكه، أي - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: يعني يَحرُم على الشريك أن يبيع حتى يُؤذِن شريكه، أي

يعني يَحرُم على الشريك أن يبيع حتى يُؤذِن شريكه، أي يعلمه بأنه يريد بيع حصته.

فإن باع قبل الإعلام؛ فللشريك الحق في شرائه بثمنه المباع به.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المتقدم «لا يَحل له أن يبيع حتى يؤذِن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باع ولم يؤذِنه فهو أحق به» .

ثم قال المؤلف: (ولا تَبْطل بالتراخي)

أي: لا تبطل الشُّفعة بطول المدة، كذا قال المؤلف.

قالوا: لأن دفع الضرر الذي شُرِعت الشفعة لأجله لا يختص بوقت دون وقت. انتهى

فيقال: ولكن الضرر واقع على المشتري في هذه الحالة، فإنَّ تَوقُّعَ طلبِ الشريك الشفعة يُفوِّتُ عليه الكثير من المقاصد.

فالحقّ أن تقدير أن الحق للشريك؛ موكول إلى الحاكم؛ لأنه مما لا نصّ فيه، فإذا حدَّ له أجلا وجب الوقوف عنده.

‌باب الإِجارة

الإجارة لغة: مشتقة من الأجر، وهو: العِوَض، ومنه سُمي الثواب أجراً.

وشرعاً: تمليك منفعة بعِوَض.

فالإجارة بيع منفعة، يعني لا تبيع عينا مثل سيارة أو بيت أو ما شابه، بل تبيع منفعة يبقى الشيء ملكا لصاحبه ولكن يشتري المنتفع منفعة البيت فينتفع به مدة ثم يرد الشيء لصاحبه.

وهي جائزة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.

أما الكتاب فقال تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} .

أي: إن أرضع لكم نساؤكم المطلقات منكم طلاقاً بائناً أولادكم الأطفال بأجرة؛ فآتوهن أجورهن على إرضاعهن إياهم.

وأما السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل

ص: 424

أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حُرّاً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يُعطِه أجره» (1).

الشاهد في الرجل الثالث، أخرجه البخاري في صحيحه.

وذكر البخاري رحمه الله في صحيحه في باب الإجارة مجموعة من الأحاديث التي تدل على جواز الإجارة. (2)

ونقل ابن المنذر الإجماع على أن الإجارة ثابتة (3).

قال المؤلف: (تجوزُ على كلِّ عملٍ لم يمنع منه مانعٌ شرعي)

أي الإجارة تصح على أي عمل لم يحرم شرعا؛ لإطلاق الأدلة الواردة في الباب وعدم تقييدها بعمل دون عمل.

فيصح أن تستأجر شخصاً ليبني لك بيتاً، أو يشتري لك غرضاً، أو يرعى لك غنما، أو ليغسل لك شيئاً .. وهكذا، على أي عمل لم يمنع منه مانع شرعي، شرطه أن يكون العمل الذي استأجرت الأجير ليعمل جائزاً شرعاً وليس محرماً، وسيذكر المؤلف رحمه الله صوراً من العمل المحرَّم الذي لا يجوز الاستئجار عليه.

قال المؤلف رحمه الله (وتكونُ الأجرةُ معلومةً عندَ الاستئجار)

أي يجب أن تكون الأجرة معلومة عند الاستئجار، يعني عندما تريد أن تستأجر شخصاً لبناء جدار مثلاً، تُعلمه كم ستعطيه، وينعقد الاتفاق بينك وبينه على ذلك، حتى لا يحصل نزاع بعد ذلك.

واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبيَّن له أجره» (4). أخرجه أحمد، لكنه حديث ضعيف.

(1) أخرجه البخاري (2270).

(2)

صحيح البخاري، كتاب (37) الإجارة، قبل حديث رقم (2260).

(3)

انظر الإجماع لابن المنذر (ص 106).

(4)

أخرجه أحمد (2270)، وأبو داود في المراسيل (118) مرفوعا، وأخرجه النسائي (3857) موقوفا، صحح أبو زرعة وقفه، وأعله البيهقي بالانقطاع. انظر إرواء الغليل للألباني (1490) رحم الله الجميع.

ص: 425

والذي صح هو أن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر ولم يعيِّن الأجر لمن استأجره وأعطاه أجره بعد أن أتم عمله، فأعطاه ما هو متعارف عليه. والله أعلم (1).

