الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» (1)
«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد» ، الخطاب لسيد الأمة.
«ولا يُثَرِّب عليها» أي لا يوبخها ويعنِّفها.
هذا الحديث يدل على جواز إقامة السيد الحد على عبيده وإمائه.
بابُ حَدِّ السَّرقةِ
السرقة في اللغة: هي الأخذ خفية. وشرعاً: أخذ مال الغير خُفيَة من حِرْزِ مثله.
قال المؤلف رحمه الله: (مَنْ سَرقَ - مُكلَّفاً مُختَاراً- مِن حِرْزٍ رُبعَ دِينارَ فَصاعِداً؛ قُطِعَت كَفُّهُ اليُمنَى)
حد السرقة: قَطْع اليد؛ لقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة/38]، وقَطَع النبي صلى الله عليه وسلم الكَفَ في السرقة، جاء ذلك في حديث أخرجه البيهقي (2) وله شواهد.
فاليد التي تقطع هي الكف، من العظم البارز أول الكف، من المفصل إلى رؤوس الأصابع.
والسرقة التي تُقطع بها اليد لها شروط: للسارق شروط وللمسروق شروط، إذا تحققت قطعت اليد وإلا فلا.
شروط السارق: أن يكون مكلفاً، يعني بالغاً عاقلاً.
في جميع الحدود الشرعية لا بد أن يكون المرء مكلفاً؛ لإقامة الحدود عليه.
(1) أخرجه البخاري (6839)، ومسلم (1703).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 470).
وغير المكلف مرفوعٌ عنه القلم.
وأن يكون أيضاً مختاراً، أي يسرق بإرادته من غير إكراه، فالإكراه يمنع من إقامة الحد، تقدمت أدلة ذلك.
وشروط المسروق أن يكون في حِرْزِ مثله عادة.
الحرز: الحفظ، يعني أن يكون المسروق محفوظاً في مكانٍ مثله يُحفظ فيه عادة، مثلاً الذهب: إذا كان المسروق ذهباً، يحفظ الذهب عادة داخل البيوت في أماكن خاصة، المهم في الأمر أنه يحفظ عند الناس في أماكن معينة معلومة عندهم.
فإذا سُرق الذهب من مكان يحفظ فيه عادة، يكون قد سُرق من حرزه.
هذا معنى الحرز، يعني المكان الذي يُحفظ فيه الشيء عادة، وهذا يختلف باختلاف الأشياء وباختلاف الأعراف أيضاً أعراف الناس.
السيارة مثلاً تحفظ بإغلاقها، فإذا أُغلقت تكون محروزة، وأما إذا كانت مفتوحة فلا تكون محروزة، فإذا سرقها السارق وهي مفتوحة لا تُقطع يده، أما إذا سرقها وهي مغلقة تقطع يده بها.
والأموال النقدية تحفظ في البيوت وتحفظ أيضاً في البنوك اليوم، فإذا سُرقت من أماكن كهذه، فقد سُرقت من حرز مثلها.
فالمسروق شرطه أن يكون في حرزِ مثله، أي محفوظاً في مكان يحفظ فيه مثله عادة، أي في عادة الناس.
ثانياً: أن تكون قيمته ربع دينارٍ فصاعداً، ربع دينار، دينار من الذهب، إذا كانت قيمة المسروق ربع دينار فصاعداً تقطع فيه اليد وإلا فلا.
الدينار من الذهب أربعة غرامات وربع، فربع دينار يساوي غراماً واحداً وربع الربع، ربع دينار تقدر اليوم بسبع وثلاثين ديناراً أردنياً، ما يساوي مائة وثلاثاً وتسعين ريالاً سعودياً، ويختلف من وقت لآخر على حسب ثمن غرام الذهب.
هذا القدر الذي تقطع به اليد، أما أقل من هذا فلا تقطع اليد به.
فإذا توفرت هذه الشروط وجب قطع يد السارق.
والذي يُقطع هو كف اليد اليمنى، بهذا جاءت السُّنة.
وكما علمنا أن قطع اليد ثابت في القرآن: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة/38] هذا أمر متفق عليه في الجملة.
فمن أعظم الضلال أن يأتي شخص ويقول قطع اليد من مسائل الفقه وليست من المسائل الشرعية. كلام فاسد، قطع اليد وارد في كتاب الله، في القرآن وفي السنة ومجمع عليه؛ فلا يجوز لأحد أن يرده كائناً من كان، وردُّه كفر، رد قطع اليد كفر.
