الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حديث البراء قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب (1). أخرجه البخاري، هذا خاص بالخاتم.
وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً وهو متفق عليه (2).
ووردت أحاديث في الصحيحين وغيرهما تدل على جواز لبس الذهب للنساء مطلقاً، مقطَّعاً وغير مقطع، ونقل البيهقي (3) الإجماع على ذلك من غير تفريق بين محلق وغيره، فما ورد من أحاديث تخالف ذلك فهي إما ضعيفة، أو شاذة، أو منكرة، أو مؤولة. والله أعلم
كتابُ الأُضحِيةِ
الأضحية ويقال الضَّحية: اسمٌ لما يُذبَح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله.
والأضحية جمعها: أضاحي.
والضَّحية جمعها: ضحايا.
(1) أخرجه البخاري (5863)، ومسلم (2066).
(2)
أخرجه البخاري (5864)، ومسلم (2089).
(3)
السنن الكبرى له (4/ 238)، قال: فهذه الأخباروما ورد في معناها تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء، واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة. والله أعلم. انتهى.
قال المؤلف رحمه الله: (تُشرعُ لأهلِ كُلِّ بيتٍ)
الأضحية مستحبة على الصحيح، بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: باب سنة الأضحية.
وقال ابن عمر: هي سنة ومعروف.
ابن عمر الصحابي، هذه طريقة أصحاب الحديث؛ الاعتماد على فهم الصحابة للأدلة الشرعية.
لذلك نحاول الرجوع إلى كتبهم لمعرفة ما كان عليه السلف الصالح من أمور الدين؛ كالإمام البخاري والترمذي رحمه الله كذلك، عندما يذكر الأحاديث يذكر أحياناً كثيرة، يقول: وهذا قول بعض أهل العلم قال به فلان وفلان وفلان، هذا قول أهل العلم قال به فلان وفلان، يذكر من الصحابة، ومن التابعين، ومن أتباع التابعين، ممن يحضره من أهل العلم من السلف الصالح رضي الله عنهم.
وأنا حقيقة أنصح كثيراً بكتاب الأوسط لابن المنذر رحمه الله فهو من أنفس الكتب الفقهية على طريقة أهل الحديث وعلى منهج السلف رضي الله عنهم، فهو كتاب نفيس جداً حقيقة في طرح المسائل العلمية وفي ذكر مذاهب السلف أيضاً، وكذلك التمهيد لابن عبد البر والمغني لابن قدامة كتب نافعة جدا في هذا الباب.
فهنا الإمام البخاري رحمه الله بوَّب على سُنِّية الأضحية فذكر أثراً عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: هي سنة ومعروف، سنة: أي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعروف: يعني تؤجر على فعلها. وقال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة. انتهى
وصح عن جمعٍ من الصحابة على أنها مستحبة وليست واجبة.
وجمهور أهل العلم على أنها غير واجبة، بل صح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا يتركانها عمداً خشية أن يظنها الناس واجبة، وصح كذلك عن أبي مسعود البدري أنه تركها عمداً حتى لا يظن الناس أنها واجبة، فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة حرصهم على أن لا يعتقد الناس أنها واجبة تركوا العمل بهذه السنة في بعض الأوقات.
وأقرب ما يتمسك به من يقول بالوجوب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه بعض الرواة:«من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلَّانا» (1) أخرجه أحمد وابن ماجه، وقد روي هذا الحديث موقوفاً ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورجح الكثير من المحققين من علماء الحديث وقفه، منهم: الترمذي والدارقطني والبيهقي والطحاوي وابن عبد الهادي وغيرهم، رجحوا أن هذا الحديث موقوف وليس مرفوعاً.
ومَنْ تأمل إسناده تبيَّن له صحة ما رجحه هؤلاء الأئمة، بل نقل الذهبي عن الإمام أحمد أنه قال: هذا الحديث منكر.
ثم قال الذهبي: لا يدل على الوجوب، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أكل الثوم فلا يقربن مسجدنا» هذا ما ذكره الإمام الذهبي رحمه الله.
(1) أخرجه أحمد (8273)، وابن ماجه (3123).
