المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفي رواية: يرمي الشخص الصيد فيقتفر أثره اليومين والثلاثة ثم - فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

[علي الرملي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشارح

- ‌تعريف الفقه

- ‌‌‌الفقه لغةً‌‌واصطلاحاً:

- ‌الفقه لغةً

- ‌واصطلاحاً:

- ‌فالفقه في الشرع:

- ‌وأما الفقه عند الأصوليين:

- ‌وأما الفقه عند الفقهاء

- ‌ترجمة الشوكاني

- ‌«الدُّرَرُ البَهيَّة» للشوكاني

- ‌كتاب الطهارة

- ‌ باب حكم المياه

- ‌(الماءُ طاهرٌ مُطَهِّرٌ)

- ‌(فصل باب النجاسات)

- ‌(بابُ قضاءِ الحاجةِ)

- ‌(بابُ الوضوءِ)

- ‌(فصل: ويستحبُّ التثليثُ)

- ‌(فصلٌ: وينتقضُ الوضوءُ بما خرجَ من الفَرْجَيْنِ من عَيْنٍ أو ريحٍ)

- ‌(بابُ الغُسْلِ)

- ‌(فصلٌ: والغُسْل الواجب هو: أن يُفيضَ الماءَ على جميع بَدَنِهِ، أو يَنْغَمِس فيه مع المضمضةِ والاستنشاقِ)

- ‌(فصلٌ: ويُشْرَعُ لصَلاةِ الجُمُعة)

- ‌(باب التَّيَمُّمِ)

- ‌(بابُ الحَيْضِ)

- ‌(فصل: والنِّفاسُ أكثرُهُ أربعونَ يوماً، ولا حدَّ لأقلّه وهو كالحيضِ)

- ‌كتابُ الصلاةِ

- ‌(باب الأذان)

- ‌(بابُ شروطِ الصلاةِ)

- ‌(بابُ كيفيةِ الصلاةِ، لا تكونُ شرعيةً إلا بالنيَّةِ)

- ‌(باب متى تبطل الصلاة؟ وعمّن تسقط

- ‌(فصل: وتبطل الصلاة بالكلام)

- ‌(فصل: ولا تجبُ على غَيْرِ مُكَلَّفٍ)

- ‌(بابُ صلاة التَّطَوُّعِ)

- ‌(باب صلاة الجماعة)

- ‌(باب سجودِ السهوِ، وهو سجدتانِ قبل التسليمِ أو بعدهُ، وبإحرامٍ، وتشهدٍ، وتحليلٍ)

- ‌(بابُ القضاءِ للفوائتِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الجمعةِ، تَجِبُ على كُلِّ مُكَلَّفٍ إلا المرأةَ والعبدَ والمسافرَ والمريضَ)

- ‌(بابُ صلاةِ العيدينِ)

- ‌(بابُ صلاةِ الخوفِ)

- ‌(باب صلاةِ السَّفَرِ، يَجِبُ القَصْرُ)

- ‌(باب صلاة الكسوفين)

- ‌(باب صلاة الاستسقاء)

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(فصلٌ: غسل الميت)

- ‌(فصلٌ: تكفينُ الميت)

- ‌ فصل صلاة الجنازة

- ‌(فصل: ويكون المشي بالجِنازةِ سريعاً)

- ‌(فصلٌ: دَفْنُ الميت، ويجبُ دفن الميتِ في حفرة تَمْنَعُهُ السِّباعَ)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(باب زكاةِ الحيوانِ)

- ‌(فصل: إذا بلغت الإبلُ خمساً، ففيها شاةٌ، ثم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مَخاضٍ، أو ابن لبونٍ، وفي ستٍّ وثلاثين ابنة لبون، وفي ستٍّ وأربعين حِقّة، وفي إحدى وستين جَذَعة، وفي ستٍّ وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقّتان إلى

- ‌أولاً: الزكاة واجبة في هذه الحيوانات بثلاثة شروط

- ‌ثانياً: كم المقدار الذي يجب أن يخرج إذا بلغت الإبل النصاب

- ‌(فصلٌ: ولا شيء فيما دُونَ الفريضةِ، ولا في الأوْقاصِ)

- ‌(باب زكاة الذهب والفضة)

- ‌(باب زكاة النبات)