ودليل نصاب السرقة قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً» (1) أخرجه مسلم. هذا دليل نصاب السرقة.
وأما دليل الحرز؛ فحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلَّق فقال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه» سيأتي إن شاء الله شرح هذا الحديث كاملاً في موضعه.
«ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يأويه الجَرينُ فبلغ ثمن المِجَنِّ فعليه القطع» (2) الشاهد من الحديث أنه في البداية لما قال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خُبْنَةً فلا شيء عليه» يعني من أخذ من ثمار الأشجار وأكل فلا شيء عليه، بشرط أن لا يكون قد اتخذ خبنة يعني لم يملأ كيساً أو ما شابه وحمل معه.
قال: «ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة» .
هنا جعل الخروج بالثمار من المزرعة عليه الغرامة والعقوبة ولم يجعل عليه قطعاً، بينما قال:«ومن سرق منه شيئاً بعد أن يأويه الجرين فبلغ ثمن المِجَنّ فعليه القطع» . فرَّق هنا ما بين أن يأويه الجرين وبين أن يكون على الشجر.
ما يكون على الشجر لا يكون في حرز، ليس محروزاً، خاصة أنهم قالوا: بأن مزارع المدينة لم تكن محاطة بجدران أصلاً لا أسوار عليها، فهو ليس مالاً محروزاً بينما ما آواه الجرين صار مالاً محروزاً، الجرين: موضع تجفيف التمر، وهو مكان تحفظ فيه عادة فهو حرز، هذا الذي جعل العلماء يشترطون شرط الحرز في قطع اليد. والله أعلم
(1) أخرجه البخاري (6789)، ومسلم (1684).
(2)
أخرجه أبو داود وغيره، تقدم تخريجه.
قال المؤلف رحمه الله: ويَكفي الإقرَارُ مَرةً واحِدةً)
قدمنا القول في ذلك فالاعتراف مرة واحدة كافٍ لإقامة الحد على الشخص، وقدمنا أدلة ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: (أو شهادةُ عَدلينِ)
لكون السرقة مندرجة تحت ما ورد من أدلة الكتاب والسنة في اعتبار الشاهدين، وقد تقدم ذلك أيضاً.
قال المؤلف رحمه الله: (ويُندبُ تَلقينُ المُسْقِطِ)
المقصود بالمسقط: النادم، يعني من ندم على فعلته يستحب أن يلقَّن، يلقن عدم الاعتراف، يعني يُستحب للقاضي أن يقول له: لا أظنك سرقت، حتى يقول: نعم لم أسرق. فهذا الذي ذكره المؤلف، واستدل المؤلف رحمه الله بحديث ضعيف من حديث أبي أمية المخزومي عند أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بِلِصٍّ اعترف اعترافاً ولم يوجد معه متاع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ما إخالك سرقت» (1) يعني ما أظنك سرقت، قال: بلى مرتين أو ثلاث.
هذا الحديث ضعيف فيه راوٍ لا يعرف، وله شاهد من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة، والصحيح في هذا الثاني أنه مرسل من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذه هي الرواية الصواب أما ذكر أبي هريرة فيه فغلط، فالحديث ضعيف.
فعلى ذلك فكلام المؤلف في هذه الفقرة لا يسلَّم، ليس بصحيح.
قال المؤلف رحمه الله: (ويُحسَمُ مَوضعُ القَطعِ)
بعد قطع اليد يحسم موضع القطع، أي يُكوى، يكوى حتى ينقطع سيلان الدم.
الحَسْم: قطع الدم بالكَيّ. هذا تعريفه، ولا يصح فيه شيء، ورد فيه حديث أبي هريرة الذي تقدم من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة والصحيح فيه الإرسال.
ولكن لا بد من قطع الدم حتى لا يهلك المقطوع.
(1) أخرجه أحمد (22508)، وأبو داود (4380)، والنسائي (4877)، وابن ماجه (2597).
