المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب المهر والعشرة - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: ‌باب المهر والعشرة

هذا الحديث واضح الدلالة على ما ذكرنا خلافاً لجمهور العلماء الذين قيدوا الأمر بالعدة.

‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

قال رحمه الله: (باب المَهْرِ وَالْعِشْرَةِ)

المهر: هو الصَّداق وهو ما وجب على الزوج إعطاؤه لزوجته بسبب عقد النكاح.

والعِشرة: الصُحبة والمخالطة بين الزوجين.

قال: (المَهْرُ واجِبٌ، وَتُكْرَهُ المُغَالاةُ فِيهِ، وَيَصِحُّ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ أَوْ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ)

المهر واجب على الزوج بمجرد تمام العقد، ولا يجوز إسقاطه، وأدلته كثيرة؛ منها قوله تعالى:{وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، أي فريضة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتزوج بامرأة: «التمس ولو خاتماً من حديد» (1).

الآية والحديث يدلان على وجوب المهر، وانعقد إجماع علماء الأمة على مشروعيته (2).

وقوله (وتُكره المغالاة فيه)

أي في المهر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئاً» قال: قد نظرت إليها، قال:«على كم تزوجتها؟ » قال: على أربع أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

(1) أخرجه البخاري (5121)، ومسلم (1425) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

(2)

انظر "مراتب الإجماع"(ص 69 - 70) لابن حزم.

ص: 316

«على أربع أواق؟ ! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك؛ ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه» ، قال: فبعث بعثاً إلى بني عبس بعث ذلك الرجل فيهم» (1).

الأوقية: أربعون درهماً.

وقوله: «كأنكم تنحتون الفضة من عرض الجبل» أي كأن الفضة متيسرة لكم وتنحتونها نحتاً من طرف الجبل.

يدل هذا الحديث على جواز أن يكون المهر كثيراً - من حيث الجواز -؛ مع كراهة المغالاة.

ولم نقل بالتحريم بل بالكراهة؛ لقول الله تبارك وتعالى {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء: 20] الشاهد قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} والقنطار؛ كمية كبيرة من الذهب، فدلَّ هذا على أن المهر لا قدر لأكثره ولا لأقله، وسواء كان بمال أو بمنفعة- سيأتي الدليل عليه- فجائز.

قال (ويصح ولو خاتماً من حديد أو تعليم قرآن) دليل ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في الصحيحين: أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعَّد النظر إليها وصوَّبَه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال:«هل عندك من شيء؟ » فقال: لا والله يا رسول الله، قال:«اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ » فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئاً، قال:«انظر ولو خاتماً من حديد» فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما تصنع بإزارك؟ ! إن لَبِسْتَهُ لم يكن عليها منه شيء، وإن لَبِسَتْهُ لم يكن عليك شيء» فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولِّياً، فأمر به فدعي، فلما جاء قال:«ماذا معك من القرآن؟ » قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، وسورة كذا- عدَّها - قال:«أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ » قال: نعم، قال:«اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن» (2).

(1) أخرجه مسلم (1424).

(2)

أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.

ص: 317

دلّ هذا الحديث على أن المهر واجب لا يسقط عن الزوج، وأنه يصحّ أن يكون مالاً ويصح أن يكون منفعة؛ لأن تعليم المرأة القرآن منفعة وليس مالاً.

قال: (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَها صَدَاقَاً؛ فَلَها مَهْرُ نِسَائِها إِذا دَخَلَ بِها)

إذا تزوج رجل امرأة ولم يذكر في العقد المهر الذي سيعطيها إياه؛ فلها مهر نسائها؛ أي لها مهر مثل ما تأخذ بقية النساء اللاتي في مثل مستواها؛ كأختها مثلاً وعمتها؛ فتأخذ هي كذلك في حال دخل بها؛ لحديث معقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً حتى مات؛ فقضى لها على صداق نسائها» (1) أي مَهْرُ مِثْلِها من النساء، وعليها العدة ولها الميراث.

الشاهد أنه قضى لها على صداق نسائها أي لها مهر مثل مهر نسائها يعني النساء اللاتي هن في مستواها في الجمال والمال والبكارة من عصباتها؛ كأخواتها وعماتها وبنات عماتها؛ هذا إن دخل بها.

وأما إن لم يسم لها صداقاً وطلقها قبل الدخول؛ فعليه المتعة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: 49]. فمتعوهن؛ أي أعطوهن ما يستمتعن به من مال أو منفعة، وتقدَّر هذه المتعة على حسب حال الرجل من عسرٍ ويسر وما يناسب المرأة عرفاً.

قال المؤلف رحمه الله: (وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيِمُ شَيْءٍ مِنَ المَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

يجوز أن يكون المهر معجَّلاً ومؤجَّلاً.

المعجل هو: المدفوع عند العقد، والمؤجل: يدفع بعد العقد.

