الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المؤلف رحمه الله:
(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)
صلاة السفر لها أحكام خاصة بها.
منها القصر:
لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قصر الصلاة الرباعية في السفر، وهي الظهر والعصر والعشاء، يصليها المسافر ركعتين.
دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع
قال الله تبارك وتعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}
قال يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب: فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:«صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» (1).
أي قصر الصلاة في السفر.
قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على أن لمن سافر سفراً يُقْصَرُ في مثله الصلاة، وكان سفره في حج أو عمرة أو جهاد، أن يقصر الظهر والعصر والعشاء، فيصلي كل واحدة منها ركعتين ركعتين» (2).
وأجمعوا على أن لا تقصير في صلاة المغرب، وصلاة الصبح (3).
قال ابن حزم: «واتفقوا على أن من حج أو اعتمر أو جاهد المشركين أو كانت مدة سفره ثلاثة أيام فصاعداً فصلى الظهر والعصر ركعتين فقد أدى ما عليه» (4).
ولكن اختلف أهل العلم في حكم القصر للمسافر، هل هو واجب أم مستحب؟
(1) أخرجه مسلم (686).
(2)
«الأوسط» (4/ 331)، و «الإجماع» لابن المنذر (ص 41).
(3)
«الإجماع» لابن المنذر (ص 41).
(4)
«مراتب الإجماع» (ص 25).
ذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب واستدلوا بقول عائشة:
«أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» متفق عليه (1).
وعن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة (2).
وقال بوجوب القصر غير واحد من الصحابة وغيرهم.
وأما من قال بأن للمسافر أن يتم ويقصر، فاحتج بفعل عثمان، فقد أتم وهو مسافر وصلى خلفه الصحابة وتابعوه على ذلك، ومنهم ابن مسعود (3)، ولو كان الإتمام غير جائز ما أتموا خلفه وإن كان إماماً، لأنه زاد في الصلاة ما ليس منها.
وكذلك احتجوا بالآية المتقدمة، ففي قوله {فليس عليكم جناح} نفي للجناح الذي هو الإثم، ونفي الجناح لا يدل على الوجوب.
قال ويدل على أنها رخصة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقة تصدق الله بها عليكم» (4) فالصدقة تكون رخصة.
ثم إن عائشة التي روت الحديث ثبت عنها أنها أتمت في السفر (5).
فالذي يظهر أن القصر ليس واجباً، والفريقان حجتهما قوية.
قال المؤلف: (على مَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ قاصِداً للسَفَرِ)
أي يجب القصر على من خرج من بلده قاصداً للسفر، فهذا هو المسافر، فهو الذي خرج من محل إقامته قاصداً السفر.
(1) أخرجه البخاري (350)، ومسلم (685).
(2)
أخرجه مسلم (687).
(3)
أخرجه أبو داود (1960)، وأصله في «البخاري» (1084)، ومسلم (695).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
أخرجه البخاري (1090)، ومسلم (685).
قال: (وإن كان دونَ بَرِيِدٍ)
أي وإن كانت مسافة السفر أقل من بريد، والبريد نصف يوم، أربعة فراسخ، أي ما يقارب عشرين كيلو.
والصحيح أنه لا حد للسفر بالمسافة، لأن التحديد يحتاج لدليل شرعي صحيح ولا يوجد، وإذا ورد حكم شرعي يحتاج إلى حد ولم نجد له حداً في الشرع، رجعنا إلى اللغة، فإن لم نجد له حداً في اللغة، نرجع إلى العرف.
فنظرنا في حد السفر الذي يعتبر به المسافر مسافراً له أحكام السفر في الشرع، فلم نجد، ونظرنا في اللغة فلم نجد، فرجعنا إلى العرف.
وقد جاء عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين» (1).
وثلاثة أميال تساوي خمسة كيلو مترات تقريباً.
وثلاثة فراسخ، الفرسخ الواحد ثلاثة أميال، فثلاثة فراسخ تساوي خمسة عشر كيلو تقريباً.
فهذا يرد قول من حدد السفر بخمس وثمانين كيلو، فالعبرة بالعرف.
قال المؤلف: (وإذا أقامَ ببلَدٍ مُتَرَدِّداً قَصَرَ إلى عشرين يوماً)
يريد أن من بقي متردداً ولم يعزم الإقامة في بلد ما مدة معينة، فإنه يبقى يقصر إلى عشرين يوماً ثم يتم.
وأخذ هذا العدد من أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة (2).
ولكن هذا لا يدل على التحديد، لأننا لا ندري إن بقي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك هل سيقصر أم سيتم؟ !
والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم.
(1) أخرجه مسلم (691).
(2)
أخرجه أحمد (14139)، وأبو داود (1235) عن جابر رضي الله عنه.
والصحيح أن المسافر مسافر ما لم ينو واحداً من أمرين:
الإقامة المطلقة: وهي أن ينوي الإقامة في البلد الذي نزله دون أن يقيد إقامته بزمن أو بعمل كسفراء البلدان مثلاً.
الاستيطان: وهو أن ينوي أن يتخذ البلد الذي نزله وطناً له، فلا نية له في الخروج منه.
قال المؤلف رحمه الله: (وإذا عزمَ على إقامةِ أربعٍ أتمَّ بَعْدَها)
يستدلون لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في حجة الوداع وأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة ثم خرج.
وكان عليه السلام قد عزم على الإقامة في مكة أربعة أيام لأنه قدم إلى الحج ولا ينصرف قبل الحج.
وهذا الدليل لا يصلح للاستدلال به لما ذكروا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة اتفاقاً، وبقي فيها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى مِنى، فما أدرانا أنه لو قدم في اليوم الثالث أو الثاني أتمَّ؟ فما حصل اتفاقاً لا يصلح أن يستدلّ به.
فالصواب ما ذكرنا سابقاً.
قال المؤلف: (وله الجَمْعُ تَقْديماً وتَأخِيراً)
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. متفق عليه (1)
فهذا فيه جمع تأخير.
(1) أخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (22094)، وأبو داود (1220)، وأصله عند مسلم (706).