الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن رشد: فأما الحرابة فاتفقوا على أنها إشهار السلاح، وقطع السبيل خارج المصر. واختلفوا فيمن حارب داخل المصر
…
انتهى
يبرز لأخذ مال، يخرج يريد أن يسيطر على مال الناس بتخويفهم وترهيبهم، مكابرة اعتماداً على القوة، مع البعد عن مسافة الغوث: يعني يخرج لأخذ المال من الناس بالقوة في مكان بعيد بحيث لا يستطيع أحد أن يساعد من يريد أخذ ماله.
قال المؤلف رحمه الله: (وهو أَحدُ الأنواعِ المَذكورةِ في القرآن الكريم: القَتلُ، أو الصَّلبُ، أو قَطعُ اليدِ والرجلِ مِن خِلافٍ، أو النَّفِيُ مِنَ الأرضِ، يَفعلُ الإمامُ منها ما رأى فيهِ صَلاحاً؛ لكلِّ مَن قَطعَ طَريقاً ولو في المِصرِ، إذا كانَ قد سَعَى في الأرضِ فَسَاداً، فإن تَابَ قَبلَ القُدرةِ عليهِ؛ سَقطَ عَنه ذلكَ)
أصل حد الحَرَابَة قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة/33]. فذكر: القتل، والصلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، والنفي.
هذه التي ذكرها الله تبارك وتعالى في حد المحارب، وظاهر الآية أن الإمام مخير بين تلك العقوبات؛ لأنها جاءت بلفظ (أو) إذا قلنا بأنها للتخيير.
قطع اليد والرجل من خلاف، يعني أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، وإذا قطعت اليد اليسرى تقطع الرجل اليمنى، هذا معنى (من خلاف).
والصلب هو التعليق على جذع أو خشبة ونحوها حتى يموت.
والنفي: تغريبهم عن وطنهم.
فإذا تاب قبل القدرة عليه، سقط عنه الحد؛ لقول الله تبارك وتعالى في آخر الآية:{إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة/34]، يوجد استثناء لقبول التوبة ومنع إقامة الحد، وهو قبل القدرة عليه، فإذا تاب المحارب قبل القدرة؛ لا يقام عليه الحد.
بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً
من يستحق أن يقتل عقوبة له.
قال: (هو: الحَربِيُّ، والمُرتَدُّ، والسَّاحرُ، والكَاهِنُ، والسَّابُّ للهِ أو لِرَسُولِهِ أو للإسلامِ أو للكتابِ أو للسنةِ، والطَّاعِنُ في الدِّينِ، والزِّندِيقُ؛ بَعدَ استِتَابَتِهِم، والزَّانِي المُحصَنُ، واللُّوطِيُّ مُطلَقاً، والمُحارِبُ)
هؤلاءالذين يستحقون القتل حدّاً
الأول الحربي هو الكافر الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا أمان ولا هو من أهل الذمة.
هذا هو المحارب، ليس مستأمناً ولا معاهداً، ولا هو من أهل الذمة.
ولا خلاف في قتل هؤلاء؛ لأمر الله بقتل المشركين في عدة مواضع من كتابه، ولكن طبعاً يكون ذلك بالنظر إلى المصالح والمفاسد وبالضوابط الشرعية.
الثاني: المرتد وهو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (1). وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ومنها كفرٌ بعد إيمان» (2) هذا الحديث متفق عليه، والذي قبله عند البخاري.
وأسباب الردة كثيرة منها: ما ذكره المؤلف رحمه الله.
الثالث: الساحر وهو الذي يعمل بالسحر، والسحر: عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرِّق بين الزوجين.
والساحر يُقتل لكون عمل السحر نوعاً من الكفر ففاعله مرتد.
صح عن غير واحد من الصحابة قتْلُه، وقال جندب رضي الله عنه: حد الساحر ضربة بالسيف (3) وجندب هذا أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الترمذي بعد ذكر حديث جندب: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس، وقال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملاً دون الكفر فلم نر عليه قتلاً.
الرابع: الكاهن وهو الذي يدعي معرفة الغيب، وهذا أيضاً مرتد؛ لأن دعوى معرفة الغيب كفر. قال الله تبارك وتعالى:{قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [
(1) أخرجه البخاري (6922).
(2)
أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676).
(3)
أخرجه الترمذي (1460)، مرفوعاً وصحح وقفه.
النمل/65]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«من أتى كاهناً أو عرافاً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» (1) هذا المصدِّق، والمصدَّق أوْلى.
الخامس: والساب لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة والطاعن في الدين:
هؤلاء كلهم داخلون في قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة/65/ 66].