ومعنى قول المؤلف تشرع لأهل كل بيت أنها تستحب لأهل كل بيت، لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته (1) أخرجه الترمذي وغيره.
هذا يفيد أن الأضحية الواحدة تجزئ عن أهل البيت كلهم
وصح عن عبد الله بن هشام وهو صحابي صغير أنه كان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. (2) أخرجه البخاري.
حديث أبي أيوب حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يُفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا تقرير منه صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل، وجاء أيضاً فعل صحابي كذلك وهو عبد الله بن هشام، كان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله، وساق البيهقي في السنن الكبرى عدة آثار تدل على جواز ذلك، وذكر حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشٍ فقال:«بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به» (3) أخرجه مسلم.
قال النووي: واستدل بهذا-أي بهذا الحديث- مَنْ جوَّز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. انتهى
بعض أهل العلم يذهب إلى أن الأضحية لا تجزئ إلا عن نفسٍ واحدة.
ومن هؤلاء ابن المبارك رحمه الله، لكن قوله مرجوح والصواب ما تقدم للأدلة التي ذُكرت. والله أعلم.
وكثيراً ما يسأل الناس عن شاب متزوج يسكن مع والده، هل تجزئ عنهم أضحية واحدة أم لا؟ الضابط في ذلك أن يكون طعامهم واحداً ونفقتهم واحدة، فإذا كان الابن يأكل مع أبيه طعامهم واحد ونفقتهم واحدة، فالأضحية الواحدة تكفي عنهما وعن عائلتيهما، أما إذا كان يأكل منفصلاً عن أبيه وينفق كل منهما على بيته مستقلاً، فلا تصح أضحية واحدة عنهما. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (وأقلُّها شاةٌ)
الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، هذا الذي دلت عليه الأدلة.
وأقلها شاة؛ صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه ضحّى بشاة وسيأتي إن شاء الله ذكر بعضها.
والشاة تجزئ عن الشخص وأهل بيته كما تقدم.
والبدنة أي الجمل والناقة يطلق عليهما بدنة، يصح الاشتراك فيهما، يشترك فيها سبعة وأقل من سبعة، كل واحد عنه وعن أهل بيته.
(1) أخرجه أحمد (8273)، وابن ماجه (3123).
(2)
أخرجه البخاري (7210).
(3)
أخرجه مسلم (1967).
وكذلك البقرة يصح أن يشترك فيها سبعة؛ لحديث جابر عند مسلم قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (1).
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ووقتُها بعدَ صلاةِ عيدِ النَّحرِ إلى آخرِ أيامِ التَّشريقِ)
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان ذبح قبل أن نصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح بسم الله» (2). متفق عليه
من كان ذبح قبل أن نصلي صلاة العيد فليذبح مكانها أخرى؛ لأنها لا تجزئ عنه.
فأول وقت الأضحية بعد صلاة الإمام صلاة العيد.
وأما آخره فآخر أيام التشريق وهو اليوم الرابع، اليوم الأول هو يوم النحر، ثم ثلاثة أيام بعده، وهي أيام التشريق، فإذا انتهى اليوم الثالث من أيام التشريق بغروب الشمس؛ انتهى وقت الذبح؛ لقول ابن عباس رضي الله عنه: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر (3). أخرجه البيهقي وغيره.
وأما حديث «كل أيام التشريق ذبح» (4) فضعيف لا يعتمد عليه.
قال المؤلف رحمه الله: (وأَفضلُهَا أَسمنُهَا)
ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين سمينين (5) ولكن زيادة: (سمينين) زيادة ضعيفة لا تصح.
وعلَّق البخاري عن أبي أمامة بن سهلٍ قال: كنا نسمِّن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمِّنون (6)،
قال الحافظ: وصله أبو نعيم في المستخرج ولفظه: كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة.
قال أحمد: هذا حديث عجيب.
والثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين.
أقرنين: أي لكل واحد منهما قرنان حسنان ،
وأملحين: تثنية أملح، وهو الذي فيه سوادٌ وبياض.
وذهب بعض أهل العلم منهم ابن المنذر رحمه الله إلى أن الأضحية الأنفس والأغلى ثمناً أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أفضل الرقاب قال: «أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها» (7).
