الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق عليه، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» (1)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (2)، هذا كله يدل على تحريم قتل المسلم وقتاله.
استثني من هذا قتال البغاة، البغاة: جمع باغ، وهو الظالم المعتدي.
أصل جواز قتالهم، قول الله تبارك وتعالى:{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات/9/ 10]، هذا النوع من القتال هو قتالٌ لدفع المفسدة الناتجة عن ظلم المعتدي وتعديه، فهو قتال ضرورة لدفع أكبر المفسدتين؛ لذلك قال المؤلف: لا يُقتل أسيرهم ولا يُتبع مدبرهم.
الذي يفر يهرب لا يُلحق يُترك، والجريح لا يقتل، ولا تغنم أموالهم، هذا ما جرى عليه عمل السلف، في قتال البغاة.
والأصل عندنا تحريم دماء المسلمين وأموالهم، إلا بدليلٍ يدل على حله، ولا يوجد ما يدل على جواز قتل هؤلاء أو أخذ أموالهم، إذا تمكنّا من كسر شوكتهم بحيث دُفع ضررهم ومفسدتهم.
تنبيه: وقع لصديق حسن خان وهو أحد شراح الدرر في هذا الموطن، عند شرح هذه الفقرة؛ كلام سيء وقبيح، وفيه طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبب الخلاف الذي وقع بينهم، وحصل بسببه قتال بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، في كلامه انحراف وضلال كبير، وفيه تجنٍ وتعد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولخطورة ذاك الكلام وسوئه نبهت عليه، مع أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله لم يقصِّر في ذلك، فقد رد عليه ما قال، وذكر أن هذا مدخل شيعي دخل على المؤلف.
فَصلٌ
(1) أخرجه البخاري (31)، ومسلم (2888)
(2)
أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64)
قال المؤلف رحمه الله: (وطَاعةُ الأَئِمَّةِ وَاجبةٌ إلا في مَعصيةِ اللهِ، ولا يَجوزُ الخَروجُ عليهم، ما أَقامُوا الصَّلاةَ، ولم يُظهِرُوا كُفراً بَوَاحاً، ويَجبُ الصَّبرُ على جَورِهِم، وبَذلُ النَّصِيحةِ لَهم)
طاعة الأئمة المسلمين واجبة؛ لقول الله تبارك تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء/59]، بلغ الغلو في البعض أن يوجب طاعة الولي الكافر، هذا غباء وجهل حقيقة عجيب، ما جعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً، والعلماء متفقون على أن الإمام الكافر لا طاعة له، ولا حكم له على المسلمين، ولا يكون ولياً للمسلمين، كلام أهل السنة دائماً في الحاكم المسلم، هو الذي يطاع.
مسالة الخروج على الحاكم الكافر مسألة ثانية تتعلق بالقدرة، إن وُجدت أو عُدمت، لكن مسألة الطاعة مسألة أخرى، هي موضوعنا الآن، الطاعة لولي أمرٍ مسلم لا كافر، لقول الله تعالى:{أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء/59]، منكم يعني من المسلمين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل حبشي كأن رأسه زبيبة» (1) أخرجه البخاري.
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة متواترة تحث على طاعة ولاة الأمور.
وجاءت أحاديث أخرى بلزوم الصبر عليهم، وستأتي إن شاء الله، وذلك كله دفعاً للمفسدة التي ستترتب على الخروج عليهم، فمفسدة الخروج عليهم أكبر وأعظم من المفسدة التي تحصل منهم، فمفسدة الخروج عليهم تؤدي إلى سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وكثرة الفتن البلايا بين المسلمين، كما شوهد في هذه الأيام عياناً، فلأجل دفع هذه المفسدة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الأئمة الظلمة، أئمة الجور والظلم.
فهذه الأحاديث والآيات تدل على وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين.
إلا في حال أن يأمروا بمعصية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف» (2) متفق عليه، وقال:«على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (3) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري (693)
(2)
أخرجه البخاري (7257)، ومسلم (1840)
(3)
أخرجه البخاري (7144)، ومسلم (1839)
ولا يجوز الخروج عليهم ما لم نرَ كفراً بواحاً، وما أقاموا الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» (1) أخرجه مسلم.
ستكون أمراء -أي سيوجد أمراء- فتعرفون وتنكرون -من أعمالهم وأقوالهم تعرفون أشياء موافقة للشرع وتنكرون أشياء مخالفة للشرع- فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع من رضي بمنكرهم وتابعهم عليه، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ انظر إلى السؤال الآن، إن وجدنا أئمة كهؤلاء أفلا نقاتلهم؟ قال:«لا ما صَلّوا» .
استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على كفر تارك الصلاة؛ لأنه جاء في الحديث الثاني في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، يعني حتى وإن وُجد أمراء يؤثرون أنفسهم، يعني يخصون أنفسهم بالأموال وبالخيرات، ولا يعطون الناس حقوقهم، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.