لكن قالوا الأجرة هنا معلومة عرفا، فإذا كانت كذلك أغنت عن تحديدها لفظا.

قال المؤلف رحمه الله: (فإن لم تكن كذلك؛ استحق الأجيرُ مقدارَ عملِه عند أهل ذلك العمل)

استأجرت رجلاً كي يبني لك غرفة ولم تتفق معه على أجرة محددة، بعد أن انتهى قال المؤلف: يستحق العامل مقدار عمله عند أهل ذلك العمل، أي نرجع إلى أهل العرف، نأتي إلى المختصين في البناء فنسألهم كم تكلِّف مثل هذه الغرفة أجرة البناء؟

فما حددوه وجب دفعه للعامل مقابل عمله، فيعطى أجرة المثل؛ لحديث سويد بن قيس المتقدم.

قال المؤلف: (وقد وردَ النَّهيُّ عن كسبِ الحَجّامِ، ومَهرِ البَغِيّ، وحُلْوَانِ الكَاهِنِ)

بدأ المؤلف بذكر بعض الأعمال التي يحرم الاستئجار عليها؛ لأنه ذكر في البداية أن العمل الذي يجوز الاستئجار عليه: كل عمل لم يرد فيه نهي شرعي، فاحتاج أن يذكر لك الأعمال التي ورد فيها نهي شرعي، كأنه يقول لك: أيُّ عملٍ يجوز الاستئجار عليه إلا كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن.

كسب الحجام: أي الأجرة التي يأخذها الحجام مقابل عمله للحجامة، والحجام: فاعل الحجامة.

أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وكَسْب الحجام خبيث» (2)، وفي رواية:«شرُّ الكسْبِ كَسْب الحجّام» (3).

(1) حديث سويد بن قيس أخرجه أحمد (19098)، وأبو داود (3336)، والترمذي (1305)، والنسائي (4592)، وابن ماجه (2220)، وهو صحيح.

(2)

أخرجه مسلم (1568).

(3)

أخرجه مسلم (1568).

ص: 426

وعارض هذا الحديث وغيره؛ حديث في الصحيحين عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلّم مواليه فخففوا عنه» (1).

وحديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره، ولو كان سُحتاً لم يعطه» (2).

فاختلف أهل العلم في طريقة الجمع بين هذه الأحاديث.

وأحسن الأقوال فيها أن يحمل قوله): خبيث (و) شر الكسب (على معنى أنه دنيء وليس من معالي أنواع الكسب، فيحمل على التنفير عن نوع من أنواع الكسب الدنيئة، وليس على التحريم؛ لأن الحديث الآخر الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجّام أجره دل على الجواز؛ لذلك تأولنا التأويل الذي ذكرناه، فعلى ذلك يكون هذا العمل مكروهاً كراهة تنزيهية وليس محرَّماً. والله أعلم

وأما مهر البغي: البغي، هي: الزانية، ومهرها هو: المال الذي تُعطاه الزانية أجرة على زناها.

وهو محرَّم؛ لأن الزنا نفسه محرَّم، وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي» (3).

وأما حلوان الكاهن؛ فهو محرم أيضاً للحديث الذي تقدم، وهو: عَطِيَّة الكاهن لأجل كهَانَتِه. أي الأجر الذي يُعطاه الكاهن مقابل تكهنه.

والكهانة: ادعاء معرفة الأمور الغيبية التي ستحدث في المستقبل، وهي من الكفر.

قال: (وعَسْبِ الفحل)

وهو ماء الذكر أو ضِرابه، وقد تقدم الكلام عليه في البيع.

قال: (وأجر المؤذن)

(1) أخرجه البخاري (2102)، ومسلم (1577).

(2)

أخرجه البخاري (2103)، ومسلم (1202).

(3)

أخرجه البخاري (2282)، ومسلم (1567).

ص: 427

حرّم المؤلف أجر المؤذن لحديث عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي، قال:«أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتّخِذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا» (1). أخرجه أبو داود وغيره.

وبعض أهل العلم جوَّز ذلك؛ لأن بالمسلمين حاجة إليه وقد لا يوجد متطوع به، وإذا لم يدفع الرزق فيه يعطل.

والحديث يدل على التحريم فالأخذ به أولى، وربما يُذهب إلى ذلك الرأي في حال عدم وجود متطوعين. والله أعلم.