(1) أخرجه مسلم (1318).
(2)
أخرجه البخاري (5500)، مسلم (1960) من حديث جندب البجلي رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 499).
(4)
أخرجه أحمد (16752)، وابن حبان (3854)، وأعله جمع من العلماء بالانقطاع بين سليمان بن موسى وجبير بن مطعم.
والطرق الموصولة لا تصح. والله أعلم
(5)
أخرجه أحمد (25046)، والحاكم في المستدرك (3854) من رواية محمد بن عبد الله بن عقيل عن أبي سلمة وهي معلة.
(6)
ذكره البخاري قبل الحديث رقم (5553).
(7)
أخرجه البخاري (2518)، مسلم (84) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
قال المؤلف: (ولا يُجزِئُ ما دُونَ الجَذَعِ مِنَ الضَّأنِ، ولا الثَّنِيِّ مِنَ المَعْزِ)
المعز: الذي له شعر ناعم أسود، أما الضأن: فالذي له صوف أبيض.
قال النووي رحمه الله: وأجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني، ولا من الضأن إلا الجذع
…
ثم نقل بعض الخلاف في المسألة (1).
الثني من الإبل: ما استكمل خمس سنوات ودخل في السادسة.
والثني من البقر: ما استكمل سنتين ودخل في الثالثة.
والثني من المعز: ما استكمل سنتين، وقيل: ما استكمل سنة.
والجذع من الضأن: ما استكمل ستة أشهر، وقيل: ما استكمل سنة.
في المسألة قولان، بعضهم قال: ما استكمل ستة أشهر، وبعضهم قال: ما استكمل سنة.
كذلك الثني من المعز، بعضهم قال: ما استكمل سنتين، وبعضهم قال: ما استكمل سنة.
وأقل من الجذع من الضأن لا يجزئ، يعني أقل شيء الجذع من الضأن، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تذبحوا إلا مُسنة، إلا أن يَعْسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» (2) أخرجه مسلم.
المسنة: هي الثنية من كل شيء فما فوقها.
بعض أهل العلم قال: لا يجوز ذبح الجذع من الضأن مطلقاً، واحتج ببعض الأحاديث التي ضعَّفها كلها بعض أهل العلم.
وجمهور العلماء يجوزون ذبح الجذع من الضأن سواء وجد غير الجذع أم لم يجد.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزي سواء وجد غيره أم لا، وحكوا عن ابن عمر والزهرى أنهما قالا لا يجزئ.
وقد يُحتج لهما بظاهر هذا الحديث.
قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن.
وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره؛ لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (ولا الأعْورُ والمَريضُ والأَعرجُ والأعجفُ وأعضبُ القرنِ والأُذنِ)
(1) انظر المجموع (8/ 394).
(2)
أخرجه مسلم (1963) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
هذه الأنواع لا تجزئ في الأضحية.
أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ضَلَعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي» (1).
العوراء: هي التي ذهبت إحدى عينيها، والبيِّن: -العور البيِّن- أي الظاهر الواضح.
والمريضة: هي التي يظهر أثر المرض عليها، وهذا ينقص لحمها ويفسده.
العرجاء البيِّن ضَلَعها؛ أي عرجها: وهي التي بها عرجٌ فاحش، بحيث لا تلحق أخواتها، وأما العرج اليسير فمعفو عنه.
وأما الكسير التي لا تنقي: أي لا نِقْيَ في عظامها وهو المخ، فتكون هزيلة، عظمها ضعيف جداً سهل الكسر.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهو المرضُ والعَجَفُ والعَور والعَرَج البَّين؛ لا تجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها؛ كالعمى، وقطع الرجل، وشبهه. انتهى
هذا ما ثبت من أحاديث في عيوب الأضاحي، ولا يصح غير ذلك، وما ورد في هذا الباب غير حديث البراء فضعيف.
والأعجف الذي ذكره المؤلف: هو الهزيل، ذكر في رواية في نفس حديث البراء، بدل قوله: والكسير التي لا تنقي، قال: والعجفاء التي لا تنقي، والعجفاء هي المهزولة التي لا نِقْيَ لعظامها أي لا مخ.
