الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُنتَهِب: هو الذي يأخذ المال على جهة الغلبة والقهر والاعتماد على القوة.
المُختَلِس: هو من يَخطِف المال جهراً ويهرب.
جاحد العاريَّة: هو الذي يستعير المتاع، ثم ينكره.
نبدأ بالثلاثة الأول ببيان حكمهم، قال صلى الله عليه وسلم:«ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس؛ قطعٌ» (1) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم.
فهؤلاء لا تقطع أيديهم، يعزرون تعزيراً فقط.
وأما جاحد العارية فالمؤلف يذهب إلى أنه تقطع يده، وجمهور العلماء أنه لا يقطع جاحد العارية؛ لأنه ليس بسارق، والقطع ثبت على السارق، هذا عند الجمهور.
من ذهب مذهب المؤلف قال: هو سارق إما لغة أو شرعاً فيقطع؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها (2). الحديث في صحيح مسلم؛ ولكن الحديث منتقد.
والظاهر أن الصواب في الحديث أن المرأة سرقت لا جحدت، هكذا رواه بعض أصحاب الزهري وهي أقوى، وخالفهم معمر وتابعه البعض، قال القرطبي:«رواية أنها سرقت أكثر وأشهر من رواية الجحد، فقد انفرد بها معمر وحده من بين الأئمة الحفاظ، وتابعه على ذلك من لا يُقْتَدى بحفظه؛ كابن أخي الزهري ونمطه، هذا قول المحدثين» (3).
ولكن الرواية الاولى أصح. والله أعلم.
وحديث ابن عمر بهذا المعنى أعله أبو حاتم الرازي كما في العلل (4/ 198).
فالظاهر أن قول الجمهور هو الصواب. والله أعلم.
بابُ حَدِّ القَذفِ
القذف لغة: الرمي. وشرعاً: الرمي بالزنا أو اللواط.
قال ابن قدامة في المغني: وهو محرم بإجماع الأمة، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة؛ أما الكتاب: فقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
(1) أخرجه أحمد (15071)، وأبو داود (4391 و 4392 و 4393)، والترمذي (1448)، والنسائي (4971)، وابن ماجه (2591).
(2)
أخرجه مسلم (1688).
(3)
انظر فتح الباري (12/ 90 و 91)
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]. وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23].
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ» (1) متفق عليه.
والمحصنات هاهنا العفائف. انتهى كلامه رحمه الله.
قال المؤلف: (مَن رمَى غيرَهُ بالزنَا؛ وجبَ عليه حَدُّ القَذفِ ثَمانينَ جَلدةً إنْ كانَ حُرّاً، وأربعينَ إن كانَ مَملُوكاً)
كأن يقول مثلاً فلان زنا؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور/4]. هذا حد الحر، وأما العبد فنصف ما على الحر من العذاب، قياساً على حده في الزنا، والنصف أربعون جلدة.
قال المؤلف: (ويثبُتُ ذلك بِإقرَارهِ مَرةً، أو بشهادةِ عَدلينِ)
للأدلة المتقدمة التي أثبتنا بها العمل بالإقرار مرة واحدة، وبشهادة عدلين.
قال المؤلف: (وإذا لم يَتُبْ؛ لم تُقبَلْ شَهادتُهُ أبَداً)
يعني القاذف إذا قذف أحد المسلمين ثم لم يتب من ذلك ويصلح لا تقبل شهادته، ويعتبر فاسقاً، والفاسق لا تقبل شهادته حتى يتوب؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور/4/ 5]
في هذه الآية رتب الله على القذف ثلاثة أمور:
الأول: الجلد.
(1) أخرجه البخاري (6857)، ومسلم (89).
الثاني: عدم قبول الشهادة.
الثالث: الفسق.
ثم قال: {إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] هذا الاستثناء يرفع الحكم الثاني والثالث، فتقبل شهادته ويصير عدلاً بالتوبة.
قال المؤلف رحمه الله: (فِإن جَاءَ بَعدَ القَذفِ بِأربَعةِ شُهُودٍ؛ سَقطَ عَنهُ الحَدُّ، وهَكَذا إذا أَقرَّ المَقذوفُ بالزِّنا)
وذلك لأنه يثبت صدقه شرعاً فيما ادعاه فيسقط عنه الحد.
يسقط عنه الحد إذا قذف مسلماً بأحد أمرين: الأول أن يأتي بأربعة شهود وهو القدر الواجب من الشهود في إقامة حد الزنا.
والثاني أن يعترف المقذوف الذي رُمِي بالزنا، يعترف بأنه زنا.
بذلك يسقط عن القاذف الحد وإلا حُدَّ ثمانين جلدة.
بقي من هو المحصن الذي إذا رُمي بالزنا استحق راميه الحد إذا لم يقم البينة؟
هو المسلم العاقل البالغ الحر العفيف من الزنا.
فمن رمى كافراً بالزنا لا يحد؛ لأن الآية قُيدت بالإيمان، وكذلك الحديث، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم:«وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ» (1)
والزاني حقيقة الثابت عليه ذلك؛ مَنْ قذفه لا يُحَدّ؛ لأن الآية والحديث مقيدان برمي المحصنة الغافلة، وهي العفيفة الغافلة عن الزنا.
وكذلك لا حد على من رمى المجنون بالزنا؛ لأن مثله لا يدنسه الزنا ولا يلحقه عاره، فلا ضرر عليه.
(1) أخرجه البخاري (6857)، ومسلم (89).