قال المؤلف رحمه الله: وتُعَلَّقُ اليَدُ في عُنُقِ السَّارقِ)
أي بعد أن تقطع اليد تُعلَّق في عنق السارق، ورد في ذلك حديث أخرجه أبو داود وغيره عن فضالة بن عبيد قال:«أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارقٍ فقطعت يده، ثم أمر بها فعُلِّقت في عنقه» (1) ولكنه حديث ضعيف لا يحتج به، فلا يصح هذا الحكم.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَسقطُ: بعَفوِ المَسرُوقِ عَليهِ قَبلَ البُلوغِ إلى السُّلطانِ لا بَعدَهُ؛ فقدْ وَجَبَ)
يعني إذا وصل السارق إلى الحاكم، لا يجوز العفو عنه، لكن إذا لم يصل إلى الحاكم جاز العفو عنه؛ لحديث صفوان بن أمية قال: كنت نائماً في المسجد على خميصة لي - نوع من أنواع الثياب- فسُرقت، فأخذنا السارق، فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه، فقلت: يا رسول الله، أفي خميصة ثمن ثلاثين درهماً؟ ! أنا أهبها له، فقال:«فهلّا كان قبل أن تأتيني به؟ » (2) أخرجه أحمد وأبو داود.
إذا كنت تريد أن تعفو عنه، فلك ذلك ولكن قبل أن يصل الأمر إلى الحاكم.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا قَطعَ في ثَمرٍ ولا كَثَرٍ مَا لم يُؤوِهِ الجَرِينُ، إذا أكلَ ولم يَتَّخِذْ خُبْنَةً؛ وإلا كانَ عليهِ ثَمنُ مَا حَملَهُ مَرَّتينِ، وضَرْبَ نَكَالٍ)
هذا ما يقتضيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المتقدم، وهو: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلَّق، عن الثمر: يعني ثمر الشجر المعلق على الشجر.
فقال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه» يعني من أخذ من هذا الشجر من ثمارها وأكلها وهو بحاجة إلى ذلك بسبب جوع مثلاً، ولم يتخذ خبنة يعني لم يحمل في ثوبه ويخرج به.
ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة: أي من حمل في ثيابه أو في كيسه وخرج به فهذا عليه غرامة مثليه، يعني مثلاً يساوي ما أخذه عشرة دنانير، فيلزمه أن يدفع عشرين ديناراً، الضعف، وعليه العقوبة: ويعاقب أيضاً على فعله.
(1) أخرجه أحمد (23946)، وأبو داود (4411)، والترمذي (1447)، والنسائي (4982)، وابن ماجه (2587).
(2)
أخرجه أحمد (15306)، وأبو داود (4394)، والنسائي (4884)، وابن ماجه (2595).
ومن سَرَق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجَرين: يعني مَن سرق منه (من الثمار) بعد أن توضع الثمار في مكان تحفظ فيه وتجفف.
فبلغ ثمن المِجَنّ فعليه القطع: فيقطع إذا بلغ القدر الشرعي للقطع.
هذا هو الحديث الذي ورد في ذلك.
المؤلف قال: ولا قطع في ثمر ولا كثر.
الثمرهو: ثمر النخل والأشجار، والكَثَرْ: طلع النخل.
يقول هنا لا قطع فيه ما لم يؤوه الجرين: ما لم يوضع في مكان حفظه وتجفيفه، يعني إذا كان على الشجر لا قطع فيه للحديث المتقدم.
فإما أن يأكل فقط فلا شيء عليه، أو يحمل معه، يتخذ خبنة، فإذا لم يبلغ القدر الذي يقطع فيه؛ فعليه ثمن ما حمله مرتين وضرب نكال، عليه العقوبة وهي الضرب.
وإذا بلغ فعليه القطع.
هذا كله مقتضى الحديث الذي تقدم وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
فعندنا أخذ الثمر له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يأكل عن الشجر لحاجة فهذا لا شيء عليه، وهو جائز.
الحالة الثانية: أن يأخذ عن الشجر ويحمل معه في كيسه أو في ثوبه ويخرج به، وهذا فيه عقوبة وفيه أيضاً الغرامة المالية.
والحالة الثالثة: وهي أن يسرقه من مكان حفظه وتجفيفه، يسرق منه ما يساوي ربع دينار فما فوق ففي هذه الحالة تقطع يده.
قال المؤلف رحمه الله: (وَليسَ عَلى الخَائِنِ والمُنتَهِبِ والمُختَلِسِ قَطعٌ، وَقدْ ثَبتَ القَطعُ فِي جَحدِ العَارِيَّةِ)
لا بد من التفريق بين السارق، والخائن، والمُنتهب، والمُختلس، وجاحدُ العاريّة.
السارق تقدم تعريفه وحكمه.
الخائن هو: الذي يأخذ المال خُفية من مالكه، مع إظهاره النصح والحفظ.
يعني يظهر لصاحب المال أنه ناصح له وحافظ لماله، يُظهر له ذلك ثم إذا تمكن من مال الشخص أخذه خفية عن صاحبه.