الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتابُ المَوَاريثِ
المواريث: جمع ميراث، وهو اسمٌ لما يورث عن الميت.
يقال: ورث فلان غيره إذا ناله شيء من تركته، أو خَلَفه في أمرٍ من الأمور بعد وفاته.
قال المؤلف: (هي مُفصلَّةٌ في الكِتابِ العَزيزِ)
في سورة النساء الآية 11 والآية 12 والآية 176 فصل الله سبحانه وتعالى الكثير من حقوق العباد في التركة.
نمر عليها هنا مروراً سريعاً، والتفصيل تجدونه في شرحي على الرحبية.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء/11] هذه القسمة الأولى من التركة {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} : إذا مرت معك كلمة الأولاد في القرآن أو في السنة اعرف أن المقصود بها الذكر والأنثى.
{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} : إذن الذكر من الأبناء له نصيبان، والأنثى لها نصيب واحد، فإذا أخذ الذكر مائة دينار فالأنثى تأخذ خمسين ديناراً.
{فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} : إذا كان الشخص لم يترك أبناء ذكوراً، ولكنه ترك بنات إناثاً، وهنَّ أكثر من اثنتين، مات وترك ثلاث بنات أو أربعة أو خمسة أو أكثر، قال:{فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} : الثلثان يُقسَّم الثلثان على عدد البنات، كلهن يأخذن الثلثين، والثنتان كذلك قياساً عند أهل العلم على الأخوات.
{وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} : إذا ترك الميت بنتاً واحدة، هلك هالك وترك بنتاً فلها النصف، طيب إذا معها أخ؟ نرجع لأول الآية:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} فهنا الآن هي واحدة، لا معها أخت ولا معها أخ بالنسبة لها.
دائماً الأوصاف التي تُذكر، تذكر للميت، عندما يقال: هلك هالك وترك بنتاً، وأخاً، وأماً، هذه النسبة بالنسبة للميت، يعني بنت الميت، وأخ الميت .. إلخ.
ميراث الأبوين:
قال تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ} : لأبوي الميت، الأبوان على التغليب، المقصود الأب والأم.
{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} يعني الأم والأب لكل واحد منهما السدس {مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} يعني إذا هلك هالك وترك أباً وأماً وعنده ولد، عنده ذرية ذكور أم إناث، واحد أم أكثر المهم عنده ولد، فإذا كان عنده ولد فلأبيه السدس، ولأمه السدس، والولد بعد ذلك يأخذ الباقي إذا كان ذكراً، وإذا كانت أنثى واحدة تأخذ النصف منه والباقي يرجع إلى الأب.
{فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} يعني إذا لم يكن له أولاد فأمه تأخذ الثلث، والباقي لأبيه.
{فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} إذا كان له إخوة فلأمه السدس، فالأم تأخذ السدس في حال وجود الولد، وفي حال وجود جمع من الإخوة: اثنان فصاعدأ، قال:{فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} إذا كان له أخ واحد لا، أما إذا كان له إخوة يعني جمعاً فلأمه السدس، إذا كان له أخ واحد تأخذ الثلث كما تقدم.
{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} تقسيم التركة يكون بعد الوصية والدين.
{آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً
…
} الخ الآية.
ثم قال بعد ذلك: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ}
الآن انتقل إلى ميراث الأزواج والزوجات.
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} إذا ماتت الزوجة فإما أن يكون لها أولاد واحد أو أكثر، أو لا، فإذا كان لها أولاد فزوجها يرث الربع، وإذا لم يكن لها أولاد فالزوج يرث النصف، سواء كان الأولاد أولاد الزوج أم أولاد غيره لا فرق، المهم أنهم أولادها هي.
وأما إذا كان الميت الزوج، فإذا كان له أولاد فترث الزوجة الثمن، وإذا لم يكن له أولاد فترث الربع.
وإذا كن الزوجات أكثر من واحدة يتقاسمن الربع والثمن، فهو ربع واحد وثمن واحد يتقاسمنه.
ميراث الأخوة لأم
{وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ} يورث كلالة أي لا والد له ولا ولد.
هذا الذي يورث كلالة {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} الأخ أو الأخت المراد هنا الأخوة لأم، جاء هذا في قراءة لابن مسعود: أخ لأم أو أخت لأم.
