الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ اللِّباسِ
قال المؤلف رحمه الله: (سَترُ العورةِ واجبٌ في الملإِ والخلاءِ)
العورة: ما يجب ستره، قد بيّنّا حدودها في كتاب الصلاة.
قول المؤلف: ستر العورة واجب في الملإ، هذا للأمر الوارد في ذلك، قال الله تبارك وتعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور/30]، وقال:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور/31]. وقال صلى الله عليه وسلم للذي رآه كاشفاً فخذه: «غطِّ فخذك فإن الفخذ عورة» (1).
وأجمع العلماء على وجوب ستر العورة عن العيون.
المقصود بالملإ: يعني أمام الناس، والمقصود بالخلاء: أي بينك وبين نفسك.
واختلف أهل العلم على قولين في ستر العورة في الخلاء.
بعضهم قال بالوجوب، وهو الذي ذهب إليه المؤلف، والبعض قال بالاستحباب.
واستدل من قال بالوجوب بحديث حكيم بن حزام عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ فقال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يَرَيَنَّها» فقلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: «فالله تبارك وتعالى أحق أن تستحي منه» (2) أخرجه أحمد وأبو داود.
هذا ظاهره الوجوب، ولكن قال أهل العلم: هو على الاستحباب؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه، سواء كانوا عراة أو غير عراة، ولهذا المعنى قالوا: الحديث يُحمل على الاستحباب لا على الوجوب.
وهذا القول الثاني هو الصحيح، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله على ذلك باباً في صحيحه. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يَلبسُ الرَّجُلُ الخالصَ من الحريرِ؛ إذا كانَ فوقَ أَربعِ أصابِعَ؛ إلا للتَّداوِي، ولا يَفترِشُهُ)
الأصل تحريم لبس الحرير على الرجال، وكذلك اتخاذه غطاء؛ لأنه نوع من اللباس، وكذلك افتراشه يحرم أيضاً، ومعنى افتراشه أن تنام عليه أو تجلس عليه.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحرير؛ فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» (3) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي حديث حذيفة عند البخاري: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج - وهو نوع من الحرير- وأن نجلس عليه» (4). فالجلوس عليه أيضاً منهي عنه.
وقول المؤلف: (إذا كان فوق أربع أصابع) يعني يجوز لبس الثوب فيه قطعة من الحرير، بشرط أن لا تتجاوز هذه القطعة قدر أربع أصابع.
ودليل ذلك ما جاء في حديث عمر في رواية عند مسلم قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع».
(1) أخرجه أحمد (15932)، والترمذي (2798) من حديث جرهد رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (20034)، وأبو داود (4017)، والترمذي (2769)، وابن ماجه (1920).
(3)
أخرجه البخاري (5834)، ومسلم (2069).
(4)
أخرجه البخاري (5837)، وأصله عند مسلم (2067).
وفي الصحيحين: «إلا هكذا» (1) ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما.
فرواية الصحيحين: «أصبعين» ، ورواية عند مسلم فيها إضافة:«ثلاثة وأربعة» .
ورواية الصحيحين أقوى.
وقوله: (إلا للتداوي) دليله حديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكة كانت بهما (2).
أصابتهما حكة، فرخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير فهو يخفف هذا الداء.
هذا كله في حق الرجال، وأما النساء فيجوز لهن لبس الحرير؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال:«إن هذين حرامٌ على ذكور أمتي» (3) هذا الحديث أخرجه أبو داود، وفي رواية عند ابن ماجه:«حِلٌّ لإناثها» (4) الله أعلم بصحتها.
لكن أصل الحديث كاف في الاستدلال به على المراد، مع أن الاستدلال بالمفهوم ليس كالاستدلال بالمنطوق، لكن على كل حال هو كافٍ إن شاء الله في بيان حكم المسألة؛ وهو أن الحرير والذهب محرمان على الرجال دون النساء.
هذا ما يتعلق بالحرير الخالص الذي ذكره المؤلف.