قال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند أهل العلم: كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه. انتهى

والمؤذون الذين يُوظَّفون اليوم من قبل الأوقاف لهم أخذ الأجرة على تنظيف المسجد والقيام عليه، لا على الأذان. والله أعلم

قال المؤلف: (وقَفِيز الطَّحَّان)

قفيز الطحان هو أن يُطحن الطعام بجزء منه، كأن تأتي مثلاً بقمح عند شخص عنده مِطحنة وتقول له: اطحن لي عشرة كيلو من القمح ولك منها كيلو.

ورد في ذلك حديث عن أبي سعيد قال: «نُهي عن قَفِيز الطَّحَّان» (2). أخرجه الدارقطني وغيره وهو حديث ضعيف.

فالصحيح أنه جائز إذا كان الكيل معلوما، تقول له: لك كيلو أو كيلوين مثلا.

قال المؤلف: (ويَجوزُ الاستئجارُ على تلاوةِ القرآنِ، لا على تَعلِيمه)

الصحيح أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن وعلى الرقية به جائز.

(1) أخرجه أحمد (16270)، وأبو داود (531)، والنسائي (672)، والترمذي (209)، وابن ماجه (714)، مختصرا ومطولا.

(2)

أخرجه الدارقطني (2985)، والبيهقي (5/ 554). انظر علته في نصب الراية للزيلعي (4/ 140)، والبدر المنير (7/ 39).

ص: 428

دل على ذلك حديث ابن عباس عند البخاري وغيره «أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماءٍ فيه لَدِيغ أو سَلِيم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال لهم: فيكم من راقٍ؟ إن في الماء رجلاً لديغاً، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شَاءٍ، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» (1).

هذا الرجل أخذ أجراً على الرقية بكتاب الله، قال: على شَاءٍ، أي مقابل شياه.

فدل هذا الحديث على جواز أخذ الأجرة على الرقية وهو حديث واضح في ذلك وعلى الاستئجار للتلاوة وعلى التعليم أيضا.

ومما يدل على جواز اتخاذ أجر على تعليم القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تعليم القرآن مهراً للزواج بالمرأة، والحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:«قد زوجتكها بما معك من القرآن» (2).

والأحاديث التي يستدل بها المانعون لأخذ الأجرة على التعليم لا تصح.

قال المؤلف: (وأن يُكرِيَ العَينَ مُدةً معلومةً، بأجرةٍ معلومةٍ، ومن ذلك كِرِاءُ الأرضِ لا بشطرِ ما يخرجُ منها)

أن يُكري العين: أي يؤجر شيئا معيَّنا.

مدة معلومة، أي: زمناً محددا: كأن يؤجر سيارة لمدة شهر مثلاً أو بيتاً لمدة سنة.

بأجرة معلومة: يصرح بقدرالأجرة، فيقول له مثلاً: أَجَّرتك سيارتي لمدة شهر بثلاثمائة دينار، فالأجرة معلومة والمدة معلومة، في شيء معلوم معيّن.

ومن ذلك، ومما يجوز كراء الأرض، أي: تأجير الأرض للزراعة، دليل ذلك حديث رافع الآتي، وسائر الأعيان لها حكم الأرض كما قال أهل العلم.

لا بشطر ما يخرج منها، يقول: يجوز تأجير الأرض بالمال؛ بالدرهم والدينار مثلا، ولكن لا يجوز تأجيرها مقابل جزء مما تنتج من الزرع أو الثمر.

(1) أخرجه البخاري (5737).

(2)

أخرجه البخاري (5029)، ومسلم (1425).

ص: 429

صورة المسألة: تقول لشخص مثلاً أجِّرني مزرعتك وأعطيك جزء من نتاجها، فالأجر الذي سيقبضه منك مقابل أجرة المزرعة هوجزء مما تنتجه الأرض.

يقول المؤلف: هذا لا يجوز، ولكن لك أن تستأجرها منه مقابل أن تعطيه مالا مثلا، المهم الأجرة ليست جزء من نتاج الأرض.

وردت أحاديث في كراء الأرض متعارضة؛ فاختلف العلماء في كيفية الجمع بينها.

منها حديث رافع بن خديج في الصحيحين قال: «كنا أكثر الأنصار حقلاً، فكنا نَكري الأرض على أنّ لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تُخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما بالوَرِق فلم ينهنا» (1).