فلا يجوز الخروج عليهم إلا إن وُجد كفر بواح، والكفر البواح: هو الواضح الظاهر الذي لا خفاء فيه.
عندكم من الله فيه برهان: أي عندكم دليل واضح من كتاب أو سنة، لا يحتمل التأويل، فدليلكم يكون واضحاً على كفره، على أن الذي فعله أو قاله كفر، وعلى أنه صدر منه، عندئذ يجوز الخروج عليه، أيضاً إن وُجدت القدرة، فتحقيق المصالح ودفع المفاسد هنا قاعدة عامة يجب إعمالها دائماً.
ويجب الصبر على ظلمهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني» (2) متفق عليه.
فالحاكم له حالة خاصة، في قضية الإنكار عليه، غلاة التكفير، والخوارج، ومن كان على منهجهم في هذه المسألة؛ يستدلون بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيجيزون الخروج عليه لأجل هذا.
(1) أخرجه مسلم (1854)
(2)
أخرجه البخاري (3163)، ومسلم (1845)
هذا الاستدلال باطل؛ لأنهم يستدلون بأدلة عامة، ونحن عندنا أدلة خاصة، والدليل الخاص بالاتفاق يكون مقدَّماً على الدليل العام.
فعندنا أدلة خاصة تخص الحاكم في كيفية التصرف معه عندما نرى منه منكراً، وهو الصبر عليه، والصبر عليه يكون بأن تؤدوا ما عليكم، وتسألوا الله ما لكم، كما جاء في حديثٍ آخر، فلا يجوز الخروج على الحاكم إلا أن نرى منه كفراً بواحاً، وعندنا قدرة على إزالته.
وأما النصيحة لهم فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (1)
قال النووي رحمه الله: وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم. قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم: الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح. انتهى.
قال المؤلف رحمه الله: (وعَليهمُ الذَّبُّ عن المُسلمينَ، وكَفُّ يَدِ الظَّالِمِ، وحِفظُ ثُغُورِهِم، وتَدبِيرُهُم بِالشَّرعِ في الأَبدَانِ، والأَديَانِ، والأَموَالِ، وتَفرِيقُ أَمْوالِ اللهِ في مَصَارِفِهَا، وعَدَمُ الاستِئثَارِ بِمَا فَوقَ الكِفايةِ بِالمَعرُوفِ، والمُبالَغةُ في إِصلاحِ السِّيرِةِ والسَّرِيرَةِ)
هذا ما يجب على الحكام مع شعوبهم ومع المسلمين.
الثغور: هي المواضع التي تَقْرُبُ من العدو، فيخاف أهلها منهم؛ كالحدود التي تكون مع دولة عدوة.
والاستئثار: تخصيص النفس بالشيء، فلا يجوز لهم أن يخصصوا أنفسهم بالأموال والخيرات ولا يعطوا المسلمين حقوقهم.
(1) أخرجه مسلم (55)
قوله: وعليهم: أي يجب على الأئمة الدفاع عن المسلمين، ومنع الظالم من الظلم، ويجب عليه أن يضع حرساً على الحدود، والأماكن التي يخشى فيها من العدو، فيضع عليها الحرس والمراقبين للتنبه للأعداء، ويجب عليه أن يحكم بشرع الله بين الناس في كل أمرهم: في أبدانهم، وأموالهم، وأعراضهم، وفي كل شيء.
ويجب أن يضع الأموال في مواضعها، ولا يخص نفسه بها، ولا يجوز له أن يأخذ إلا ما يكفيه بما هو معروف لمثله.
ويبالغ في إصلاح سيرته، أي طريقته، فيصلح نفسه في أقواله وأفعاله.
كل ذلك لا خلاف في وجوبه على الإمام، ولهذه الأمور شرع الله تبارك وتعالى نَصبَ الأئمة، والأدلة التي تدل على كل ما ذكر المؤلف كثيرة، ولو لم يوجد إلا حديث «الدين النصيحة» لكان كافياً. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله:
تَمَّ الكِتابُ وَرَبُّنَا مَحمُودُ
…
وَلَهُ المَكَارِمُ والعُلا والجُودُ
وعَلى النَّبِيِّ مُحمَّدٍ صَلواتُهُ
…
مَا نَاحَ قُمْرِيٌّ وأَورَقَ عُودُ
القُمري: نوع من الطير. ما ناح قمري: يعني مدة تغريده بصوته.
وأورق عود: يعني ظهر ورق الشجر على عيدانه.
يعني تستمر صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما لا نهاية.
قال: والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
ونحن كذلك نقول: الحمد لله على ما أنعم به وتفضل.
تمت مراجعته ليلة 3 /شوال / 1439 هجري، والحمد لله.