(1) أخرجه أحمد (25/ 291)، وأبو داود (2114)، والترمذي (1145)، والنسائي (3354)، وابن ماجه (1891) من حديث معقل الأشجعي رضي الله عنه.

ص: 318

ويجوز أن يكون بعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً، لا بأس بذلك كله؛ لأنه عقْد معاوضة؛ يعني دفع شيء عوضاً عن شيء؛ كالثمن في البيع والشراء، فقد سمّاه الله تبارك وتعالى أجراً في كتابه.

ولكن يستحب تقديم شيء من المهر قبل الدخول كما قال المؤلف رحمه الله؛ لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه المتقدم في حادثة الرجل الذي أراد أن يتزوج فقال له صلى الله عليه وسلم: «التمس ولو خاتماً من حديد» (1) متفق عليه.

قال المؤلف: (وَعَلَيْهِ إِحْسانُ الْعِشْرَةِ)

أي: على الرجل أن يحسن عشرة المرأة، والعشرة بمعنى الصحبة.

فعليه أن يحسن عشرتها؛ أي أن يكرمها، ويتلطف معها، ويداعبها، ويرفق بها، ويعلمها، ويؤدبها، ويرحمها، ويكف الأذى عنها، ويعينها على طاعة الله، ويجنبها ما حرَّم الله، ويتحبب إليها، ويتزين لها، ويصبرعليها في الجماع إلى أن تقضي شهوتها، ويوسع النفقة عليها، ما استطاع؛ فهذا كله من إحسان العشرة.

وإحسان العشرة واجب بقدر الاستطاعة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، بالمعروف شرعاً وبالمعروف عرفاً.

قال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن خُلقنَ من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمَه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها على اعوجاجها، فاستوصوا بالنساء خيراً» (2)؛ هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون الرجل رفيقاً بالمرأة حنوناً عليها لطيفاً معها، فلا يستغل وضع القوة الذي وضعه الله سبحانه وتعالى فيه، ويتجبّر بها ويتسلط عليها؛ فهذا ليس من خلق المسلم ولا هو من العشرة الحسنة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها ربنا تبارك وتعالى.

وكما أن على الرجل إحسان العشرة؛ كذلك على المرأة أن تحسن عشرة زوجها؛ قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].

(1) تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه البخاري (5184)، ومسلم (1468) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 319

ويجب عليها أيضاً

ما قاله المؤلف رحمه الله: (وَعَلَيْهَا الطَّاعَةُ)

لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء: 34]؛ الشاهد قوله: {الرجال قوامون على النساء} ، وقال أيضاً:{فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً} ؛ فالواجب على المرأة أن تكون مطيعةً لزوجها، وأن لا تكون ناشزاً، فإذا كانت ناشزاً، لم تكن مطيعة؛ فقد جعلت لزوجها عليها سبيلاً، وإذا كانت مطيعة لم تجعل له عليها سبيلاً.

قال المؤلف رحمه الله: (وَمَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ فَصَاعِداً عَدَلَ بَيْنَهُنَّ في الْقِسْمَةِ وما تَدْعُو الحَاجَةُ إليه، وإذا سَافَرَ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ)

عَدْلُ الرجل بين زوجاته واجب؛ لقول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّهُ مائل» (1).

فيقسِم لكل واحدة ليلة في المَبِيِت، وكذلك في كل ما يقدرعليه مما تحتاجه النساء؛ كالنفقة مثلاً.

وليس المقصود أنه إذا أنفق على علاج واحدة من مرض مثلاً أن يعطي الثانية بدله من المال، هذا خطأ، ولكن المقصود أن لا يفضل واحدة على الأخرى في النفقة فيعطي إحداهما ما تحتاجه ويمنع الأخرى حاجاتها.

وأما الجِماع والحب فهذا أمر لا يملكه المرء، ولكن لا يجوز له في نفس الوقت أن ينكَبَّ على مجامعة واحدة ويترك الأخرى كالمُعَلَّقَةِ، نعم لا يلزمه أن يجامع الثانية إن جامع الأولى وأن يجامع الثالثة إن جامع الأولى والثانية؛ لكن في الوقت نفسه لا يجوز له أن يهجر واحدة منهنَّ ويجعلها كالمُعَلَّقة.

(1) أخرجه أحمد (13/ 320)، وأبو داود (2133)، والترمذي (1141)، والنسائي (3942)، وابن ماجه (1969) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 320

وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرَع بين نسائه؛ فمن خرجت القرعة لها سافرت معه (1)، هذه هي السُّنَّة في العدلِ بين النساء. والله أعلم

قال المؤلف: (وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَوْبَتَها، أَوْ تُصالِحَ الزَّوْجَ على إِسْقاطِها)

النوبة: يوم المرأة الذي يقسمه لها زوجها؛ وهو حقها ولها أن تتنازل عنه مقابل أن تبقى معه ولا يطلقها.

لها أن تصالح زوجها على إسقاط حقّها في المبيت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (2).