ومعنى أن يكون أخاً لأم أنه ليس شقيقاً من الأبوين، بل من الأم فقط.
الأخ لأب الذي هو أخوه من أبيه فقط وليس من أمه أمهما تختلف، والأخ لأم أخوه من أمه، أي أن أمهما واحدة وأبوهما مختلف، والأخ الشقيق هو الذي يشترك في الأب والأم.
{وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} لا والد له ولا ولد لكن له أخ لأم أو أخت لأم {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} هلك الهالك ولم يترك والداً ولا ولداً، ولكنه ترك أخاً لأم، أخوه لأمه هذا يأخذ السدس، وكذلك لو ترك أختاً لأم تأخذ السدس لا فرق.
{فَإِن كَانُوَا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ} إذا ترك أكثر من واحد {فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} يعني ترك اثنين أو أكثر من الأخوة لأم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً أو ذكوراً وإناثاً؛ فلهم الثلث يتقاسمونه بالتساوي فقط.
ميراث الأخت الشقيقة والأخت لأب
بقيت الآية الأخيرة، قال ربنا تبارك وتعالى فيها:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} قلنا الكلالة أن يهلك الهالك ولا يترك والداً ولا ولداً {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} الأخت هنا غير الأخت هناك، هذه الأخت هي الشقيقة أو لأب {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ} يعني هي ترث نصف ماله إذا لم يكن له والد ولا ولد، وهو يرث المال كله، يرثها بكل مالها إذا لم يكن لها ولد ولا والد {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} إذا كانت الأخوات اللاتي تركهن اثنتين فأكثر فلهن الثلثان مما ترك.
{وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} يعني مثل الأبناء والبنات، إذا ترك إخوة وأخوات فللذكر مثل حظ الأنثيين.
هذه هي الآيات التي ذُكرت في المواريث.
على كلٍّ ضبط موضوع المواريث بشكل كامل لا بد من دراسة الرحبية.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَجبُ الابتِداءُ بِذَوِي الفُرُوضِ المُقدَّرةِ، وما بَقِيَ فَللعَصَبةِ)
هذه أصل في تقسيم المواريث، أول ما تبدأ تعطي أصحاب الفروض المقدرة فروضهم.
هذا ما أفاده كلام المؤلف أن الورثة قسمان: قسم يرث بالفرض، وقسم آخر يرث بالتعصيب. والمراد بالفرض هنا: النصيب المقدر شرعاً؛ كالربع والثلث والنصف كما تقدم.
والمراد بالعصبة: الذين يحوزون جميع المال، يأخذون المال بالكامل كله، مثل ما تقدم معنا. مثلاً الأخ مع أخته إذا ماتت الأخت وتركت أخاً، الأخ يأخذ المال كله، فهذا يسمى عصبة. الذين يحوزون المال كله هؤلاء يسمون عصبة.
أما الذي يأخذ نصيباً مقدراً في الشرع كالنصف والربع فهؤلاء يسمون أصحاب فروض. فيجب البدء بأصحاب الفروض فيُعطى كل واحدٍ منهم نصيبه المقدر له شرعاً.
أول شيء نفعله فصاحب الربع يأخذ ربع، وصاحب النصف يأخذ النصف وهكذا.
ثم ما بقي من المال بعد ذلك يعطى للعصبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأَوْلى رجل ذَكَر» (1) فبدأ بأصحاب الفروض، ثم قال:«فما بقي فلأَوْلى رجلٍ ذكر» ، يعني ما يبقى من المال يأخذه العصبة، الأَوْلى منهم.
قال المؤلف: (والأخواتُ مع البَّناتِ عَصَبَةٌ)
(1) أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615).
الأخوات مع البنات عصبة: أي يأخذن ما بقي من غير تقدي، كما يأخذه الرجل بعد فروض أهل الفروض، في الحديث قال:«ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» .
وهنا أيضاً من النساء من يكن عصبات، منها هذه الصورة، الأخوات مع البنات، الأخوات مع البنات يكن عصبة أي يأخذن ما بقي من المال؛ لحديث ابن مسعود عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى «لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» (1).
قال المؤلف رحمه الله: (ولِبنتِ الابنِ مع البِنتِ السُّدسُ تَكملةَ الثُّلثينِ)
هذا لحديث ابن مسعود المتقدم، النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بنت الابن السدس مع وجود البنت.