فالساب لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب -القرآن- أو للسنة والطاعن في الدين، هذا يعتبر كافراً مرتداً عن دين الله تبارك وتعالى، ويجب على الحاكم قتله، وليس على أي أحد من الناس لأنا ذكرنا من البداية أن الحدود الشرعية إنما يقيمها الحكام فقط؛ لأنها لو تُركت لكل أحد لدبَّت الفوضى والخلافات بين الناس، ولكذب الناس على بعضهم البعض ليقتل بعضهم بعضاً.
فمثل هذا لا يكون إلا للحاكم.
وسب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم لا شك في أنه كفرٌ مخرج من ملة الإسلام، هذا أمرٌ مجمع عليه لا خلاف فيه ألبتة، وقد حصلت زلة من بعض أهل العلم وعذَرَ ساب الله أو ساب رسوله صلى الله عليه وسلم بسوء التربية، هذه زلة وغلطة من عالم جليل، ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» (2).
لكن لا يجوز لأحد أن يتابعه على هذه الزلة؛ لأن سوء التربية ليست من موانع التكفير عند علماء الإسلام، وهذه الزلة لا علاقة لها بمسألة الإرجاء، يحاول البعض تلبيساً وكذباً رمي هذا الشيخ بالإرجاء تحت هذه الذريعة، هناك فرق بين أن يقول الشخص: سب الله وسب رسوله ليس بكفر وإنما يدل على الكفر الذي في القلب، وبين أن يقول بأنه كفر ولكن فاعله يعذر بسوء التربية.
بينهما فرق كبير، ذاك الذي يقول بأن سب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم لا يعتبر كفراً وإنما هو دليلٌ على الكفر، هذا مرجئ، فهذا الذي تقوله المرجئة.
المرجئة عندما يقولون بكفر الأعمال لا يقولون بأن العمل نفسه مكفِّر؛ لأن عندهم الإيمان اعتقاد فقط أو اعتقاد وقول، الأعمال عندهم ليست من الإيمان، وبناءً على ذلك فلا تكون
(1) أخرجه أحمد (9290)، وأبو داود (3904)، والترمذي (135)، وابن ماجه (639).
(2)
تقدم تخريجه.
الأعمال كفراً، فلذلك لا يُكفِّرون بالأعمال ولكن يقولون: العمل الذي ثبت بأنه كفر في الكتاب والسنة هو دليل على ما في القلب من كفر.
فمسألة الإرجاء شيء ومسألة العذر بسوء التربية شيء آخر تماماً.
لكن هو قولٌ خطأ باطل، القول بالعذر بسوء التربية قولٌ خطأ، والذي يدل على أنه خطأ أمران: الأول: أنه لم يدل دليل من الكتاب والسنة يدل عل أن سوء التربية عذر يمنع التكفير؛ كالجهل والنسيان والخطأ وغيرها مما ثبت بالأدلة الشرعية.
الأمر الثاني: أنه ورد في السنة ما يدل على أن سوء التربية ليست مانعاً من موانع التكفير، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه» (1).
فهذا المولود ولد على الفطرة، والذي أفسد فطرته أبوه وأمه، فلم يكن هذا له عذر بعدما بلغ؛ تنصر أو تهود بسوء التربية، ولكن بعد أن بلغ وبلغته الرسالة لم يعد سوء التربية عذراً له على ما وقع فيه؛ لأن الرسالة وصلته ولم يبال بها.
كذلك ساب الله وساب رسوله بما أنه قد قامت عليه الحجة، وهو يعلم أن سب الله وسب رسوله غير جائز محرم، وفيه استخفاف واستهتار برب العالمين وبرسوله صلى الله عليه وسلم فلا عذر له، فمجرد أن يسب الله أو يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفر ويخرج من ملة الإسلام، إذا كان مكلفاً عاقلاً مختاراً قاصداً للفعل.
لزم التنبيه حتى لا نقع في الخطأ الذي وقع فيه غيرنا.
ثم السادس: الزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهذا كافرٌ في الباطن ولكن لا يقتل حتى يظهر كفره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل المنافقين الذين كانوا في زمنه، فهو زنديق يبطن الكفر ويظهر الإسلام ولكنه يعامَل على ما يُظهر، حتى يظهر خلافه.
قال المؤلف: بعد استتابتهم
أي لا يقتلون حتى تُعرض عليهم التوبة، فإن تابوا فلا يُقتلون وإلا قتلوا.
وهذه المسألة محل خلافٍ بين أهل العلم، هل تجب الاستتابة أم تُستحب، المؤلف استدل عليها بحديث ضعيف لا يصح.
قال ابن قدامة في المغني: لا يقتل - يعني المرتد- حتى يستتاب ثلاثاً، هذا قول أكثر أهل العلم؛ منهم عمر، وعلي، وعطاء، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق،
(1) أخرجه البخاري (1359)، ومسلم (2658).