- ‌(باب مصارف الزكاة)

- ‌(باب صدقة الفطر)

- ‌كتاب الخُمُس

- ‌كتاب الصيام

- ‌(باب صوم التطوع)

- ‌(باب الاعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌شروط الحج:

- ‌(فصل: ولا يَلْبَسُ المُحْرِمُ القميصَ، ولا العمامة، ولا البُرْنُسَ، ولا السراويل، ولا ثوباً مَسّه وَرْس، ولا زعفران، ولا الخُفَّين إلا أنْ لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)

- ‌(فصلٌ: وعند قدوم الحاجّ مكة، يطوف للقدوم سبعة أشواط، يَرمُلُ في الثلاثة الأولى، ويمشي فيما بقي، ويُقَبِّل الحجر الأسود أو يستلمه بِمِحْجَنٍ ويُقَبِّل المحجن ونحوه، ويستلم الركن اليماني)

- ‌(فصل: ويسْعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط داعياً بالمأثور)

- ‌(فصل: ثم يأتي عرفة صُبح يوم عرفة مُلبياً مُكبراً ويَجمع العصرين فيها، ويخطُب، ثم يُفيض من عرفة بعد الغروب)

- ‌(باب العمرة المفردة)

- ‌كِتابُ النِّكاحِ

- ‌حكم النكاح:

- ‌مسألة:

- ‌بابُ المُحرَّماتِ في النِّكاحِ

- ‌(بابُ العُيُوبِ وَأَنْكِحَةِ الكُفَّارِ)

- ‌بابُ المَهرِ والعِشرَةِ

- ‌كتابُ الطَّلاقِ

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظهار

- ‌بابُ اللِّعَانِ

- ‌بابُ العِدَّةِ والإحدِادِ

- ‌باب استِبْرَاءِ الإِمَاءِ

- ‌بابُ النَّفقةِ

- ‌بابُ الرَّضَاعِ

- ‌بابُ الحَضَانَةِ

- ‌كتابُ البيوعِ

- ‌ باب الربا

- ‌(باب الخِيارَات)

- ‌باب السَّلَم

- ‌باب القَرْض

- ‌باب الشُّفْعة

- ‌باب الإِجارة

- ‌بابُ الإحيَاءِ والإِقْطَاعِ

- ‌بابُ الشَّرِكة

- ‌بابُ الرَّهْنِ

- ‌بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة

- ‌بابُ الغَصْبِ

- ‌بابُ العِتْقِ

- ‌بابُ الوقْفِ

- ‌بابُ الهَدَايا

- ‌بابُ الهِبات

- ‌كتاب الأَيمَان

- ‌كتابُ النَّذرِ

- ‌كتاب الأطعِمَة

- ‌بابُ الصَّيدِ

- ‌بابُ الذَّبحِ

- ‌بابُ الضِّيافَةِ

- ‌بابُ آدابِ الأكلِ

- ‌كتابُ الأشرِبةِ

- ‌كتابُ اللِّباسِ

- ‌كتابُ الأُضحِيةِ

- ‌بابُ الوَلِيمةِ

- ‌فصلٌ

- ‌كتابُ الطِّبِّ

- ‌كتابُ الوَكالةِ

- ‌كتابُ الضَّمَانَةِ

- ‌كِتابُ الصُّلحِ

- ‌كتابُ الحَوَالةِ

- ‌كتابُ المُفلسِ

- ‌كتابُ اللُّقطةِ

- ‌كتابُ القَضاءِ

- ‌كِتابُ الخُصُومُةِ

- ‌كِتابُ الحُدُودِ

- ‌بَابُ حَدِّ الزَّانِي

- ‌بابُ حَدِّ السَّرقةِ

- ‌بابُ حَدِّ القَذفِ

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌فَصلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ المُحَاربِ

- ‌بابُ مَنْ يَستحقُّ القَتلَ حَدّاً

- ‌كِتابُ القِصاصِ

- ‌كتابُ الدِّياتِ

- ‌بَابُ القَسَامَةِ

- ‌كتابُ الوَصِيَّةِ

- ‌كِتابُ المَوَاريثِ

- ‌كتابُ الجِهادِ والسِّيَرِ

- ‌فَصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصلٌ

الفصل: وفي رواية: يرمي الشخص الصيد فيقتفر أثره اليومين والثلاثة ثم

وفي رواية: يرمي الشخص الصيد فيقتفر أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتاً وفيه سهمه، عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال:«يأكل إن شاء» . والله أعلم

‌بابُ الذَّبحِ

الذبح لغةً: الشَّق.