قال المؤلف: (وكَذا الأُختُ لأَبٍ مع الأُختِ لأَبَوينِ)
يعني الأخت لأب مع الأخت الشقيقة ترث كذلك السدس.
الأخت لأب ترث السدس مع الأخت الشقيقة بالإجماع، وقياساً أيضاً على التي قبلها؛ بنت الابن مع البنت.
قال صاحب الرحبية في ذلك:
وَبِنْتُ الابْنِ تَأْخُذُ السُّدْسَ إِذَا
…
كَانَتْ مَعَ الْبِنْتِ مِثَالاً يُحْتَذَى
وَهَكَذَا الأُخْتُ مَعَ الأُخْتِ الَّتِي
…
بِالأَبَوَيْنِ يَا أُخَيَّ أَدْلَتِ
قال المؤلف: (وللجَدَّةِ أو الجداتِ السُّدسُ مع عَدمِ الأُمِّ)
يعني الجدة أو الجدات، يعني سواء كانت جدة واحدة أم مجموعة من الجدات يأخذن السدس يتقاسمنه، لكن بشرط أن لا تكون الأم موجودة.
قال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أُم.
كثير من مسائل المواريث مجمع عليها، راجعوا لذلك كتاب الإجماع لابن المنذر، ومراتب الإجماع لابن حزم.
قال المؤلف: (وَهو للجَدِّ مع مَن لا يُسقِطُهُ)
أي السدس يأخذه أيضاً الجد بشرط أن لا يوجد من يسقط الجد مثل الأب، إذا وجد الأب يُسقط الجد؛ لأن الجد أبٌ، فله حكمه.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن حكم الجد حكم الأب.
وقال: وأجمعوا على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا مِيراثَ للإخوةِ والأخواتِ مُطلقاً مَعَ الابنِ أو ابنِ الابنِ أو الأبِ، وفي مِيراثِهِم مع الجدِّ خِلافٌ، ويَرِثونَ مع البناتِ إلا الإخوةَ لأمٍ، ويَسقطُ الأخُ لأبٍ مَع الأخِ لأَبَوينِ)
هذا بيان لميراث الإخوة والأخوات.
(1) أخرجه البخاري (6736).
وهؤلاء ثلاثة أقسام:
إخوة أشقاء للميت.
وإخوة لأب.
وإخوة لأم.
الإخوة والأخوات جميعاً لا يرثون مع وجود الأبناء الذكور للميت.
إذا وجد أولاد للميت ذكور فالإخوة والأخوات جميعاً لا يرثون، ولا مع وجود الأب والجد على الصحيح من أقوال أهل العلم.
المؤلف ذكر الخلاف والخلاف كبير في المسألة، والصحيح أن الجد أب وحكمه حكم الأب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن بن علي:«ابني هذا سيد» (1) وهو جد، فالجد أب فيأخذ حكم الأب. والإخوة الأشقاء والإخوة لأب يرثون مع وجود البنات.
وأما الإخوة لأم فلا يرثون مع وجود البنات.
ويسقط الأخ لأب مع الأخ لأبوين، الأخ لأب في حال وجود الأخ لأبوين -الذي هو الأخ الشقيق للميت- يسقط الأخ لأب، فالأخ الشقيق أقوى من الأخ لأب لأنه يصل إلى الميت من جهتين، وهذا معصِب وهذا معصِّب، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قال:«فما بقي فلأَوْلى رجل ذكر» إذن عند تزاحم العصَبات يقدَّم الأَوْلى الذي هو أقوى في القرب من الميت أو في العلاقة مع الميت.
قال المؤلف رحمه الله: (وأُولُو الأَرحامِ يَتَوارثُونَ؛ وهم أقدمُ مِن بيتِ المَالِ)
في توريث أولي الأرحام خلاف بين أهل العلم كبير، ومقصود المؤلف هنا: إذا لم يكن للميت ورثة يرثونه من الذين ورثهم الشرع؛ يرثه في هذه الحالة أولو الأرحام الذين لم يورثهم الشرع، وهم يقدَّمون على بيت المال، يقدمون على بيت مال المسلمين.
أولو الأرحام: كل قريب لا يرث بالفرض ولا بالتعصيب.
مثل الخال وابن البنت والجد والد الأم.
هؤلاء ليسوا من الورثة ولكنهم أقارب أرحام.
