الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ اللُّقطةِ
اللقطة: هي المال الضائع من ربه يلتقطه غيرُه.
المال الضائع من ربه: يعني من صاحب المال.
يلتقطه غيره: شخص آخر غير صاحب المال يجده، هذه تسمى لقطة.
قال المؤلف: (مَن وجدَ لُقَطَةً فليَعْرِفْ عِفَاصَها وَوِكاءَها، فإن جَاءَ صاحبُها دَفعَها إليهِ؛ وإلَّا عَرَّفَ بها حَوْلاً، وبعدَ ذلك يَجوزُ له صَرفُها ولو في نَفسهِ، ويَضمنُ مع مَجِيءِ صَاحِبِهَا)
هذا حكم اللقطة إذا لم تكن تافهة حقيرة بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، أصل باب اللقطة حديث زيد بن خالد في الصحيحين، قال: إنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ:«خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ - أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ - ثُمَّ قَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا، وَسِقَاؤُهَا، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» (1).
استنفق بها أي تملكها ثم أنفقها على نفسك.
وكاؤها هو الخيط الذي يُربط به الوعاء ويُشدّ؛ كالأوعية التي كانت تكون مصنوعة من الجلد مثلاً تديرها على بعضها هكذا ويصبح لها فم، فتربط هذا الفم بخيط، هذا الخيط يسمى وكاءً.
الوعاء: الظرف الذي توضع فيه.
العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة، نفس الوعاء يسمى عفاصاً.
(1) أخرجه البخاري (2436)، ومسلم (1722).
والمقصود أن تعرف أوصافها التي تتميز بها، فإن جاء صاحبها ووصفها فهي له وجب دفعها إليه.
ويعرِّفها سنة كما في حديث زيد بن خالد قال: ثم عرِّفها سنة.
وتعريفها يكون في مجامع الناس أي أماكن اجتماعهم كالأسواق وأمام المساجد، تعرَّف لمدة سنة، كل شهر ثلاث أربع مرات مثلاً تضع منشورات أو تنادي أنت بنفسك، تقول: من ضاعت منه محفظة فيها كذا وكذا، طبعاً لا تذكر الأوصاف حتى يذكرها الذي يأتي ويدعي أنها له. فتذكر مثلاً: من ضيع محفظة أو من أضاع قدراً من المال أو ما شابه وتنشر ذلك بين الناس مرتين ثلاث في كل شهر أربع، حسب ما تستطيع إلى مدة سنة كاملة، وبعد السنة قال المؤلف: وبعد ذلك يجوز له صرفها ولو في نفسه. إذا لم يأتِ صاحبها يجوز له أن يستعملها أو أن يتصدق بها الأمر إليه يتصرف فيها كما يشاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «ثم استنفق بها» ، وفي رواية في الصحيح:«ثم استمتع بها» فله أن يستعملها وينتفع بها.
وقول المؤلف: ويضمن مع مجيء صاحبها أي في أي وقت جاء صاحبها ضمِن الشخص الذي استعملها، لرواية عند مسلم في نفس حديث زيد بن خالد، قال:«فإن جاء صاحبها طالباً يوماً من الدهر فأدها إليه» يوماً من الدهر يعني في أي يوم جاء صاحبها يطالب بها وجب عليه أن يؤديها إليه أو يعوضه بدلها.
قال المؤلف: (ولُقطةُ مكةَ أشدَّ تَعرِيفاً مِن غَيرِهَا)
بل لا تحل اللقطة التي وجدت في مكة إلا لمعرِّف، فواجب تعريفها أبداً دائماً، أما الاستعمال والتملُّك فلا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة:«لا تُلتقَط لُقطتُها إلا لمُعرِّف» (1) متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: ومعنى الحديث: لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة ثم يتملكها كما في باقي البلاد؛ بل لا تحل إلا لمن يعرفها أبداً ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وغيرهم، وقال مالك: يجوز تملكها بعد تعرفها سنة كما في سائر البلاد، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، ويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة. انتهى.
(1) أخرجه البخاري (1883)، ومسلم (1353).