وشرعاً: قَطْعُ الوَدَجَيْن، وهما العِرقان اللذان يحملان الدم إلى الرأس.

ذكرنا هذا التعريف دون غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل» (1). وإنهار الدم إجراؤه وسيلانه بكثرة وذلك لا يكون إلا بقطع الأوداج لأنها مجرى الدم.

قال المؤلف رحمه الله: (هو ما أَنهَرَ الدَّمَ، وفَرَى الأَودَاجَ، وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليهِ، ولو بِحجرٍ أو نحوِه، ما لم يَكُن سِنّاً أو ظُفْراً)

ما قاله المؤلف هو مقتضى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السِنّ والظُفْر» ، قال:«وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظمٌ، وأما الظُفْر فمُدَى الحبشة» (2) هذا الحديث متفق عليه وسيأتي بيانه إن شاء الله.

قوله: «ما أنهر الدم» أي ما صبَّه وأساله بكثرة، وهو مشبَّه بجري الماء في النهر.

وقوله: «وفرى الأوداج» أي قطعها. والأوداج: العروق، وهما العرقان اللذان يحملان الدم إلى الرأس، يكونان على جانبي العنق.

وقوله: «وذُكر اسم الله عليه» هذا الذي جاء في الحديث، وقد تقدم حكم التسمية على الصيد والذبيحة في باب الصيد المتقدم.

التسمية واجبة تسقط في حال النسيان، فلا يجوز للشخص أن يأكل من الذبيحة إذا تُركت التسمية عليها عمداً، أما عند النسيان فيجوز.

هذا فيمن عَلم ذلك، يعني من علم أن الشخص ذبح الذبيحة وترك التسمية عليها عمداً، فلا يجوز له أن يأكل منها، أما من علم أنه ذبح الذبيحة ناسياً فيجوز له الأكل منها.

(1) أخرجه البخاري (5503)، ومسلم (1968) عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري (5498)، ومسلم (1968) عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

ص: 496

وأما من لم يعلم أسُميَّ عليها أم لا فيجوز له الأكل منها، لحديث عائشة قالت: إن قوماً قالوا يا رسول الله: إن قوماً حديثي عهد بكفر -أي خرجوا من الكفر حديثاً ودخلوا في الإسلام حديثاً- يأتوننا باللحم لا ندري أذُكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَمّوا عليه أنتم وكلوه» (1) أخرجه البخاري في صحيحه.

هذا الحديث يدل على جواز أكل ما في أسواق المسلمين من المذبوحات، من الدجاج والغنم والبقر وغيرها مما أحل الله أكله إذا وُجد في أسواق المسلمين فيجوز أكله سواء علمنا أنه سمي عليه أم لم نعلم ذلك.

وأما النسيان فقد احتج البخاري رحمه الله على جوازه بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام/121] قال: والناسي لا يسمى فاسقاً.

قال الإمام الطبري رحمه الله في قول الله تبارك وتعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] قال: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنَى بِذَلِكَ: مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ، وَمَا مَاتَ أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ فَنَسِيَ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ، فَقَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ لِشُذُوذِهِ وَخُرُوجِهِ عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ مِنْ تَحْلِيلِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى فَسَادِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى (لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ)، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. انتهى

فالقول بأن ما تُركت التسمية عليه نسياناً لا يؤكل قول شاذ على ما ذكر الطبري رحمه الله.

وقول المؤلف: «ولو بحجر أو نحوه ما لم يكن سناً أو ظفراً» أي يصح الذبح بكل شيء أسال الدم وصبَّه بكثرة، يدل عليه الحديث الذي فيه «ما أنهر الدم» سواء كان بالسكين أو الحجر أو الحديد أو غير ذلك إذا كان يقطع العروق ويسيل الدم.

إلا السن والظفر أي ما عدا السن والظفر لا يجوز الذبح بهما.