وأما قول المؤلف: وأعضب القرن والأذن: أي الذي ذهب نصف قرنه أو نصف أذنه أو أكثر من ذلك.
والصحيح أنه يجزئ في الأضحية حتى لو ذهب قرنه كله أو ذهبت أذنه كلها.
المؤلف ومَنْ ذهب مذهبه يستدلون بحديث علي رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن (2). أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وفي سنده جُرَيّ بن كُليب لا يحتج به ضعيف، وكذا حديثه في استشراف العين والأذن (3) أعله الدارقطني في العلل.
وفي حديث البراء المتقدم قيل للبراء: فإني أكره أن يكون نقصٌ في القرن والأذن، قال: فما كرهته منه فدعه ولا تحرِّمه على أحد. انتهى والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ويَتصدَّقُ مِنها ويَأكُلُ ويَدَّخِرُ)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا وأطعموا وادخروا» (4) متفق عليه.
(1) أخرجه أحمد (18510)، وأبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي (4370)، وابن ماجه (3144).
(2)
أخرجه أحمد (864)، وأبو داود (2805)، والترمذي (1504)، والنسائي (4377)، وابن ماجه (3145).
(3)
أخرجه أحمد (732)، وأبو داود (2804)، والترمذي (1498)، والنسائي (4372)، وابن ماجه (3143).
(4)
أخرجه البخاري (5569) من حديث سلمة بن الأكوع وأصله عند مسلم، ومسلم (1971) من حديث عائشة وأصله عند البخاري.
هذا ليس على الوجوب، الأكل والادخار ليس على الوجوب، وإن كان هنا أمر، لكنه أمرٌ وارد بعد حظر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث وأمرهم بالتصدق بها، ثم بعد ذلك رفع هذا النهي بهذا الأمر فقال:«كلوا وادخروا وتصدقوا» وقد مر معنا في قواعد الأصول أن الأمر بعد الحظر يرجع الأمر إلى ما كان عليه قبل النهي أو إلى الإباحة، فلا يُستفاد الوجوب من هذا الحديث.
أما الصدقة فحصل خلافٌ بين أهل العلم أيضاً والذي يظهر أنها ليست واجبة، أما الشافعية فيقولون: هي واجبة وتصح بأقل شيء يُتصدَّق به. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (والذَّبْحُ في المُصلَّى أفضَلُ)
الصحيح أن هذا خاص بالإمام فقط؛ لما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينحر أو يذبح بالمصلى (1).
ولم يذكر أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك معه إنما ذكر أن الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا قول الإمام مالك رحمه الله، جعل من السنة أن يذبح الإمام فقط في المصلى وليس الجميع. وهو الحق إن شاء الله.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يَأخذْ مَن له أُضحيةٌ مِن شَعْرِهِ وظُفْرِهِ بَعدَ دُخولِ عَشرِ ذِي الحِجَّةِ حتى يُضَحِّي)
إذا أراد المسلم أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة، فلا يجوز له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً إلى أن يذبح أضحيته؛ لحديث أم سلمة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره» (2).
هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
ويصح أن يكون الفعل نفسه مستحباً ولكن له شروط وواجبات لا يصح إلا بها؛ كصلاة النافلة مثلا لا تصح إلا بوضوء مع أنها نفسها ليست واجبة.
وكذلك الأضحية ليست واجبة ولكن منع الأخذ من الشعر والظفر لأجلها واجب.
واحتج الإمام الشافعي رحمه الله بهذا الحديث على عدم وجوب الأضحية، قال: لو كانت واجبة لما رد الأمر إلى إرادة المضحي، إذا أراد أن يضحي أو لم يرد أن يضحي، فلما رده إلى إرادته؛ دل ذلك على عدم الوجوب، وتابع الإمام الشافعي على هذا الاستدلال غير واحد من أهل العلم، منهم ابن المنذر رحمه الله.
واختلف أهل العلم هل واجب الإمساك عن الأخذ من الشعر والظفر فقط على من أراد الذبح أم عليه وعلى أهل بيته أيضاً الذين يريد أن يضحي عنهم؟
(1) أخرجه البخاري (982).
(2)
أخرجه مسلم (1977) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.