وذلك لأن هذه النوبة حقّها؛ فإن شاءت أن تتنازل عنها تنازلت، وكذا عن النفقة والسكنى.

قال تعالى: {

فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير} [النساء: 128]، قالت عائشة رضي الله عنها: هي المرأة تكون عند الرجل فلا يستكثر منها، فيريد طلاقها ويتزوج غيرها، فتقول له: أمسكني ولا تطلقني، ثم تزَوَّج غيري وأنت في حلٍّ من النفقة عليَّ والقَسْمِ لي (3).

قال رحمه الله: (وَيُقيمُ عِنْدَ الجَدِيِدَةِ البِكْرِ سَبْعَاً، والثَّيِّبِ ثَلاثاً)

البكر: التي لم يُدْخَل بها.

والثيِّب: التي دُخِل بها.

ودليل ما ذكره المؤلف حديث أنس في الصحيحين؛ قال: من السنة إذا تزوج البِكْرَ على الثيِّب أقام عندها سبعاً، ثم قَسَمَ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم (4).

(1) أخرجه البخاري (2593)، ومسلم (2770) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

أخرجه البخاري (5212)، ومسلم (1463).

(3)

أخرجه البخاري (5206)، ومسلم (3021).

(4)

. أخرجه البخاري (5214)، ومسلم (1461).

ص: 321

أي إذا كان متزوجاً وأراد أن يتزوج الثانية، فإذا كانت الثانية بكراً؛ أقام عندها سبعاً ثم بدأ بالقسمة بينهما؛ فيبيت عند الأولى ليلة وعند الثانية ليلة.

وإذا كانت الثانية ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم قسم.

قال رحمه الله: (ولا يَجُوزُ الْعَزْلُ)

العَزْلُ: هو أن يخرج ذَكَرَهُ من فرج المرأة قبل الإنزال.

اختلف أهل العلم في حُكْمه؛ لورود أدلة متعارضة في حكمه؛ منها:

حديث جابر رضي الله عنه قال: كنّا نعزل والقرآن ينزل

(1).

ومنها: حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين؛ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل، فأردنا أن نعزل، وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟ ! فسألناه عن ذلك، فقال:«ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة» (2).

هذه الأحاديث تدل على جواز العزل.

وأما ما أخرجه مسلم من حديث جذامة بنت وهب الأسدية؛ أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؛ فقال: «ذلك الوأد الخفي» (3)؛ فيدل على عدم الجواز.

والوأد هو دفن الطفل الصغير في التراب، كان أهل الجاهلية يفعلونه إما خشية الفقر أو خشية العار إن كانت بنتاً، وهو الوأد الظاهر، وأما العزل فهو الوأد الخفي.

فشبَّه الأول بالثاني، مع أن الأول قتل والثاني لاقتل فيه.

وبناء على اختلاف هذه الأحاديث اختلف العلماء في حكم العزل.

(1). أخرجه البخاري (5207)، ومسلم (1440).

(2)

. أخرجه البخاري (4138)، ومسلم (1438).

(3)

. أخرجه مسلم (1442).

ص: 322

والراجح: جواز العزل لما دلّت عليه الأحاديث التي في الصحيحين، وأما حديث جذامة فمحمول على الكراهة، وحمله البعض على أنه تنفير من فعل أهل الجاهلية الذين كانوا يَئِدونَ أبناءهم، مع أن بين الوأدين فرق كبير.

ولأهل العلم طرق كثيرة لتأويل هذا الحديث، ولا يبعد أن يكون المعنى الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هنا إنما أراد به من فعل هذا خشية الإملاق - أي الفقر - الذي كان أهل الجاهلية يئدون أبناءهم-أي يدفنونهم أحياء - لأجله.

قال رحمه الله: (ولا يَجُوزُ إِتْيانُ المَرْأَةِ في دُبُرِها)

ورد في ذلك عدة أحاديث، ذهب الحافظ ابن حجر والشوكاني وغيرهما إلى تقوية بعضها ببعض.

قال النووي رحمه الله: واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضاً كانت أو طاهراً؛ لأحاديث كثيرة مشهورة .... (1).

قال المؤلف: (والوَلَدُ للفِراشِ، ولا عِبْرَةَ لِشَبَهِهِ بِغَيْرِ صاحِبِهِ).

أي إذا تنازع اثنان في ولد لمن هو؟ فيكون الولد لصاحب الفراش؛ لقوله عليه السلام: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (2).

وصاحب الفراش هو من كانت المرأة موطوءة له حين الولادة.

والعاهر: هو الزاني؛ فله الخيبة والحرمان ولا حق له في الولد.

وبناء على ذلك؛ فلا يعمل بالشبه الذي يكون بين الولد والرجل، بل المعتبر الفراش، كما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) انظر "شرح صحيح مسلم "(10/ 6).

(2)

أخرجه البخاري (2053)، ومسلم (1457) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 323