السن معروف، والظفر ظفر الإنسان، جاء في الحديث بيان العلة، فقال: السن عظم. فهذا يدل على أن العظم كله لا يجوز الذبح به.

والظفر تستعمله الحبشة كما جاء في الحديث «مُدى الحبشة» أي السكين التي تذبح بها الحبشة. هنا كونه من استعمالات أهل الحبشة كثير من أهل العلم قال: العلة في ذلك أن أهل الحبشة كانوا كفاراً، والذبح بالظفر من خصائصهم، ونحن نهينا عن التشبه بالكفار، فجعلوه من التشبه بالكفار.

فبناء على هذا القول نقول: كل ما هو خاص بالكفار يذبحون به لا يجوز الذبح به بناءً على التعليل الذي ذكروه. والله أعلم

قال المؤلف رحمه الله: (ويَحرُمُ تعذيبُ الذَّبيحَةِ)

(1) أخرجه البخاري (5507) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 497

لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتم فأَحسِنوا القِتلة، وإذا ذَبحتُم فأَحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدُكم شَفْرتَه وليُرِح ذبيحته» (1) أخرجه مسلم.

أما القِتلة فهي هيئة القتل، والذبحة هيئة الذبح.

وليحد أحدكم شفرته أي يجعل الآلة التي يريد أن يذبح بها حادة حتى لا تُعذب البهيمة التي تُذبح وترتاح بسرعة.

هذا الحديث وغيره من الأحاديث تدل على أن الإسلام جاء بكل خير وجاء أيضاً بالرفق مع الحكمة والمصلحة، فالإسلام جمع بين أمرين: الرفق بالحيوان وإعطاء الإنسان حقه، لكن أيضاً اعتبر أمراً آخر تجاهله الغرب اليوم وهو الحكمة والمصلحة.

تجد بعض أصحاب دعوات الرفق بالحيوان يدعون إلى استخدام الصعق أولا قبل الذبح وبعضهم لا يريد أن تذبح الحيوانات مطلقاً.

مثل هذا غلو، وقد وقعوا في أكثر من أمر في الغلو، عندما أرادوا أن يجتنبوا التفريط الذي كانوا فيه انتقلوا إلى الإفراط، فلم يعتدلوا في الأمور، لأنه لا يوجد حكم رباني يجعلهم في ميزان صحيح معتدل، الشرع اعتبر الرفق بالحيوان واعتبر حقوق الإنسان لكن مع تحقيق المصالح والحكم.

ربما يعتقدون أمراً ما من حقوق الإنسان أو من الرفق بالحيوان لكن اعتباره يؤدي إلى مفسدة أعظم وأكبر، لذلك لا يعتبره الشرع، هذا يحتاج إلى محاضرة كاملة لبيان ما هم عليه من خلط وتخبط في مثل هذه المسائل.

المهم أن الإسلام أعطى الإنسان جميع حقوقه التي يحتاجها والتي هي حق له من غير إفراط ولا تفريط، وكذلك الرفق بالحيوان هذه صورة من الصور والصور كثيرة، هذه صورة منها، حتى عند الذبح أوصى الشرع بالإحسان، وعند القتل أوصى بالإحسان بالمقتول.

فانظر إلى صورة الرفق الحقيقي الذي يجمع ما بين الرفق وما بين المصالح والحِكَم.

قال النووي رحمه الله: وليرح ذبيحته: بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك، ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها. وقوله صلى الله عليه وسلم «فأحسنوا القتلة» عام في كل قتيل من الذبائح والقتل قصاصاً في حد ونحو ذلك.

وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام. والله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله.

قال المؤلف رحمه الله: (والمُثلُةُ بِهَا)

ويحرم التمثيل بالذبيحة، المثلة: تقطيع الأعضاء من الحيوان وهو حي، وتشويهه.

(1) أخرجه مسلم (1955) عن شداد بن أوس رضي الله عنه.

ص: 498

مثَّل به أي قطع أعضاءه، يقطع الأنف، والأذنين، واليدين، والرجلين، هذا تمثيل بالحيوان، ويسمى مثلة، وهو محرم.

كان الناس في الجاهلية يفعلونه، يقطعون أسنمة الإبل ويقطعون ألية الشاة يحصلوا منها على السمن وما شابه، هذا حرَّمه الشرع؛ لأن فيه تعذيباً للحيوان.