والخلاف كما ذكرنا كبير في هذه المسألة، هل الميت إذا لم يكن له ورثة، هل يقسم ماله على أولي الأرحام أم يعطى لبيت مال المسلمين؟
المؤلف يقول يقسم على أولي الأرحام ويستدل بقول الله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال/75]، والصحيح أن أولي الأرحام من غير الورثة لا ميراث لهم، لعدم الدليل على ذلك.
وأما الآية فنزلت في كون المسلمين كانوا يتوارثون فيما بينهم، فالمهاجري مثلاً كان يرث الأنصاري، والأنصاري كان يرث المهاجري، فأنزل الله سبحانه وتعالى الآية:{وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} فانقطع التوارث بين أولئك إلا أن يكون من أولي الأرحام.
(1) أخرجه البخاري (3629).
فالمقصود بأولي الأرحام في الآية الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى أو ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من الورثة، وغيرهم لا.
هذا هو الصحيح في هذه الآية، فليس فيها دليل على أن أولي الأرحام الذين لم يورثوا بالشرع؛ يرثون، والمقصود هنا بأولي الأرحام كما ذكرنا: الذين ليسوا من الورثة الذي جاء الكتاب والسنة بأنهم يرثون.
كأولاد البنات مثلاً، والجد والد الأم، وأولاد الأخوات والأخوال والخالات، هؤلاء كلهم لا يرثون، هؤلاء من ذوي الأرحام المقصودين في كلام المؤلف.
فالصحيح أنه إذا فَضُل شيء بعد تقسيم المواريث أو أنه لا يوجد ورثة أصلاً، وبقي مال من وراء الميت، يرجع هذا المال إلى بيت مال المسلمين، إذا وُجد بيت مال للمسلمين منتَظم، ويعطي الناس حقوقهم، وإذا لم يوجد يُصرف المال في المواضع التي يُصرَف فيها المال الذي في بيت مال المسلمين. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (فإِن تَزاحمَت الفرائضُ فالعَوْل)
العول في اللغة الزيادة.
العَوْل في الاصطلاح: هو أن تزيد الفرائض على رأس المال، فيُنقص من كل فريضة بقدرها.
فمعنى العول: أن تزدحم فروض لا يتسع المال لها.
فيدخل النقص عليهم كلهم، ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم.
مثال ذلك: أن تهلك هالكة عن زوج وشقيقة وأخت لأب.
الزوج هنا له النصف لعدم وجود الفرع الوارث.
والأخت الشقيقة لها النصف كذلك.
والأخت لأب لها السدس، ذكرنا أن الأخت لأب عندما توجد مع الأخت الشقيقة تأخذ السدس.
الآن احسبها: نصف ونصف وسدس، السدس زائد، لو كان المال مائة دينار، النصف خمسون وخمسون لم يبق شيء، هذا نصف وهذه نصف انتهت التركة، صاحبة السدس لم يبق لها شيء، هنا تأتي مسألة العول فنُنْقص من كل فريضة جزء على قدر تلك الفريضة، حتى يأخذ الجميع.
بهذه الطريقة يأخذ الجميع ويكون النقص قد دخل على كل فريضة بقدرها.
لا يوجد نص على القول بالعول، إلا أنه قول أكثر الصحابة، بل قالوا: لم يخالف منهم فيه سوى ابن عباس. راجع المغني لابن قدامة.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يَرثُ ولدُ المُلاعَنَةِ والزَّانيةِ؛ إلّا مِن أُمهِ وقَرابَتِها، والعَكسُ)
الرجل إذا رمى زوجته بالزنا وانتفى من ولدها، قال: هذا الولد ليس لي، وليس معه شهود، يتلاعنا، - تقدمت الملاعنة- لا يُنسب الولد إليه ولا يكون بينهما توارث.
الولد لا يرث من الرجل، والرجل لا يرث منه، والولد لا يرث أيضاً من قرابة الرجل، إنما ميراث الولد يكون من أمه وقرابة أمه فقط.
وكذلك أمه وقرابة أمه يرثونه.
هذا معنى كلام المؤلف: والعكس: أي هو يرثهم وهم يرثونه، يرث أمه وقرابتها، وأمه وقرابتها يرثونه سواء كانت ملاعِنة أو كانت زانية-أنجبت الولد بالزنا- ولد الزنا على القول بأنه لا ينسب لأبيه فلا يكون بينه وبين أبيه توارث ولا من قرابته، إنما تَوارُثه يكون مع أمه وقرابة أمه.