وفي لفظ لمسلم: «فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به» (2).

وعارضه حديث ابن عمر في الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من تمر أو زرع» (3).

فبعضهم قال: حديث ابن عمر منسوخ، وبناءً عليه فلا يجوز تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها. ذهب المؤلف إلى هذا.

والصحيح في هذا أنه يجوز تأجير الأرض بجزء مما يخرج منها معلوم كمائة كيلو أو مائتي كيلو أو أكثر أو أقل؛ ولكن لا يكون الجزء محددا بناحية من الأرض.

كأن تقول له: لي الجهة الغربية من الأرض أو ما حول البئر، والباقي لك؛ فربما ينبت ويثمر ما حددته ولا ينبت غيره؛ فيخسر المزارع وربما العكس فتخسر أنت؛ ففيه غرر لذلك نهي عنه، وأما إذا كان ما يخرج من الأرض غير محدد بناحية معينة من الأرض فلا بأس به على الصحيح.

فالنهي وارد فقط على تحديد جزء معين من الأرض تأخذ أجرتك منه؛ كما جاء في رواية لحديث رافع: «كانوا يؤجرون الأرض على المَاذِيانات وأَقبَال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، لذلك زجر عنه؛ فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس» (4).

(1) أخرجه البخاري (2327)، ومسلم (1547).

(2)

أخرجها مسلم (1547).

(3)

أخرجه البخاري (2328)، ومسلم (1551).

(4)

أخرجها مسلم (1547).

ص: 430

على الماذيانات وأقبال الجداول، أي: على الأنهار الكبيرة، وأوائل الأنهار الصغيرة.

فلا يجوز أن تؤجر شخصا الأرض على أن الجهة الشرقية لك والجهة الغربية له، أو على أن ما حول الأنهار والآبار لك والباقي له.

مثل هذا التعيين هو المحرم؛ لأن هذا فيه غررا واضحا، ربما يُخرج الذي لك ولا يُخرج الذي له، أو العكس.

فأجاز الشارع أن تتفق معه على قدر محدد مما يخرج من الأرض، يعني مائة كيلو من القمح، لا علاقة للمؤجر بالقدر الذي تخرجه الأرض، يعطيه المستأجر فقط مائة كيلو من القمح، سواء أخرجت من شرقها أم من غربها لا يختلف هذا، وبهذا تجتمع الأدلة وبدون تكلف وهو قول الجمهور. والله أعلم

قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: قَدْ أَعْلَمَكَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُنْهَيَ عَنْهُ هُوَ الْمَجْهُولُ مِنْهُ دُونَ الْمَعْلُومِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِيهَا شُرُوطًا فَاسِدَةً، وَأَنْ يَسْتَثْنُوا مِنَ الزَّرْعِ مَا عَلَى السَّوَاقِي وَالْجَدَاوِلِ وَيَكُونُ خَاصًّا لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَالْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ، وَحِصَّةُ الشَّرِيكِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَجْهُولَةٌ، وَقَدْ يَسْلَمُ مَا عَلَى السَّوَاقِي وَيَهْلَكُ سَائِرُ الزَّرْعِ؛ فَيَبْقَى الْمُزَارِعُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا غَرَرٌ وَخَطَرٌ. انْتَهَى.

قال المؤلف رحمه الله: (ومَن أفسدَ ما استُؤجِر عليهِ أو أتلفَ ما استَأجَره ضَمِن)

ومن أفسد ما استؤجر عليه: مثلاً شخص استأجرته ليبني لك جدارا، فيفسده، يضيع عليك المادة التي بنا بها، فهذا يضمن ما ضاع وتلف بسبب عمله، لأنه هو الذي أفسده.

وكذلك إذا أتلف ما استأجره؛ استأجر من شخص شيئاً؛ كأن يستأجر سيارة أو يستأجر بيتاً فيفسده ويخربه فهذا يضمن إذا تعدى أو فرّط.

هنا يضمن لكن إذا استأجر مثلاً سيارة وقدر الله عليها شيئا من عنده ففسدت، لا يضمن؛ لأنه لا فرّط ولا تعدى فلا يضمن.

يده يد أمانة، هو مؤتمن، والمؤتمن لا يضمن إلا في حالة التعدي أو التفريط.

يكون متعدياً؛ إذا فعل في الشيء الذي استأجره ما لا يجوز له فعله شرعاً أوعرفاً.

ص: 431