فمن الرفق بالحيوان منع مثل هذا الأمر، وليس من ورائه مصلحة كبيرة نرجو أن تتحقق في حِلِّه، بإمكاننا أن نذبحه ثم بعد الذبح نأخذ ما نريد منها، فلذلك حرَّم الشارع التمثيل بالحيوان.

وكذلك حرَّم الشارع أن تجعل الحيوان موضعاً للرمي، تجعله في مكان وترمي عليه بالسلاح، هذا محرم أيضاً؛ لأن فيه تعذيباً أيضاً للحيوان.

من أراد أن يقرأ الرفق بالحيوان وأراد أن يقرأ حقوق الإنسان بحق فليقرأ رياض الصالحين فهو مليء بذلك لكن على الطريقة الشرعية المعتدلة لا على طريقة الغرب المتخبط.

فالمُثلة محرمة ودليل تحريمها حديث ابن عمر في صحيح البخاري أنه قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثَّل بالحيوان (1).

هذا يدل على أن المثلة كبيرة من الكبائر؛ لأن فيها لعناً.

وفي حديث عبد الله بن يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النهبة والمثلة (2). أخرجه البخاري.

قال المؤلف: (وذَبحُها لغيرِ اللهِ)

ذبح الذبيحة تقرباً بها لغير الله، أو ذكر اسم غيرالله عليها يحرمها؛ لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِوَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة/3]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لعن الله من ذبح لغير الله» (3) أخرجه مسلم.

قال المؤلف: (وإذا تَعذَّرَ الذَّبحُ لِوجهٍ؛ جازَ الطَّعنُ والرَّميُ، وكانَ ذلك كالذَّبحِ)

نذكر الحديث بداية، ومِنْ ذِكر الحديث يتضح معنى كلام المؤلف.

جاء في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: نَدَّ بعير- أي نفر وهرب- فطلبوه فأعياهم - ما استطاعوا أن يصلوا إليه- وكان في القوم خيل يسيرة -الخيل عندهم قليلة لذلك لم يستطيعوا اللحاق به- فأهوى رجلٌ منهم بسهمٍ فحبسه الله يعني ضربه رجل بسهم فوقع البعير.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا» (4) أي لها نفور وتوحُشّ كالوحوش التي في الغابات، ما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا أي

(1) أخرجه البخاري (5515) في صحيحه معلقاً بهذا اللفظ، وأخرج أصل الحديث البخاري (5515)، ومسلم (1958).

(2)

أخرجه البخاري (5516).

(3)

أخرجه مسلم (1978) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري (5498)، ومسلم (1968) عن رافع بن خديج رضي الله عنه.

ص: 499

أصيبوه بالسهم أو ارموا عليه رمحاً كي تدركوه، فرميه بالسهم أو الرمح يعطى حكم الذبح فيحل بذلك.

قال المؤلف رحمه الله: (وذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّهِ)

إذا ذبحت الأم ذبحاً شرعياً وتبيَّن أن في بطنها جنيناً، يعني مولوداً لم يولد بعد، فلا يعتبر ميتة ويجوز أكله؛ فذبح أمه كافٍ.

هذا إذا نزل ميّتاً، أما إذا نزل حيّاً فيحتاج إلى تذكية كبقية الحيوانات لعموم الأدلة

ودليل ما ذكره المؤلف حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين، فقال:«كلوه إن شئتم» ، وفي رواية: قلنا يا رسول الله: ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ قال: «كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاته ذكاة أمه» (1) أخرجه أحمد وأبو داود وهو صحيح.

قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. انتهى

قال المؤلف رحمه الله: وما أُبِينَ مِنَ الحَيِّ فهو مَيتةٌ)

ما أُبينَ: يعني ما قُطع وفُصل عن الحي، كأن تقطع مثلاً سنام البعير أو أي جزء من الحيوان وهو حي، فالسنام الذي قطعته يصير ميتة بقطعه؛ لقول صلى الله عليه وسلم:«ما قُطعَ من البهيمة وهي حية فهو ميتة» (2) أخرجه أحمد وأبو داود.

ونقل بعض أهل العلم الاتفاق على المعنى المذكور.