لحديث سهل بن سعد في الصحيحين في حديث الملاعِنة، أن ابنها كان يُنسب إلى أمه، فجرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها (1).
قال رحمه الله: (ولا يَرِثُ المولودُ إلا إذا استَهلَّ)
الاستهلال صدور ما يدل على حياة المولود من صياح أو بكاء أونحوهما.
فالمولود لا يرث إلا إذا نزل حياً، وهذه علامات على حياته: صياحه وبكاؤه، هذه تدل على أنه قد نزل حياً.
وإذا نزل حياً ورث وإذا نزل ميتاً لا يرث.
دليل ذلك حديث: «إذا استهل المولود ورث» (2) وهو صحيح، وقال المؤلف في شرحه: ولا خلاف بين أهل العلم في اعتبار الاستهلال في الإرث.
قال المؤلف رحمه الله: (وميراثُ العَتِيقِ لمُعتِقِهِ، ويَسقُطُ بالعَصباتِ، وله البَاقِي مع ذَوي السِّهامِ)
إذا أعتق زيدٌ عمراً من الرق، فزيد المعتِق وعمرو المعتَق، فزيد يرث عمراً.
العتق هذا يسمى ولاءً، وهو من أسباب الإرث.
الأسباب التي يحصل التوارث بين الطرفين بها، أسباب الإرث ثلاثة، جمعها صاحب الرحبية بقوله:
أسباب ميراث الورى ثلاثة .... كلٌّ يفيد ربه الوراثة
وَهْيَ نِكَاحٌ وَوَلَاءٌ وَنَسَبْ
…
مَا بَعْدَهُنَّ لِلْمَوَارِيْثِ سَبَبْ
الأسباب الثلاثة: نكاحٌ وولاءٌ ونسب.
قد تقدم معنا في الآيات أن الزوج يرث الزوجة، والزوجة ترث الزوج: هذا نكاح.
والباقي نسب: الأخ والأخت والولد والوالد هذا كله نسب، النسب المقصود به هنا القرابة.
(1) أخرجه البخاري (4746)، ومسلم (1492).
(2)
أخرجه أبو داود (2920).
الناس اليوم يسمون المصاهرة نسباً، بينما النسب في اللغة: القرابة.
والولاء هو العتق، عندما يُعتق الشخص آخراً يكون له حق الولاء، فيكون له حق الإرث، يرث منه.
ولكن المعتِق يرث بعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم، إذا لم يكن للميت مَنْ يُعصِّبه يكون هو عَصَبة، فيأخذ بقية المال.
أما إذا كان للميت عصبة فهم يقدمون على المعتق.
والمعتق هذا سواء كان ذكراً أو أنثى الحكم واحد.
دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الولاء لمن أعتق» (1) متفق عليه.
نفل ابن حزم الإجماع على التوريث بالعتق.
وقال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: وقد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه، وأنه يرث به، وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير، وقال جماعة من التابعين: يرثه كعكسه. انتهى
قال المؤلف: (ويَحرمُ بيعُ الوَلاءِ وهِبتُهُ)
مَن ثبت له الولاء الذي تقدم حَرُم عليه بيعه وهبته، يعني يحرم عليه أن يبيعه أو أن يهبه لغيره؛ لأنه كالنسب لا ينتقل لا ببيع ولا بهبة.
فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنه في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته (2)
قال النووي رحمه الله: فيه تحريم بيع الولاء وهبته، وأنهما لا يصحان، وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه؛ بل هو لحمة كلحمة النسب.
وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف وأجاز بعض السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث. انتهى.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا تَوارثَ بَينَ أَهلِ مِلَّتينِ)
الملة هي الدين.
يعني لا توارث بين أهل دينين.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتوارث أهل ملتين شتّى» (3) أي متفرقين، لا ميراث بين مسلم وغيره من الكفار، ولا بين يهودي ونصراني، هذا على دين وهذا على دين مفارق لذاك الدين .. وهكذا.
(1) أخرجه البخاري (6751)، ومسلم (1504).
(2)
أخرجه البخاري (2535)، ومسلم (1506).
(3)
أخرجه أحمد (6664)، وأبو داود (2911)، وابن ماجه (2731).