واختلف العلماء في الحرير المشوب بغيره، أي المخلوط بغيره، والصحيح أنه محرَّم أيضاً لعموم الأدلة وإطلاقاتها، ولا يوجد دليل صحيح يخرج نوعاً من الحرير دون نوع إلا ما جاء من استثناء الإصبعين، أو من الاستثناء في حال التداوي فقط، وأما غير ذلك فلا يصح فيه شيء فيبقى الأمر على العموم.
قال المؤلف: (ولا المَصبوغَ بالعُصفُرِ)
العصفر: نبات يُستخرج منه صبغ أحمر اللون، وبعضهم قال: أصفر اللون، لكن الذي يظهر أن الأصح أن اللون الذي يستخرج منه هو الأحمر تصبغ به الثياب، ويستعمل أيضاً في الطعام، فالثوب المصبوغ بالعصفر يكون لونه أحمر.
أخرج مسلمٌ في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين، فقال:«إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» (5).
وفي حديث علي رضي الله عنه عند مسلمٌ أيضاً قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس اللباس المعصفر (6). لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث البراء رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حُلَّة حمراء (7)، لذلك اختلف أهل العلم في حكم لبس الثوب الأحمر على أقوال:
(1) أخرجه البخاري (5829)، ومسلم (2067).
(2)
أخرجه البخاري (2919)، ومسلم (2076).
(3)
أخرجه أحمد (750)، وأبو داود (4057)، والنسائي (5144)، وابن ماجه (3595).
(4)
أخرجها ابن ماجه (3595).
(5)
أخرجه مسلم (2077).
(6)
أخرجه مسلم (2078).
(7)
أخرجه البخاري (3551)، ومسلم (2337).
فمنهم من قال بالتحريم مطلقاً، ومنهم من قال بالكراهة التنزيهية، وذلك جمعاً بين حديث النهي وحديث الفعل، وبعضهم فصَّل وفرَّق بين المصبوغ بالعصفر فيحرُم وما لم يُصبغ به فيجوز، يعني إذا صُبغ بلون أحمر ولكنه ليس من العصفر فجائز، وما صبغ بالعصفر فهو محرَّم؛ لأن النهي جاء عن الصبغ بالعصفر فلذلك خصه بالمصبوغ بالعصفر فقط. والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا ثوبَ شُهرةٍ)
يعني ولا يلبس الرجل ثوب شهرة، وهو الثوب الذي يُشهِر لابسه بين الناس.
ورد في النهي عن ذلك عدة أحاديث لا يصح منها شيء، أصحها حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة» (1) أخرجه أحمد وأبو داود، يرويه عن ابن عمر المهاجر الشامي ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه جمع، فهو مجهول الحال، ولا يوجد ما يقويه من الأحاديث على الصحيح في هذه المسألة. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (ولا ما يَختصُّ بالنساءِ، ولا العكسَ)
أي ولا يجوز أيضاً للرجال أن يلبسوا من الثياب ما يختص بالنساء، وكذلك لا يجوز للنساء أن يلبسن من الثياب ما يختص بالرجال، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء (2). أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرج أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل (3)، فهذا الفعل يعتبر من كبائر الذنوب؛ لأن فيه لعناً من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف: (ويَحرمُ على الرِّجالِ التَّحلِّي بالذَّهبِ لا بِغيرِهِ)
يحرم على الرجال التحلي بالذهب، وأما غير الذهب كالفضة مثلاً فلا يحرم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خاتماً من فضة (4)، الحديث متفق عليه.
ودليل تحريم الذهب على الرجال حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال:«إن هذين حرام على ذكور أمتي» (5) أخرجه أحمد وأبو داود.
(1) أخرجه أحمد (5664)، وأبو داود (4029)، وابن ماجه (3606).
(2)
أخرجه البخاري (5885).
(3)
أخرجه أحمد (8309)، وأبو داود (4098)، وابن ماجه (1903).
(4)
أخرجه البخاري (5875)، ومسلم (2092) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5)
تقدم تخريجه.