فلا يحل أكله بعدما قطع من الحيوان وهو حي، لأنه صار ميتة فهو نجس، وهذا ما كان يفعله أهل الجاهلية كانوا يقطعون الأسنمة ويقطعون أليات الشياه - الشحم الذي يكون في ذيلها- فحرمه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف: (ويَحِلُّ مَيْتتانِ ودَمَانِ: السَّمكُ والجَرادُ، والكَبِدُ والطِّحالُ وتَحِلُّ المَيتةُ للمُضطَرِّ) الأصل في الميتة أنها محرمة؛ لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة/3] هذا عام ولكنه مخصوصٌ، وردت الأدلة بتخصيص أشياء منها.

منها: ميتة البحر؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة/96].

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صيده ما اصطيد، وطعامه ما رمى به.

أي ما رمى به البحر، يعني ما مات في البحر وألقاه على الشاطئ.

(1) أخرجه أحمد (11260)، وأبو داود (2827)، والترمذي (1476)، وابن ماجه (3199).

(2)

أخرجه أحمد (21903)، وأبو داود (2858)، والترمذي (1480)، وهو حديث ضعيف؛ صوب الدارقطني وغيره الإرسال فيه. والله أعلم

ص: 500

وقال ابن عباس رضي الله عنه: طعامه ميتته إلا ما قذِرتَ منها. علَّقهما البخاري رحمه الله في صحيحه (1). أثر عمر وصله سعيد بن منصور، والبخاري في التاريخ، وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة محتلف في الاحتجاج به، والخلاف فيه قوي والأثر عليه يدور.

وأما أثر ابن عباس فهو صحيح ورد عن ابن عباس بأكثر من إسناد.

وأخرج البخاري - مستدلاً على جواز أكل ميتة البحر- حديث جابر رضي الله عنه قال: غزونا في جيش على رأسنا أو أميرنا أبو عبيدة ابن الجراح، فجعنا جوعاً شديداً، فألقى البحر حوتاً ميتاً لم يُرَ مثله -من عظمه وكبره- يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، قال: فلما قدمنا المدينة أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال:«هو رزقٌ أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ » قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله (2).

هذا الحديث متفق عليه وهو حجة واضحة في جواز أكل ميتة البحر.

وجاء عن ابن عمر رضي الله عنه أيضاً أنه قال: أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال (3). أخرجه أحمد.

هذا الحديث يدل على حِلِّ ميتة البحر.

ويدل أيضاً على حِلِّ أكل الجراد وأنه لا ذكاة له، كما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد (4). متفق عليه.

ومَنْ ادعى أن حِلَّ أكل الجراد من غير تذكية على خلاف القياس فهو مخطئ، لأنه ليس في الشرع شيء جاء على خلاف القياس، هذه القاعدة فاسدة ردها ابن تيمية رحمه الله وردها ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين وعقد لها فصلاً وذكر الأدلة على ذلك، وبيَّن أن ما يقولون فيه بأنه على خلاف القياس يكونون قد توهموا فيه، وفي الغالب يكون قياسهم قياساً فاسداً مخالفاً للنصوص فيظنون أن العلة واحدة في حكمين فيقولون في أحد الحكمين إنه على خلاف القياس، وحقيقة تكون هناك مخالفة بين العلل ولكنهم لا يتنبهون لها.

مثل هذه الصورة مثلاً التسوية ما بين ما له دم سائل وما ليس له دم سائل خطأ قد فرَّق بينهما الشرع، فكيف نقول بعد ذلك إنه على خلاف القياس، هذا خطأ.

وأما الكبد والطحال فيدل على حلهما حديث ابن عمر المتقدم.

وأما الميتة للمضطر فدليلها قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة/173]، فأحلَّ أكل الميتة في حال الاضطرار وأجمع العلماء على تحريم الميتة حال الاختيار وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار، قاله ابن قدامة رحمه الله.

(1) علقه في صحيحه قبل حديث جابر برقم (5493).

(2)

أخرجه البخاري (4362)، ومسلم (1935).

(3)

أخرجه أحمد (5723)، وابن ماجه (3314).

(4)

أخرجه البخاري (5495)، ومسلم (1952).

ص: 501