قال المؤلف رحمه الله: ولا بَأسَ بَأن يَنتفعَ المُلتقِطُ بالشيءِ الحَقيرِ؛ كالعَصا والسَّوطِ ونَحوِهما بعدَ التَّعريفِ بهِ ثَلاثاً)
يعني يجوز الانتفاع بالشيء الحقير التافه الذي لا قدر له في عرف الناس، من غير تعريفٍ به على الصحيح خلافاً للمؤلف الذي قال بالتعريف لمدة ثلاثة أيام؛ لحديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال:«لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» (1) ليس في الحديث ذكرٌ للتعريف مطلقاً.
وما احتج به المؤلف على التعريف ثلاثاً ضعيف لا يصح، وهو حديث:«مَنْ التقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك؛ فليعرِّفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام» (2) وهو حديث كما ذكرنا لا يصح، وكذلك جاء في حديث أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً أن يعرِّف ديناراً وجده في السوق ثلاثة أيام (3). وهو كذلك ضعيف لا يعتمد عليه.
وما في الصحيحين أولى بالاعتماد عليه وجعله أصلاً لهذا الباب.
والضابط في معرفة الحقير من غيره: العرف، العرف بين الناس اليوم: الدينار والديناران والثلاثة والخمسة دنانير أشياء حقيرة لا قيمة لها، ويختلف باختلاف البلدان والأزمان.
قال المؤلف رحمه الله: وتُلتقطُ ضَالةُ الدَّوابِّ إلَّا الإبلِ)
في آخر حديث زيد بن خالد المتقدم في الصحيحين، فقال الرجل: يا رسول الله: فضالة الغنم؟ قال: «خُذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» قال: يا رسول الله: فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه ثم قال: «ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها» فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ضالة الغنم وهي الضأن أو المعز إذا ضلت
(1) أخرجه البخاري (2431)، ومسلم (1071).
(2)
أخرجه أحمد (13276)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 323) من حديث يعلى بن مرة، قال البيهقي: تفرد به عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد ضعفه يحيى بن معين، ورماه جرير بن عبد الحميد وغيره بشرب الخمر. انتهى. قلت: وعمر هذا يرويه عن جدته حكيمة وهي مجهولة، انظر الضعيفة للألباني رحمه الله (6337).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (10/ 142)، وأبو يعلى (1073) وفي سنده راويان ضعيفان أبو بكر بن محمد بن أبي سبرة وضاع ولكنه متابع، وشريك بن عبد الله بن أبي نمرضعيف. وللحديث طرق أخرى ضعيفة ليس فيها التعريف، عند أبي داود وغيره، انظرها في البدر المنير (7/ 158).
ووجدها شخص له أن يأخذها فإما أن تأخذها أنت أو يأخذها أخوك الآخر أو أن تكون من نصيب الذئب.
أما ضالة الإبل فلا يجوز أخذها؛ لأن ضالة الإبل معها طعامها وشرابها ترعى وتأكل من هنا وهناك وتبقى إلى أن يجدها صاحبها، لا تضيع لا يمكن للذئب أن يأكلها ولا تضيع، فترجع إلى صاحبها أو صاحبها يجدها فلا يجوز أخذها.
ويجب أن يعرف ضالة الغنم قبل أخذها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من آوى ضالة فهو ضالٌّ ما لم يعرِّفها» (1) وهذا أخرجه مسلم.
وهل يجب عليه أن يعرِّفها سنة؟ الصحيح لا.
بعض العلماء قال: نعم، قياساً على اللقطة، هذه الضالة ليست لقطة، لكن قاسوها على اللقطة.
ويوجد فرق بين اللقطة وضالة الغنم؛ فهذه تحتاج إلى نفقة وإلى رعاية بخلاف تلك.
الضالة تطلق على الحيوان، الإنسان والدواب وما شابه، فيقال فيهم: ضالة.
وأما اللقطة فتطلق على ما سوى ذلك.
والتعريف يكون بأن يذكرها في الموضع الذي وجدها فيه، في أماكن اجتماع الناس؛ كالأسواق وأمام المساجد.
(1) أخرجه مسلم (1725).